قال الجاحظ ماغلبني أحد إلا امرأة جميلة رأيتها فأعجبت بها وذات يوم جاءت الي وأنا واقف علي باب داري فقالت‏..‏ لي اليك حاجة وأريد أن تمشي معي لقضائها‏..‏ ففرحت‏..‏ وقمت معها الي أن أتت بي صائغا يهوديا‏..‏ وقالت له مثل هذا‏..‏ وتركتني وانصرفت‏..‏ فسألت الصائغ عن قولها‏..‏ فقال انها اتت الي بفص خاتم وأمرتني أن أنقش عليه صورة للشيطان‏..‏ فقلت لها يا سيدتي ما رأيت شيطانا قط‏..‏ فأتت بك‏..‏ وقالت مثل هذا
لقد أدهشني أن يشرب الجاحظ هذا المقلب الساخن وأدهشني أكثر أن يحكيه‏..‏ فهو ذهب ليبحث عن السعادة في امرأة جميلة‏..‏ فكانت هي تعاسته‏..‏ ولكن هذا الظرف وتلك الدعابة في كتاباته جعلتني اكتشف لطف شخصيته وتواضعه النبيل وهو يحكي لنا ضعفه الأنساني وخيبته القوية‏.‏
الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول من كانت فيه دعابة‏..‏ فقد تبرأ من الكبر‏(‏ الغرور‏).‏
المداعبات الذكية هي مدد عاطفي ووجداني يملأ النفوس بالبشر والتفاؤل والسعادة‏.‏
صحابي جليل اسمه النعيماني كانت له مداعبات لطيفة مع الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏..‏ إذ انه كان يذهب الي الأسواق فيشتري اللحم والخبز والعسل ومالذ وطاب ثم إذا جاءته فاتورة الحساب‏..‏ قال للبائع إن هذه الأشياء للنبي‏..‏ فاذهب اليه يعطك الدراهم‏..‏ وعندما كان التاجر يطالب النبي بتلك الديون‏..‏ كان ـ صلي الله عليه وسلم ـ يضحك ويقول إنه النعيماني ثم يستطرد قائلا‏..‏ النعيماني سوف يدخل الجنة باسما‏..‏
لطائف النكات تفرج هموم القلب وتجعله يتجاوز قساوة الواقع‏..‏ ثقافة الزحام اصابت الظرفاء بالسكتة القلبية‏..‏ إذ انه كيف يضحك المأزوم والمزحوم‏..‏ ونصيبه من المساحة الجغرافية المعمورة‏..‏ مشاركة خمسة عشر آدميا في المتر المربع الواحد‏..‏ نحن لانحس بالمشكلة لأننا نعيش طبقات في عمارات تصل أدوارها الي ثلاثين‏..‏ قال لي الفنان هاني شنوده ذات مرة‏..‏ أنا صاحب الانقلاب السياسي الأكبر في الأغنية المصرية‏..‏ قلت له كيف ذلك؟ قال‏:‏ يؤرخ للأغنية السياسية‏..‏ بأغنية زحمة يا دنيا زحمة‏..‏ مولد وصاحبه غايب‏.‏
صحيح إن التنكيت لن يعفينا من تسديد فاتورة الدروس الخصوصية مثلا وهي التي تصل الي‏16‏ مليار جنيه‏..‏ إلا أن الموقف في حد ذاته ضحاك وشر البالية ما يضحك‏.‏
المدهش أن معهد جالوب أجري دراسة مسحية علي الشعوب الأكثر سعادة‏..‏ فوجدوا أن فقراء امريكا اللاتينية لديهم درجة أعلي من الرضا من الأغنياء نص نص في آسيا او الأثرياء جدا جدا في امريكا وأوروبا‏..‏ وربما تفسر لنا ذلك فراسة المصريين حين يختصرون الدعاء ويقتصرونه في الستر والصحة‏..‏ ولا يعرفون أدعية الغني والثراء‏..‏ ويحكي أن أحد الغلابة كان يبتهل بالدعاء في الحج أن يستره الله ويساعده علي تستير ابنته ويزوجها وراح يلح بالدعاء يارب ألف جنيه فقط‏..‏ وراح يلح ويلح‏..‏ وكان بجواره رجل أعمال يدعو لنجاح صفقة بعشرة ملايين‏..‏ ولما كان جاره الغلبان يشوش عليه في الدعاء‏..‏ أخرج من جيبه الألف جنيه وقال له خذ واسكت قليلا كي أركز في الدعاء لعله يستجاب‏.‏
