القاهرة - أمينة خيري: فيما تطلع العالم بذهول مؤلم الى صور الزلزال المدمر الذي اجتاح دول جنوب شرقي آسيا، ومد «تسونامي» الهائل الذي رافقه، اعاد الكثيرون طرح السؤال القديم عن امكان معرفة توقيت الزلازل قبل حدوثها. زادت الأسئلة مع الحديث عن انظمة انذار عالمية تتنبه لموج «تسونامي» فور حدوثه، مما يوفر وقتاً ثميناً في عمليات الإنقاذ. راجت كثيراً قصة الفتاة التي عرفت، بحكم إقامتها في الغرب، ان التراجع القوي والمفاجئ للبحر ربما شكل مقدمة لعودته للاندفاع مجدداً في امواج عاتية. ثمة درس يمكن استخلاصه من هذه القصة: نشر الوعي عن الزلازل و«تسونامي» يساهم في الوقاية من الآثار الكبيرة التي قد تنجم عنها.
ويبقي السؤال الأكثر الحاحاً: ماذا عن الامكانات العلمية في مجال التعرف المسبق على وقت الزلزال ومكانه؟ الا يمكن للعلم راهناً، في زمن ثورة في تقنية المعلومات، واستنساخ الحيوانات، واكتشاف ماء المريخ، «التنبؤ» بالزلازل قبل حدوثها؟

*لا شيء يُرجى...
حملت «الحياة» هذا السؤال الى الدكتور أبو العلا أمين محمد، رئيس مختبر «الشبكة القومية للزلازل» في «المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية» المصري. للأسف، جاء النفي في مقدمة اجابته! قد لا يمثل النفي افضل الإجابات. ربما امتعض البعض منها. لكنها تبقى اجابة واقعية.
فعلى رغم التقدم العلمي والتقني المذهل الذي شهدته البشرية في العقود الثلاثة الأخيرة، خصوصاً في مجال العمل على جيولوجيا الطبقات العميقة من الأرض واهتزازاتها، الا ان التنبؤ بزلزال ما في مكان ما قبل حدوثه بمدة تكفي لانقاذ الارواح، غير وارد راهناً. في حديثه المفصل، يوضح محمد ان «الكليات المتخصصة في العالم درجت، الى وقت قريب، على تدريس مادة اسمها «علم التنبؤ» Prediction. ولطالما افردت المعاهد البحثية المتخصصة في الزلازل أقساماً كاملة لإجراء أبحاث تكلف ملايين الدولارات، أملاً في التوصل إلى طرق قد تؤدي إلى شكل من أشكال التوقع المُسبق بحدوث الزلزال. يكفي القول ان تلك الاقسام المتخصصة أغلقت جميعها، وان المعاهد العلمية الغت تدريس تلك المادة، باستثناء الصين». في هذا السياق، يذكر ان الزلزال الآسيوي، الذي بلغت شدته 9 درجات على مقياس «ريختر» المفتوح، لم يكن بعيداً كثيراً عن المراصد الصينية. تنبّه إليه كثير منها. وكذلك رصدته معظم مراكز مراقبة الهزات الارضية في العالم. وللتذكير، ففي تاريخ الزلازل، كانت اقوى «ضرباتها» 9،5 درجة على المقياس نفسه، عندما اصاب زلزال التشيلي في العام 1964.

