لا تدل التسريبات التي تملأ الإعلام والوسط السياسي في لبنان، الى الأسماء التي يمكن ان تشملها الحكومة اللبنانية المقبلة إلا على شيء واحد، هو الارتباك الذي يتخبط فيه فريق الرئيس اللبناني الممدد له اميل لحود، والقيادة السورية التي باتت ترعى تفاصيل الوضع اللبناني اكثر من أي وقت، بعدما حشرت نفسها بخيارات محدودة.

ومهما قيل في تبرير الأهداف التكتيكية لهذه التسريبات فإن بعضها مثير للشفقة، بعد الاستهجان، لأنها تدل الى هروب للأمام من تداعيات الأخطاء التي رافقت الاستحقاق الرئاسي اللبناني على الصعيدين الداخلي والخارجي بدءاً بالإصرار على التمديد للحود، وانتهاء بصدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 9551. وهي تؤشر الى ان لملمة الوضع المستجد الذي سقط فيه لبنان، وسورية، تتم من طريق «عدة شغل» قديمة لا تمت بأي صلة الى «الذهنية الجديدة» التي نسمع عنها، ولا الى الدعوة الى «طي صفحة الماضي والمصالحة»، التي نصح الرئيس السوري بشار الأسد الرئيس لحود بإطلاقها.

والخيارات المتاحة لمغادرة سياسة الهروب الى الأمام، على قلتها ممكنة، لكن تفويت فرصة تشكيل حكومة جديدة في إطلاقها، ستكون خطأ يضاف الى اخطاء سابقة لن تفعل سوى زيادة الأعباء. وإذا كان الحديث في اوساط القيادة السورية وحلفائها عن «صدمة ايجابية» يحتاجها لبنان من اجل اعادة التماسك الى «خط الدفاع الأول» عن سورية فإن الصدمة لا تأتي من دون سياسة جديدة مختلفة جذرياً عن السياسة السابقة.

طرح احد المهتمين بالوضع اللبناني (وهو ليس سياسياً أو له موقع سياسي) السؤال عما يمنع سورية من ان تدفع في اتجاه حكومة اقطاب لبنانيين، تعزز فرص مواجهتها للوضع المرشح للتفاقم، داخلياً وخارجياً، وتفتح الطريق أمام «إمكان» إنقاذ لبنان اقتصادياً، والتخفيف من وطأة الهجوم الأميركي الدولي عليه وعليها، وتسعى الى مصالحة وطنية حقيقية، وتطرح حلولاً ذكية للعلاقة اللبنانية - السورية، تطمئن دمشق لأن معظم هؤلاء الأقطاب هم من حلفائها الاستراتيجيين.

وبعيداً من الشعارات الطنانة والمملة كان صاحب الفكرة يحمل الجواب في ذهنه: رفيق الحريري رئيساً للحكومة ومعه الرئيس عمر كرامي وفؤاد السنيورة (او تمام سلام) عن السنّة، وعن الشيعة: الرئيس حسين الحسيني، علي عسيران وشخصية مستقلة مقربة من «حزب الله»، عن الموارنة: سليمان فرنجية، نسيب لحود (أو فارس سعيد) وبطرس حرب، عن الأرثوذكس: عصام فارس وفؤاد بطرس (او ايلي الفرزلي)، عن الدروز: وليد جنبلاط، عن الكاثوليك: الياس سكاف، عن الأرمن: سيبوه هوفنانيان.

كان رد فعل بعض السياسيين الاستهجان ببساطة لاعتقادهم بأن لا لحود ولا الحريري ولا السوريين، خصوصاً، يقبلون بتركيبة كهذه، وأن تشكيلة من هذا النوع، هي كما يقول المثل الفرنسي: «جميلة جداً كي تكون حقيقية». ولعل السبب الرئيس لاستغراب تشكيلة كهذه هو اعتقاد الذين سمعوا بها من الذي خطرت بباله، ان دمشق ليست في وارد السماح بهذا القدر من الإدارة اللبنانية للوضع اللبناني. لكن التمعن بالأسماء يدل الى ان اكثر من ثلثيها «مضمون» لمصلحة سورية، من دون ان تتكبد عناء التدخل في التفاصيل.
يصعب إقناع لحود والحريري بها؟ ما دامت دمشق «أقنعت» الأول «بالمصالحة الوطنية» والثاني بالتمديد، فباستطاعتها اقناعهما انه بات مطلوباً ان تكون الحكومة المقبلة «مجلس وصاية» على كل منهما لأن المطلوب شركاء فعليون لهما، وخصوصاً للحود على الطاولة. ثم ألا يكفي ان لحود حصل على التمديد؟

يصعب اقناع البطريرك الماروني نصر الله صفير ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط؟ لن يكون الأمر سهلاً، وهو سيحتاج الى مفاوضات جدية من دمشق مع كل منهما، لإقناع الأول خصوصاً، ان حكومة كهذه ستوكل إليها مهمة «العودة عن الخطأ» وأن هذه العودة ليست بالعودة عن التمديد.
طبعاً، ان اقتناع سورية بتركيبة كهذه يتطلب اول ما يتطلب، العودة عن اعتبار قرار مجلس الأمن الدولي انتصاراً!