النتيجة: نظام أمني متسلّط صادَر الحياة السياسية والحزبية
تدخّل الأجهزة بلغ ذروته في عهدَي شهاب ولحود
صبحي منذر ياغيمن بيروت(النهار): مذ تأسس جهاز المخابرات اللبنانية الذي كان يعرف بـ"المكتب الثاني" في الخمسينات، على يد الضابط اميل البستاني، والاصوات المعارضة تتعالى شاكية تدخل هذا الجهاز في الحياة السياسية، رغم ان بعضهم كان، ولا يزال، يرى ضرورة تعزيز الاجهزة الامنية لحماية البلاد من التدخلات الخارجية، والامساك بسلامة الوضع في بلد كان يعج بالغرباء والاجانب من كل حدب وصوب. ولعل معارضة بعضهم تدخّل الاجهزة الامنية، يعود الى طبيعة النظام الديموقراطي، والى النسيج اللبناني المتنوع، والمتعدد الثقافة، في مناخ من الحرية والديموقراطية. بلغ تدخل المخابرات في الشؤون السياسية اللبنانية ذروته في العهد الشهابي، ليتحكم بمسار الانتخابات النيابية، من تشكل اللوائح والتقسيمات الانتخابية، وممارسة الضغوط على المواطنين بالاكراه تارة، والترغيب تارة اخرى، فبات للشهابية 79 نائبا في المجلس النيابي من اصل 99، وفُرض طوق امني على الاحزاب والجمعيات والنقابات، بحيث باتت الحياة الحزبية والسياسية في لبنان اسيرة هذا الطوق، فتدخل العسكر في كل التفاصيل، وأدقها وصار مسؤول "المكتب الثاني" الكولونيل انطون سعد الرجل الاقوى في عهد الرئيس فؤاد شهاب. واستمرت سيطرة "المكتب الثاني" حتى مع بدايات عهد الرئيس شارل حلو، واستمر معها النهج الامني المتسلط، الا ان نجمه أفل مع وصول الرئيس سليمان فرنجية الى سدة الرئاسة، وقيام رئيس الحكومة صائب سلام باقفال غرفة التنصت، وتقليص صلاحيات "المكتب الثاني"، واحالة بعض ضباط هذا الجهاز على المحاكمة، وتعزيز صلاحيات جهاز الامن العام.
يقول الرئيس سليم الحص: "...ليس بيننا من نسي الدور الفاجر الذي كانت اجهزة الاستخبارات، وبخاصة ما يسمى "الشعبة الثانية" في وزارة الدفاع، تلعبه في الحياة السياسية، وقد بلغ هذا الدور ذروته في عهد الرئيس فؤاد شهاب، واستمر مذذاك. والمعروف ان حكومة الرئيس صائب سلام بادرت في السبعينات الى تسريح ضباط "الشعبة الثانية" الكبار في عمليات اعتبرت في حينه بطولية، لكن هؤلاء ما لبثوا، بعد بضع سنوات، ان عادوا جميعهم الى مراكزهم مع الاحتفاظ بكل حقوقهم وامتيازاتهم، بموجب احكام من المحكمة العسكرية، ومن ثم بقرارات من مجلس شورى الدولة ومن حكومات لاحقة... ("السفير" 2005/3/29).
وبعد الاحداث الاليمة التي عصفت بلبنان، عاد "المكتب الثاني" الذي صار يعرف بـ"الشعبة الثانية" الى ممارسة دوره الامني في عهد الرئيس الياس سركيس، ولكن بصلاحيات محدودة، في وطن كان يرزح تحت نفوذ ميليشيات الاحزاب اللبنانية، والتنظيمات الفلسطينية، والجيش السوري الذي كان قد دخل الى لبنان عام 1976. واستمر هذا الدور الهش للشعبة الثانية وبقية الاجهزة الامنية في عهد الرئيس امين الجميل. الا ان دور الاجهزة عاد الى التصاعد مع عودة الجمهورية الثانية (جمهورية الطائف)، وتم تعزيز صلاحيات الامن العام، ومخابرات الجيش، وتفعيل المديرية العامة لأمن الدولة التي انشئت بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 1983/9/16 في عهد الرئيس امين الجميل. ورأى بعضهم ان تعدد الاجهزة الامنية في لبنان، اوجد مشكلة بين الاجهزة نفسها، تجلت في تضارب الصلاحيات والمهمات، وتوزيع الاجهزة محاصصة بين الرؤساء.