*إبحث عن الصين!
ويشير محمد إلى تقدم الصين الكبير في هذا ا لمجال، والى انها الدولة الوحيدة التي مازالت تحتفظ بقناعتها في احتمال التوصل الى شكل من التنبؤ العلمي بالزلزال، في مستقبل قد لا يكون بعيداً.
الطريف ان المرة الوحيدة تاريخياً التي حدث فيها نوع من التوقع المسبق بوقوع زلزال كانت في الصين ايضاً. حدث ذلك في العام 1975، حين توجه صياد صيني الى موقع اعتاد ان يصطاد فيه نوعاً معيناً من الأسماك على مدى 20 عاماً. في ذلك اليوم، لم يفلح في اصطياد سمكة واحدة، سارع الى ابلاغ السلطات. بعد ساعتين، حدث زلزال قوي. بعد ذلك بعام، وقع زلزال آخر مدمر.
بيّن محمد ان «الشبكة القومية لرصد الزلازل» تتلقى عشرات من المكالمات الهاتفية من مواطنين مصريين عاديين، لاسيما في الايام التي تعقب حدوث هزات ارضية، يستفسرون فيها عما اذا كان لدى علماء الشبكة معلومات عن زلازل وشيكة الحدوث. يبدي كثير منهم عجبه من الردود التي يتلقاها حول استحالة مثل هذا التنبؤ. وقد نشطت هذه العلاقة الهاتفية بين المواطنين والمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية في اعقاب حدوث زلزال 12 تشرين الاول (اكتوبر) عام 1992 وتوابعه، لاسيما ان المصريين لم يعتادوا حدوث هزات ارضية محسوسة.
ويشير محمد ايضاً الى ان الشبكة القومية عينها انشئت في اعقاب ذلك الزلزال، بغرض العمل على خفض المخاطر المرتبطة بالزلازل. تدأب الشبكة على تدوين تسجيلات مستمرة وذات دقة عالية للارتجاجات المختلفة في القشرة الأرضية. واستطاعت ان تؤمن تغطية فاعلة للهزات المتنوعة التي حدثت في مصر وما حولها، وان تجمع بيانات عن تفاصيلها. تُرسَل هذه البيانات، بوسائط سريعة مثل الفاكس والهاتف، الى مرصد الشبكة القومية للزلازل في حلوان. ويوضح محمد انه على رغم استحالة التنبؤ بالزلزال، الا ان هناك مؤشرات عدة يمكن تتبعها علمياً. ومثلاً، عندما تحدث هزات ارضية صغيرة في صورة متتالية، فالأرجح ان يعقبها زلزال كبير.
على عكس الشائع، يوضح ان مقياس ريختر ليس مجرد جهاز، لكنه يمثل مقياساً للطاقة المنبعثة من الزلزال بطريقة حسابية.
اذا كان التنبؤ مستحيلاً، فما تكون مهمة المركز الرئيسي للشبكة القومية للزلازل، الذي يحوي اجهزة تقدر قيمتها بملايين الدولارات؟ يبيّن محمد ان المركز يراقب النشاط الزلزالي في مصر، واقليم الشرق الاوسط، وكذلك الزلازل الكبيرة في العالم على مدار الساعة. ويحدد بصورة فورية، مواقع الزلازل وعمقها وقوتها. وتدرس الشبكة الوضع الزلزالي في مصر، وتحدد معايير الأمان في البلاد، بهدف تقليل مخاطر الزلازل المحتملة على البنى الأساسية. فمن خلال عمليات البحث والرصد، تتعرف الشبكة الى تراكيب الطبقات الصخرية، خصوصاً الصفائح التكتونية التي «تحمل» القشرة الارضية، وما تحتويه من فوالق وطبقات وكسور وغيرها. تخدم تلك المعلومات في اختيار المواقع المناسبة لتشييد المنشآت الصناعية والعمرانية، مثل محطات الطاقة الكهربائية والسدود والانفاق والمصانع والطرق السريعة وخطوط الضغط العالي والجسور والقناطر وغيرها.

*سؤال عن السد العالي
ويشير رئيس الشبكة القومية للزلازل الى إمداد الشبكة الهيئات المصرية بالبيانات السيزمية (الزلزالية)، بما تحتويه من معلومات. تستخدم المعلومات من جانب المحطات النووية، وهيئة كهرباء مصر، وقطاع الخزانات والسدود، وقطاع البترول، والسد العالي وغيرها.
يذكر أن صحيفة مستقلة خرجت، عقب زلزال جنوب شرقي آسيا المدمر بساعات، مع عنوان رئيسي «هل يضرب الزلزال السد العالي؟». مال محمد الى نفي ذلك الاحتمال. لم يبن رأيه على «التنبؤ»، وانما على معرفته بتقنية بناء السد. «حين بنى الروس السد في العام 1960، شيدوه وفقاً لمواصفات صارمة، بحيث يتحمل الهزات الارضية والزلزال بحد اقصى 8،5 درجات على مقياس ريختر، على رغم ان الهزات الأرضية التي قد تحدث في موقع السد العالي لا يمكن ان تصل الى هذه القوة».
الغريب ان للزلزال فوائد، بعضها روحاني ولا مجال لذكره. ثمة فائدة أخرى يشرحها محمد في ضوء نظرية تفريغ الطاقة الكامنة في اعماق نواة الكرة الأرضية. وبحسب رأيه، يمكن النظر الى تفريغ الطاقة المتزايدة في باطن الأرض على انه امر ايجابي. «لو استمرت هذه الطاقة في التزايد من دون تنفيس، قد يتعرض العالم كله للدمار في نوبة تنفيس مفاجئة»!