أسامة العيسة من القدس: حقق الدكتور حيدر عبد الشافي حضورا على الساحة الفلسطينية والساحتين العربية والعالمية، خلال مسيرته السياسية التي تمتد لأكثر من ستين عاما.
في عام 1964 انتخب عضوا في أول لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير في مؤتمر المنظمة الذي عقد في القدس برئاسة احمد الشقيري، وعرف بصموده من خلال ترؤسه لجمعية الهلال الأحمر في قطاع غزة، في وجه المضايقات الإسرائيلية، واختاره الرئيس ياسر عرفات رئيسا للوفد الفلسطيني لمؤتمر مدريد لسلام الشرق الأوسط وتولى التفاوض مع الجانب الإسرائيلي في ما بعد في واشنطن وكان متمسكا بما يعرف بالثوابت الفلسطينية (الدولة، واللاجئون، والاستيطان) التي تشكل الحد الأدنى لتوافق الفصائل الفلسطينية.
لكن عرفات فاجأه بفتح قناة مفاوضات سرية أخرى هي التي أنجزت ما عرف باتفاق اوسلو، واعتبر عبد الشافي انه كان ضحية لأساليب عرفات، فاستقال. ورشح نفسه لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1996، وحصد أعلى الأصوات، وكانت شعبيته في تنام متزايد ولكنه استقال من المجلس بسبب عدم تطبيق عرفات للقرارات التي يتخذها المجلس.
وتردد اسمه في الأيام الأخيرة كمرشح محتمل للرئاسة الفلسطينية، ولكنه أكد في لقاء مع "إيلاف" انه لم يرشح نفسه ولا يعرف من رشحه ونفى أن تكون القوى الفلسطينية المعروفة باسم قوى اليسار قد عرضت عليه الترشح باسمها.
وقال إن سنه لا يسمح بتوليه أي منصب، وردا على سؤال لـ "إيلاف" حول رغبة قطاعات واسعة من المواطنين في ترشيحه قال "على الجميع أن يعرف أنني لا أستطيع بسبب سني تولي أي منصب حساس ويجب أن نتيح الفرصة للأجيال الشابة لأخذ دورها".
ونفى أيضا دعمه لمرشح محدد، وفي لقائه مع "إيلاف" تحدث عبد الشافي عن علاقته مع ياسر عرفات، الرئيس الفلسطيني الراحل، وعن تداعيات غيابه على الساحة الفلسطينية وقضايا أخرى.

عرفات لم يسع للوحدة
قال الدكتور حيدر عبد الشافي انه يجب على الفعاليات والقوى الفلسطينية الآن أن تتوحد ولا مجال لغير ذلك وأضاف:
- كي نضع أنفسنا على الطريق الصحيح، لا بد أن تلتقي كل هذه الفعاليات في جسم واحد، وهذا الكلام قلته للرئيس عرفات قبل وفاته، ولكنه لم يعن به.

*ماذا كان رأي عرفات تحديدا؟
-أنا اقترحت عليه أن تلتقي جميع الفعاليات في جسم واحد نعطيه اسم قيادة الوحدة الوطنية، بحيث يتاح لكل فريق أن يطرح وجهة نظره بشكل مفصل ويجري نقاش عام لكل الآراء المطروحة ثم يتم التوصل إلى قرارات بشكل ديمقراطي يلتزم بها الجميع، وهي قرارات تتخذ على ضوء ما يطرحه الجميع من أراء.

*ماذا كان تعليق عرفات على الاقتراح؟
-الرئيس لم يكن مهتما برأيي، كان همه أن تكون كلمته هي الكلمة المسموعة.

*متى قدمت هذا الاقتراح للرئيس الراحل؟
-الحديث الجدي معه حول هذا الموضوع، كان مع بداية الانتفاضة. حينما بدأت الانتفاضة، كنت اعرف أنها نابعة من ضمائر الناس، ولكن عيبها أنها غير منظمة، وكان ينبغي تنظيمها وكان هذا همي وأملي، الانتفاضة كان يجب ليس فقط أن تحترم كخيار ولكن أيضا أن تنظم وتحدثت في هذا الموضوع مطولا مع الرئيس وأيضا مع الفصائل.

*هل تحدثت مع عرفات أكثر من مرة في الموضوع؟
-نعم تحدثت كثيرا، وانا لا أريد أن أضع كل اللوم على الرئيس، فأنا تحدثت مع الفصائل، ووجدت يا أخي أن الأمر محبط، وان الفصائلية والفئوية متعمقة في وجداننا بشكل كبير وسيء.

*بعد وفاة عرفات هل تعتقد أن لاقتراحك فرصة للتنفيذ؟
-لا اعرف، لدي أمل أن يأخذ أبو مازن الأمر بشكل جدي، وأنا سأبقى ألح على ذلك وعندما زار أبو مازن غزة بحثت عنه ولكنه كان غادر إلى الضفة. وسأصر على دعوتي وحيث ما يتاح الوقت والفرصة، سأتكلم بصراحة وبقوة، فالأمر يتعلق بمصير شعبنا.
والأمور واضحة، إن لم نستطع أن نشكل موقفا موحدا مبنيا على أسس منطقية ومشاركة الجميع في النقاش سنبقى عائمين، من دون أن نحدد الاولويات ونسير بشكل فعال.

قلق مستقبلي

*هل لديك قلق على المستقبل؟
-نعم..نعم لدي قلق كبير.