مهمات المخابرات وطبيعة عملها
مديرية المخابرات في الجيش هي احد اجهزة قيادة الجيش التي تتولى التقصي الاستراتيجي عن الاخطار التي تستهدف امن الوطن، والمؤسسة العسكرية، ومكافحة التجسس والارهاب المعادي. وقد انشئت مديرية المخابرات الحالية بموجب المرسوم رقم 3771 تاريخ 1981/1/22، وهي ترتبط مباشرة بقائد الجيش ورئيس الاركان. ومن ابرز مهماتها الحصول على معلومات عن الاهداف المطلوب كشفها... وتسليمها الى الجهة المسؤولة لاستثمارها في الوقت المناسب، وتشمل هذه المهمة نشاطين:
نشاط استقصاء: وهو معرفة اكثر ما يمكن عن العدو، ومعالجة هذه الاخبار والخروج منها بخطة هجومية لافشاله.
- نشاط اعتراضي: ويشمل الاعمال التي ينفذها جهاز المخابرات لحجب المعلومات عن العدو، ومنعه من النفاذ لتحقيق مآربه ضد الوطن ومؤسساته.
أجهزة المخابرات
جهاز الامن العسكري: من ابرز مهماته تأمين سلامة الجيش المادية والمعنوية، وحماية العسكريين ضد النشاط الهدام، وحماية المنشآت العسكرية والوثائق والمعلومات العسكرية، والمساهمة في رفع المعنويات.
- جهاز الامن القومي: من وظائفه متابعة المعلومات على صعيد المواطنين في الداخل والاعمال التي تشكل خطرا على مصالح الدولة، والامن القومي وتطهير الحياة المدنية من العوامل التي تشكل خطراً أمنياً، ومكافحة جواسيس العدو وعملائه.
- جهاز الامن الاستراتيجي: وهو ينشط خارج الدولة، ويركز نشاطاته في اراضي العدو، وفي بقية الدول التي لها مصالح مع الدولة. ويعمل هذا الجهاز على معرفة قدرات الدولة المعادية او العدو، وخصوصاً في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
جهاز الاستعلام التكتي: مهماته متابعة حالة قوات العدو، واماكن وجودها وتحركاتها ويتخذ من قلب المعارك والاماكن القريبة وأماكن التوتر ساحة لمهماته.
المديرية العامة للأمن العام
انشئت المديرية العامة للأمن العام بموجب المرسوم الاشتراعي 139 تاريخ 1959/6/12، والذي لا يزال ساري المفعول حتى اليوم، وبموجبه أصبح الامن العام مديرية عامة ترتبط بوزير الداخلية مباشرة، ويرأسها مدير عام.
الأمن العام
-1 المهمات الامنية:
جمع المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصلحة الحكومة، تقويم كل المعلومات في شتى الميادين وتحليلها واستثمارها، المساهمة في التحقيقات العدلية ضمن حدود المخالفات المرتكبة ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي، الاشراف على إعداد التدابير الامنية وتنفيذها، التنسيق الامني المتعلق بمختلف الاهتمامات، مكافحة كل ما يمس الأمن بمراقبة وملاحقة أعمال التخريب ودعاة الفوضى ومروّجي الاشاعات المضرّة بالامن، مكافحة الاحزاب المنحلة والجمعيات السرية والممنوعة، إعداد البلاغات والملاحقات المتعلقة بالبحث ومنع السفر ومنع الدخول، المساهمة في مراقبة الحدود البرية والجوية والبحرية.
