مراد عباس من الجزائر: قطع بيان الرئاسة الجزائرية اليوم الشك باليقين بعد أن قبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، استقالة الفريق محمد العماري (65 سنة)، قائد أركان الجيش الوطني الشعبي في الجزائر، بعد أن لوحظ غيابه عن مراسيم استقبال وزيرة الدفاع الفرنسي، ميشال آليو ماري، التي قامت بزيارة تاريخية إلى الجزائر يومي 16 و 18 تموز (يوليو) الماضي.
ويحتل العماري أعلى رتبة عسكرية في البلاد بعد وزير الدفاع الوطني، التي يحتفظ بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حسب مرسوم تسمية الحكومة الجديدة التي يرأسها احمد اويحي.
ويفتح خبر استقالة الفريق محمد العماري، احد ابرز القادة النافذين في المؤسسة العسكرية، من جديد ملف العلاقة بين كبار ضباط المؤسسة العسكرية، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ويقول العارفون بجوانب هذا الملف، أن العلاقة بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وقائد أركان الجيش الوطني الجزائري، كانت قد ساءت بعد أن لوح بوتفليقة بنيته الترشح لعهدة رئاسية ثانية في انتخابات الرئاسة في نيسان (ابريل)الماضي، إذ قام بجولة في عدد من المحافظات الجزائرية لاختبار شعبيته، وبينت هذه الزيارات الميدانية التي رآها معارضوه بعيون عدم الرضا مدى الشعبية التي صار يتمتع بها بوتفليقة في الأوساط الشعبية، وان فوزه صار من الأمر الواقع غير بعيد.
ويقول عدد من السياسيين اتصلت بهم "إيلاف"، إن المواقف الحيادية التي اتخذها الفريق محمد العماري، بعد أن تأكدت نية بوتفليقة في الترشح لعهدة رئاسية ثانية في الجزائر، فسرت على انها انحياز إلى جانب المرشح علي بن فليس، مدير الحملة الانتخابية الأسبق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في دورة نيسان (ابريل) 1999، او على الاقل رفض ضمني لترشح بوتفليقة.
وحاول الفريق العماري أن يوفر الدعم المناسب لبن فليس، وكسر الطوق الذي فرضه عليه أنصار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من نشطاء الحركة التصحيحية، عندما طعنوا في شرعية المؤتمر الثامن الذي عقده بن فليس، وانفرد في صياغة لوائح المؤتمر هو وأنصاره، حسب ما ورد في لائحة الطعن التي قدمها التصحيحيون إلى العدالة، التي قامت بدورها في الفاتح من تشرين الأول (أكتوبر) العام 2003 بتجميد أنشطة الحزب وودائعه المالية، فضلا عن إلغاء نتائج المؤتمر الثامن المنعقد في آذار (مارس) 2003، وفي خطوة غير مسبوقة أمر العماري بحسب بعض الدوائر الإعلامية، بفتح تحقيق حول الجهات التي تقوم بعرقلة نشاط حزب جبهة التحرير الوطني، الذي قاده إلى غاية 19 ابريل / نيسان من العام الجاري، علي بن فليس، كما خرج العماري خلال الأزمة الداخلية التي عصفت بحزب الأغلبية البرلمانية في الجزائر عن صمته ثلاث مرات متتالية.
وفي كل مرة كان العماري يلوح بتدخل الجيش في حال استمرار التجاوزات الحاصلة أثناء عملية الإعداد للانتخابات الرئاسية من طرف مصالح وزارة الداخلية.
وفي أخر حديث صحفي يدلي به الفريق محمد العماري، بصفته قائدا لأركان الجيش، في عدد شهر مارس / آذار الماضي، أن الجيش سيلتزم الحياد ولكنه لن يبق في حالة المتفرج إذا ما لم تحترم قوانين الجمهورية من طرف جميع المترشحين.
ويبدو أن خلافات الفريق محمد العماري والرئيس بوتفليقة سابقة لموعد الانتخابات الرئاسية بكثير، فقد تحول العماري إلى طرف في مسألة تعيين وزير للدفاع الوطني، ورافع في صائفة العام 2001 في أحاديث صحفية عن خيار تعيين وزير للدفاع حتى إذا كان شخصية مدنية، بعد أن تبين تمسك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بخيار تنصيب وزير الداخلية الحالي نور الدين يزيد زرهوني في منصب وزير الدفاع، الذي لم يتوله إلا شخصيتان عسكريتان في ظروف مختلفة هما اللواء المتقاعد خالد نزار، والرئيس الأسبق اليامين زروال.
إلا أن نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بنسبة عالية جدا، راوحت 85 بالمائة من إجمالي الناخبين الجزائريين، عجلت برحيل الرموز المناوئة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مختلف مؤسسات الدولة، باستقالة كريم يونس، رئيس البرلمان في الجزائر،الرجل الثالث في هرم الدولة، في الثالث من شهر يونيو الماضي، ثم الفريق العماري، الذي يعتبر رأس حربة التيار الاستئصالي في المؤسسة العسكرية، والذي كان له دور فاعل في إقالة الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد بعد أن تأكد زحف الإسلاميين من الجبهة الإسلامية للإنقاذ على مراكز السلطة في الجزائر، وضغط إلى جانب ضباط كبار المسؤولين في الجيش لحمل بن جديد للاستقالة من على رأس الدولة. كما قاد حرب بلا هوادة ضد الإسلاميين المسلحين في الجزائر.
ويرى بعض المراقبين أن استقالة الفريق محمد العماري، هي تمهيد لإحالة الجنرالات الآخرين الذين يقودون الأجهزة العسكرية الأخرى، وكانوا ضمن الطاقم الذي أوقف المسار الانتخابي مع بداية التسعينات على التقاعد.