لم تتوقف الاحتجاجات والمسيرات التي عمت معظم الدول الإسلامية والعربية بعد نشر مجلة «نيوزويك» خبراً عن قيام محققين أميركيين بوضع نسخ من القرآن الكريم في مراحيض معتقل غوانتانامو بهدف استفزاز المعتقلين، وبلغ عدد القتلى 15 قتيلاً بعد مواجهات عنيفة جرت في أفغانستان، وامتد الغضب الذي لم يتوقف منذ الأربعاء الماضي إلى باكستان واندونيسيا، ودخلت دول عربية ومنظمات إسلامية على خط الأزمة مطالبة واشنطن بالتحقيق والاعتذار.

نشر الخبر في مجلة أميركية مهمة وذات صدقية عالية ضاعف من تأثيرات الخبر، وصعب مهمة نفيه، أو التقليل من شأنه، ورغم ذلك تعاملت التصريحات الأميركية،التي صدرت حتى الآن حول صحة الواقعة، بطريقة لاتعبر عن إحساس الأميركيين بخطورة هذه القضية، ومتجاهلة ان الشارع الاسلامي يملك استعداداً مسبقاً برفض التبريرات الأميركية حتى لو كانت صادقة وصحيحة، ويدعم هذا الموقف المسبق لدى المسلمين الغاضبين أسلوب الإدارة الأميركية في التعامل مع قضية سجن أبوغريب.

والموقف من الجندي الأميركي الذي أجهز على مصاب في مسجد ونقلت صورته عبر شاشات التلفزيون . ربما يكون الخبر مفتعلاً من أساسه، لكنه أصبح الآن حقيقة لاتقبل الجدل في نظر ملايين البشر الذين دفعتهم قناعاتهم بصحته الى الخروج على هذا النحو الغاضب، ورغم ذلك فالتعليقات الأميركية قللت من أهمية القضية، وأشارت إلى أن استجوابات تمت لاتتضمن دليلاً يسمح بتأكيد مانشر صحيح ان مسؤولاً عسكرياً أميركياً استثنى من الاستجوابات حالة واحدة.

قال انه يجري التأكد منها، لكن حتى لو ثبتت هذه الحالة فان المعالجة الأميركية ستتم بالطريقة التي تمت مع الحوادث السابقة، فالعقوبة ستخضع للقوانين الأميركية، ومهما كانت العقوبة المتوقعة فانها لن ترضي هذا الغضب الجارف ضد أميركا. فقضية من هذا النوع في أميركا لن تكون عقوبتها الاعدام أو السجن المؤبد كما يتوقع المتظاهرون في الشارع الإسلامي فضلاً عن ان الإدارة الأميركية لاتستطيع تخطي القضاء والتعامل مع المشكلة من زاوية سياسية.

إذا كان هذا الخبر صحيحاً بالفعل، فهو بالتأكيد لايعبر عن نظرة الشعب الأميركي وحكومته الى الاسلام والقرآن الكريم، لكن هذا الكلام لايصلح لتبرير ماحدث، وليس أمام الإدارة الأميركية الا الاعتذار على نحو يوازي حجم وحساسية المشكلة، فقتل هذا الخبر بالتجاهل والنسيان والتصريحات الفضفاضة ليس هو الحل، ومحاولة إعطاء التظاهرات الغاضبة في أفغانستان وباكستان تفسيرات سياسية لن يقبله الناس .

ولابد ان تدرك واشنطن ان ملايين البشر في العالم الإسلامي يفسرون حملتها على أفغانستان والعراق، وتدخلها في شؤون المنطقة بأنها حرب دينية، ولهذا فان تعاملها بعدم اكتراث مع هذا النوع من المشاكل سيعزز هذه النظرة، ويعرض أمنها ومصالحها وعلاقاتها مع دول المنطقة الى وضع يصعب التكهن بخطورته.

[email protected]