-2 الرقابة الاعلامية:
مراقبة وسائل البث المرئي والمسموع وأشرطة التسجيل السينمائية، إعداد الدراسات حول تنظيم اعمال مراقبة المطبوعات والتسجيلات وتنظيم أعمال الرقابة الصحافية والرقابة على الوسائل الاعلامية، السهر على حسن تطبيق أحكام القوانين والانظمة المتعلقة بشؤون الرقابة والاعلام.
-3 التعاطي مع الاجانب:
تقديم التسهيلات التي تطلبها الجهات الخارجية حول الوفود والبعثات والدعوات والاجتماعات للزوار العرب والاجانب، مراقبة الاجانب في كل ما يتعلق بدخولهم الى لبنان واقامتهم فيه وخروجهم منه ومراقبة تنقلاتهم والسهر على حمايتهم، مراقبة الاجانب على الاراضي اللبنانية، إعداد المراسلات لجهة متابعة شؤون إبعاد الاجانب والحوادث المخلة بالامن، متابعة شؤون اقامة الاجانب، تنسيق العلاقات مع البعثات الاجنبية في لبنان، القيام بجميع مهمات الاتصال والارتباط بين السفارات والبعثات الديبلوماسية العربية والاجنبية والمنظمات الدولية والعربية في مجالات التدريب والدورات الدراسية في الخارج، ضبط حركة المسافرين القادمين والمغادرين من كل الجنسيات وتسهيل ذلك، مرافقة رجال الدولة الاجانب القادمين الى لبنان والمحافظة عليهم أثناء تنقلهم داخل الاراضي اللبنانية.
-4 المهمات التقنية:
إعطاء جوازات مرور، اصدار جوازات السفر اللبنانية، منح بطاقات الاقامة الموقتة والدائمة، تنظيم واصدار وثائق سفر اللاجئين الفلسطينيين في لبنان او الواردة من الخارج، منح سمات الدخول، الاشراف على كل المعاملات العائدة الى طلبات التجنس والاحوال الشخصية، مرافقة رجال الدولة اللبنانيين.
(عن موقع الامن العام على الانترنت).
المديرية العامة لأمن الدولة
نصت الفقرة الخامسة من المادة السابعة من المرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 1983/9/16، المادة الرابعة، على انه تنشأ لدى المجلس الاعلى للدفاع مديرية عامة تسمى المديرية العامة لأمن الدولة، خاضعة لسلطة المجلس وتابعة لرئيسه ونائب رئيسه. وتتكون المديرية العامة لأمن الدولة من اقسام وشعب ومصالح وفروع عدة، الا ان شعبة المعلومات هي المنوط بها القيام بالاستعلام الذي يتعلق بأمن الدولة، وجمع المعلومات عن الاخطار الداخلية والخارجية وتحليلها واستثمارها، واعداد العمليات الامنية وادارتها، واعداد التقارير الدورية والمراسلات ورفعها الى المراجع والجهات المختصة وفقاً للتعليمات المرعية.
وتتألف شعبة المعلومات من:
- فرع أمن الدولة الداخلي الذي يترأسه ضابط قائد، ويتولى مهمة تلقّي المعلومات عن الاخطار الداخلية وكل ما يهدد او يمس أمن الدولة من النواحي الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجمعها.
وتتألف شعبة المعلومات من:
- قسم النشاطات السياسية الذي يهتم بمتابعة الوضع السياسي ونشاط الهيئات الدينية والجمعيات والبلديات والنوادي على اختلافها، وتتبّع نشاط الاحزاب والمنظمات والمجموعات المسلحة وحركات التسلح، فضلاً عن تتبّع نشاط اجهزة الاستخبارات المعادية واكتشافها بهدف شلّها والقضاء عليها، وتتبّع نشاط خلايا الارهاب والتخريب واكتشافها والعمل على شلّها ومكافحتها.
- قسم النشاطات الاقتصادية، ويتولى مراقبة نشاط الشركات التجارية والسياحية والخدمات، ونشاط النقابات على اختلافها.