المال محرك اساسي لتحقيق السعادة والهناء ولكن بعض العقلاء يراهنون علي الرضا كطريق للسعادة واخر الدراسات تؤكد أن الهناء الديني يحقق‏85%‏ سعادة بينما الهناء الوجودي يحقق‏35%‏ سعادة وأن الأحداث التي تسبب السعادة تكون اما بسبب الوقوع في الحب‏..‏ النجاح في الامتحان‏..‏ الحصول علي مؤهل‏..‏ الشفاء من مرض خطير‏..‏ والتصالح بعد خناقة مع الزوج او الحبيب‏..‏ الحصول علي وظيفة جديدة‏..‏ الاستمتاع بالموسيقي الجميلة والوجه الحسن والماء والخضرة‏..‏ كالتنزه في الطبيعة الساحرة‏..‏
أنون أحد الحكماء يقول اذا أردت أن تكون سعيدا لساعات قليلة فاشرب حتي تثمل‏..‏ واذا أردت ان تكون سعيدا الي الأبد‏..‏ فلتكن لك حديقة‏(‏ لاشك أن السيد أنون يمتلك فيلا في مارينا ويطلب معجزة‏)‏ فهذا هو طموح كل بني آدم‏..‏ ولكن الأزمة تكمن في الهوة بين الطموح والانجاز‏..‏ إذ يقول العالمون إن حجم السعادة هو دائما الفرق بين الطموح والانجاز‏.‏

وأحيانا يموت كثير من الرجال مقصوفي العمر لأنهم كانوا ضحية إخفاقات كثيرة‏..‏ وبهذه المناسبة تقول النساء في قرية روسية أصغرهن سنا فيها تسعة وستون عاما‏..‏ يقلن بافتخار‏..‏ لقد دفنا كل الرجال وعشنا نحن‏..‏ في عام‏2050‏ إن شاء الله سوف يصل عدد المسنين إلي مليارين من البشر وعددهم الآن هو‏606‏ ملايين وستفوق أعداد المسنين اعداد الأطفال للمرة الأولي في التاريخ‏..‏ أخبار طيبة لكن يا هنا من يعيش‏!‏ فكل ذي حاجة ملهوف‏..‏ بعض الناس يرون أن مجرد بقائهم أحياء هو في حد ذاته معجزة فاليوم يمر عليهم كأنه سنة‏..‏ وربما تفسير ذلك لماذا عندما يتقابلون يوميا ويتبادلون السلامات يقولون لبعضهم البعض كل سنة وأنت طيب‏..‏ أو أنهم عندما يتناولون الطعام يقولون بالهناء والشفاء كأنه دواء ولا يقولون مثل آخرين صحتين وعافية‏..‏ سيدنا علي بن أبي طالب يقول لو كان الفقر رجلا لقتلته‏..‏ كان الناس في العصور الماضية يحلون مشكلة الفقر بقصيدة شعر‏.‏
دخل أبو دلامة‏..‏ وكان شاعرا ظريفا‏..‏ علي الخليفة المهدي‏..‏ فأنشده قصيدة‏..‏ فقال له سل حاجتك فقال يا أمير المؤمنين‏..‏ هب لي كلبا‏..‏ فغضب الخليفة وقال أقول لك سل حاجتك تقول لي هب لي كلبا‏..‏ فقال يا أمير المؤمنين الحاجة لي أولك؟‏..‏ فقال‏..‏ بل لك‏..‏ قال إني أسألك أن تهب لي كلب صيد‏..‏ فأمر له بكلب صيد فقال يا أمير المؤمنين هبني خرجت للصيد أأعدو علي رجلي؟ فأمر له بدابة‏..‏ فقال يا أمير المؤمنين فمن يقوم عليها؟ فأمره بغلام‏..‏ فقال له هبني صدت صيدا وأتيت به لمنزلي‏..‏ فمن يطبخه؟ فأمر له بجارية‏..‏ فقال يا أمير المؤمنين أين يبيتون؟ فأمر له بدار‏.‏ فقال يا أمير المؤمنين‏..‏ قد صيرت في عنقي عيالا فمن أين لي بقوت هؤلاء؟ فقال المهدي اعطوه حديقة نخل ومالا‏..‏ ثم قال له هل بقيت لك حاجة قال نعم‏..‏ إن تأذن لي أن أقبل يدك‏..‏ قال‏..‏ أما هذه فلا‏!!..‏ انتهت القصة‏..‏ كل عام وانتم أغنياء.