*على ماذا القلق؟
-قلقي على البقاء من دون قرار موحد نلتزم به ونسير على أساسه، نحن بأمس الحاجة إلى هذا، وليس فقط لنواجه التحديات الصهيونية، ولكن أيضا من اجل أن لا يحدث تسيب لدينا، ومن اجل ضبط الأمور ووضع حد للمصالح الشخصية لدى المسؤولين. وأريد أن أقول انه عندما ييأس الناس، ينكفئون على أنفسهم ولا يعود يهمهم ماذا يحدث، وهذا أسوأ شيء يمكن أن نصل إليه.

*وقعت عدة حوادث، مثل ما حدث في خيمة العزاء في غزة، هل تحمل برأيك مؤشرات معينة؟
- أنا لا أريد أن أبالغ، ولكن ما حدث هو مؤشر على انه لا يجوز أن نبقى هكذا ساهمين غير سائلين، يجب أن نتصدى للوضع ونعمل على تنظيمه ونعمل على ما يحمل الجماهير أن يكون لها هدف واضح تلتزم به ويصبح لديها القناعة أن هناك مصلحة عامة للجميع يجب أن تتقدم على كل المصالح العائلية والشخصية والحزبية.

تسميم وتضارب

*كيف تنظر الى فرضية تسميم عرفات؟
-سمعت بهذه الإشاعة، ولكنني حتى الآن لا اعرف حقيقتها، وهذه قضية برأيي، يجب العناية بها، حتى نقف على حقيقة ما حدث.

*كيف ترى تضارب تصريحات المسؤولين الفلسطينيين حول موضوع التسميم، فاروق القدومي مثلا يؤكد ويتحدث عن دلائل وآخرون ينفون؟
-هذا التضارب هو جزء من الفوضى وافتقاد التنظيم الذي نعيشه.

*هل هذا يعني ان عرفات رحل تاركا الفوضى خلفه؟
-نعم..نعم، مع الأسف مع أنني شخصيا جلست مطولا مع الرئيس تحدثت فيهاعن أهمية النظام ولكن من دون جدوى، مع الأسف.

*ما هي سلبيات وايجابيات غياب عرفات كما تراها على الساحة الفلسطينية؟
- لا توجد ايجابيات من غياب الرئيس، أما السلبيات فان الرئيس لم يسع إلى تحقيق وضع نظام منظم يحترم، يمكننا من استثمار ما لدينا من طاقات، كان الرئيس مهملا لهذه الأشياء، وهذه كانت مأساتنا،..أن لا يكون الرئيس مهتما بهذا، وعلى كل حال يبقى الموضوع الأهم هو أن نحقق النظام. ويجب على كل واحد منا اعتبار هدف تحقيق النظام هو هدف ومسؤولية كل واحد، لأنه من دون تحقيق النظام لن نستطيع أن نصل إلى شيء.

تجربة مريرة مع عرفات
*أنت كان لك تجربة يصفها البعض بأنها مريرة مع عرفات من مدريد إلى واشنطن إلى المجلس التشريعي، كيف ترى تلك التجربة الآن؟
-نعم صحيح، لم يكن هناك اهتمام جدي، لدى عرفات، بالأمور، وانا ارجع كل ذلك الى عدم الاهتمام بمبدأ النظام.

*ماذا تقول للشعب الفلسطيني في هذه الظروف؟
-إذا أردت أن أقول شيئا للشعب الفلسطيني، فهو أن سبب تدهور وضعنا الذي نعيشه، هو بسبب إهمال النظام منذ أن كانت لدينا قضية، وأنا شاهد على ذلك منذ بدايتها، وانا اعي ما يجري منذ عهد الانتداب البريطاني حتى اليوم، أقول بأسف وبكل تأكيد إن قضيتنا لم تحظ بأي مستوى من النظام، لا من القيادة الفلسطينية أيام الانتداب ولا من قيادة منظمة التحرير.
وفي الوقت الذي يمكن أن التمس فيه العذر لقيادات رؤساء العائلات التقليدية، لأنهم لم يكونوا على مستوى الأحداث، فإنني لا أستطيع أن اعذر قيادة منظمة التحرير.

*ولكنك كنت جزءا من قيادة منظمة التحرير في البداية، ألا تتحمل المسؤولية أنت أيضا؟
- دعني أقول انه لم يكن لي، في الحقيقة، أي دور متواصل، لأنني كنت في الداخل والقيادة في الخارج ولم يكن لي قول في ما يجري.

*أنا أشير إلى عضويتك في أول لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير عام 1964 ولم يكن حينها يوجد داخل وخارج؟
-كنت فعلا في القيادة، ولكن لفترة قصيرة، ثم جاءت حركة فتح واستلمت زمام القيادة بدلا منا، وقيادتها موجودة في الخارج، ولم تتوفر فرصة لنلتقي او نتحدث، ومع ذلك عندما كانت تتوفر أي فرصة للحديث والإدلاء برأيي، كنت افعل ذلك وبصراحة، وكان همي المتواصل، وخلال لقاءاتي الطويلة مع المرحوم ابي عمار، حتى بدء الانتفاضة، هو أهمية النظام ولكن من دون جدوى. أنا جلست مع أبي عمار ساعات طويلة في غزة وفي رام الله ولكنه كان يريد أن تكون كلمته هي المسموعة.

*منذ أن تخلصت منكم فتح وحتى الآن هي التي تتولى زمام القيادة، كيف ترى ذلك؟
*ليس المهم من يتولى القيادة، ولكن من يمسك بزمام الأمور عليه أن يكون على مستوى القضية ويبتعد عن الفوضى ويلتزم بالنظام.