- قسم الجامعات والمدارس: ويقوم بمراقبة نشاط الحركات والاتحادات والخلايا الطالبية.
- قسم التحقيق الاستعلامي: من وظائفه القيام بالتحقيقات الاستعلامية اللازمة، وادارة شبكات التقصّي، ومسك سجلات المشبوهين قيد المراقبة وتتبّع تحركاتهم ونشاطاتهم، وتنفيذ مهمات التقصي والاستعلام، وتتبع الاحداث والاضطرابات الامنية.
- فرع الامن العسكري: يرأس هذا الفرع ضابط يتولى مهمة الحفاظ على أمن، وولاء عسكريي المديرية العامة وأمن منشآتها، واجراء التحقيقات اللازمة.
فرع أمن الدولة الخارجي: يرأس هذا الفرع ضابط يتولى مهمات التقصي عن العدو وكل ما يهدد امن الدولة الخارجي، ومراقبة دخول الاجانب ونشاطاتهم، وتأمين الاتصال بممثلي الدول والمنظمات المعتمدة في لبنان. ويشمل هذا الفرع "قسم نشاط العدو قسم الشؤون الشرق الاوسطية قسم الشؤون الدولية".
- فرع أمن الادارة والمؤسسات: ومن مهماته التقصي عن الاخطار التي تهدد ادارات الدولة ومؤسساتها ومنشآتها الحيوية، وسير العمل في الادارات العامة، وأداء الموظفين، ومدة تقيّدهم بتطبيق القوانين...
- فرع الاستعلام التقني: يجمع المعلومات عن الاخطار التي تهدد قطاع الاتصالات في لبنان، وتلك التي تهدد امن الدولة.
- فرع التحليل والاستثمار: يتولى متابعة، وجمع المعطيات المتعلقة بالأخطار الامنية والسياسية والاقتصادية الداخلية والدولية التي لها انعكاسات على امن الدولة.
المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي
انشئت بموجب المرسوم رقم 54 تاريخ 1967/7/5، ومهمتها الحفاظ على النظام العام، وتوطيد الامن وصون الحريات وحماية الاشخاص والممتلكات، ومكافحة المؤامرات والثورات، واستقصاء المعلومات المتعلقة بالسلامة العامة ومراقبة الاجانب.
تضم المديرية العامة لقوى الامن الداخلي وحدات واقساماً تُعنى بشؤون الامن، وابرزها:
وحدة الشرطة القضائية التي تضم فرع الخدمة والعمليات، وفرع انتربول، فرع المعلومات والتحليل، فرع التدريب، الادارة... قسم المباحث الجنائية العامة، قسم المباحث العلمية، قسم المحفوظات الجنائية، قسم المباحث الجنائية المركزية، قسم المباحث الجنائية الاقليمية، قسم المتفجرات واقتفاء الاثر.
وتشمل صلاحيات قسم المباحث الجنائية الخاصة كل الاراضي اللبنانية، ومن ابرز اقسامه: مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الاموال، مكتب مكافحة الارهاب والجرائم الكبرى.
***
المطلوب اليوم تعزيز هذه الاجهزة على قاعدة حصر صلاحياتها بالشؤون الامنية التي تهدد الامن الوطني العام، تماما كما في كل دول العالم المتقدمة والراقية والديموقراطية، لا أن تتخطى هذه المؤسسات دورها وصلاحياتها، وتنغمس في ادارة المكائد السياسية، وتشكيل اللوائح الانتخابية، والمشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية، واستخدام نفوذها للضغط على المواطنين (كما حصل في العهود السابقة) لفوز مرشحين محسوبين عليها و"تنجير الخوازيق"، واللعب على التناقضات السياسية والاجتماعية.
إقرأ في إيلاف:
لوم السيّد والحاج يعتذر
الانسحاب السوري الكامل ينتهي خلال ساعات
لبنان ودع رئيس الاستخبارات السورية
التعليقات