عبدالله العليان: أي وقفة دراسية أو تأملية لاستقراء عادة من العادات أو التقاليد الاجتماعية الموروثة في أي مجتمع من المجتمعات لاشك أنها ستعبر بالضرورة عن ملحمة تاريخية من تراث ذلك المجتمع الذي يملك رصيدا كبيرا من هذه التقاليد أو العادات وهو في الواقع تعبير حي عن قيمه وتقاليده.
وللشعب العماني عبر تاريخه سجل خالد مليء بالتراث المعبر عن هذا المجتمع والذي يجسده في مظاهر وتقاليد رائعة وعميقة في التعاون والتآزر وتشكل بحق لوحة تعبيرية عن أصالة وتقاليد هذا الشعب العريق.
من هذه الموروثات والتقاليد الطيبة التي لا تزال باقية ومعانيها حية متدفقة بالتآخي والتلاحم ، عادات الزواج.
أفراح عقد القران
ويتم عقد القران أو «العقد« عادة في المساجد وأحياناً في بيت أهل العروس ويحضره عدد كبير من الناس وتوزع فيه الحلوى والقهوة وترش العطور على الحضور، ويقومون بعد الانتهاء من مراسم العقد بتهنئة العريس ومصافحته واحداً تلو الآخر وسط رائحة اللبان والبخور التي تملأ جو المسجد أو البيت الذي يتم فيه العقد .وبعد عقد القران تقام رقصات الهبوت حيث يتوسط العريس وهو يحمل السيف أو البندقية الصف الأمامي الذي يتكون من الشيوخ والوجهاء.
ويسير الجميع وهم يرددون أغاني الفرح ومن خلفهم ترتفع أصوات الطبول والأغاني التي تؤديها الفرق الشعبية من الرجال والنساء وهن يحملن المجامر الكبيرة التي ترتفع منها رائحة البخور واللبان لتتوج جو الفرحة والبهجة الذي يعم الجميع.
الحفل الفني الساهر
وفي مساء يوم العقد يقام احتفال فني ساهر يحييه عدد من الفرق الشعبية ومن فناني المحافظة وتقام على أنغام الأغاني والألحان رقصات «البرعة« و«الشرح« التي تشتهر بها المحافظة، ويحرص الكثير من الناس على حضور هذه السهرات لتأدية رقصات البرعة التي توضع خلالها النقوط على الذي يقوم بالبرعة والتي غالباً ما يؤديها اثنان أو أكثر وهم يحملون الخناجر في أيديهم، وعندما يقوم العريس بتأدية البرعة تنهال عليه النقوط بغزارة من معظم الحاضرين الذين يحرصون دائماً على تنقيط العريس ومشاركته أفراحه، وبعد انتهاء السهرة يتقاسم الفنانون هذه النقوط فيما بينهم والتي تصل أحياناً إلى أكثر من ألفي ريال. كما تقام لمناسبة الزواج سهرة خاصة للنساء وهو ما يعرف في المحافظة بـ«طبل النساء« وتحضره أعداد كبيرة منهن، وتجري غالباً فوق أسطح المنازل بعد إنارتها وتسويرها بقطع القماش التي تحجب الرؤية، وهي تقام يوم الدخلة. ويأتي العريس إلى بيت أهل العروس وسط فرحة «الهبوت« والمدار وبمصاحبة فرق موسيقية شعبية لها نغم معين خاص بهذه المناسبات، كما توجد خلف هذه نساء يحملن البخور واللبان والمجامر الكبيرة والمراوح.
والفنون التقليدية التي تقام في الأفراح في محافظة ظفار كثيرة ومتنوعة الأنماط الثقافية نظراً لاختلاف وتعدد اللهجات المحلية بين الريف والمدينة والبادية وقد أسهمت هذه الفنون كثيراً في توصيل التراث الثقافي للمنطقة على الصعيدين المحلي والخارجي وما تزال إلى اليوم تسهم في التعبير والفكر لأبناء المنطقة من مختلف الشرائح الاجتماعية.
الأشكال التعبيرية
فالفنون الأدبية الشعبية تفيض بها قرائح الأدباء والشعراء وتعرف الموهبة الشعرية في ظفار (بالحليلة) ويقوم أصحاب المواهب بالتعبير عن الإنسان في همومه وأحزانه وأفراحه وأشجانه سواء دارت هذه الأشكال الأدبية في الغراميات أو الوطنيات أو المدح أو الهجاء أو الغبن أو الظلم وإن اختلفت درجة إجادة كل شاعر في نوعية الغطاء فإن معين الأدب والفنون الشعبية في ظفار لا ينضب باستمرار.
يعتبر الهبوت اكثر هذه الفنون شعبية وانتشارا في محافظة ظفار حيث يتم تأديته في البادية والأرياف والمدن الساحلية في المناسبات الوطنية والدينية.
كما أن فن الهبوت من الفنون التي تحظى بمكانة كبيرة في المحافظة نظرا لشعبيتها بين سكان المدن والأرياف والبادية.
الهبوت عبارة عن غناء جماعي متبادل دون استخدام أي نوع من الآلات الموسيقية. حيث ينتظم المؤدون في صفوف متتالية صفا خلف الآخر. وتتكون الصفوف الأولى من الشاعر والشيوخ وكبار رجال القبيلة ووجهائها، يليهم بقية المشاركين من عامة القبيلة في مسيرة هبوت الزامل، والغناء يكون فيها بطيئا الى حد ما، بعكس الجزء الذي يليه ويسمى «العسير« فالغناء يكون فيه خفيفا وسريعا، ويشبه «المارش« العسكري.
ثم يليهما الدانادون «باللهجة المهرية« - عند أهل الأرياف - بعد أن يصطف المؤدون في حلقات تنقسم كل منها إلى صفين متضادين على رأس كل حلقة شاعر لتبدأ المطارحات الشعرية مع غناء يختلف كثيرا عما هو في بقية جزءي الهبوت: الزامل والعسير.
وتتنوع هذه الفنون في الأفراح على وجه الخصوص بتنوع حياة السكان.