صينيون يشيدون أكبر سد مائي في القارة الافريقية
" المناصير" في شمال السودان يتمردون ويحملون السلاح

طلحة جبريل من الخرطوم: تقول تقديرات يعتد بها إن الذين يعيشون حالياً في "الولاية الشمالية " في أقصى شمال السودان لم يعد يتجاوز عددهم مئات الآلاف. عدد الذين ينحدرون من هذه المنطقة يصل في الواقع إلى بضعة ملايين. معظم أهل المنطقة هاجروا موجة إثر موجة بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية. بعضهم هاجر إلى مناطق داخلية خاصة باتجاه مدن الخرطوم وعطبرة وبورتسودان. وظل النشاط الأساسي هناك هو الزراعة خصوصًا النخيل. الرقعة الزراعية ضيقة ولم تعرف المنطقة مشاريع تنموية تذكر.
على الرغم من ذلك فإن المنطقة ظلت ترفد الخرطوم بشخصيات سياسية وازنة. شخصيات تحكمت في كثير من الأحيان في صنع القرار. ومن مختلف ألوان الطيف السياسي.
من هناك جاء "الشيوعي" عبد الخالق محجوب (زعيم الحزب والذي أعدمه نميري ) ومن هناك أيضًا " الإسلامي " على عثمان طه (النائب الأول لرئيس الجمهورية حالياً) .
في هذه المنطقة، عند منحى النيل، يشيد الصينيون حالياً أكبر سد مائي في البلاد. واحد من أكبر السدود في القارة الافريقية. يقع السد المائي الذي سيوفر كل حاجة البلاد من الكهرباء في بلدة" الحامداب". أطلق عليه اسم "سد مروي" وهي أكبر حاضرة توجد في هذه الأصقاع. ورد ذكر "مروي" هذه أكثر من مرة في رواية " موسم الهجرة إلىالشمال" رائعة الطيب صالح التي كتبها عام 1965، حين كانت المنطقة مكتظة بأهلها قبل أن تجبرهم الظروف الطاردة إلى"الهجرة" ويتشتتون في مختلف البقاع.
وكما حدث حين شيدت مصر " السد العالي" حيث غمرت المياه مناطق بأكملها من أسوان إلى وادي حلفا في شمال السودان، فإن " سد مروي " سيؤدي بدوره إلى إغراق عدة مناطق.
تقطن في المنطقة قبائل عربية أكبرها هي قبيلة " الشايقية" التي ستستفيد من السد لأنها تعيش بالقرب منه، ولن تتضرر باستثناء بعض الأراضي التي توجد في قرية تعرف باسم " مروي شرق" حيث سيشيد جسر يربط بين ضفتي نهر النيل.
بيد أن المياه التي ستحتجز خلف السد ستؤدي لاحقاً إلى إغراق قرى وبلدات تعيش فيها قبيلتان هما " الزوارة" و "المناصير". بادرت الحكومة إلى اتخاذ ترتيبات لترحيل سكان هذه البلدات والقرى إلى جهات أخرى.
تقبل أبناء " الزوارة" التي سيشيد السد فوق أرضهم بالرحيل طواعية بعد أن تلقوا تعويضات وشيدت لهم قرى جديدة قرب بلدة " كورتي" في مناطق قبيلة الشايقية. اعتاد" الزوارة " ومنذ عقود ، العمل في ديار الشايقية ، خصوصا إبان مواسم جني التمر. لذلك وجدوا ترحيباً حين نقلوا إليها. عاش " الزوارة" في قرى فقيرة بائسة لذلك تقبلوا فكرة النزوح عن أرضهم.
لكن كانت هناك مشكلة مع قبيلة "المناصير".
ثمة تعقيدات تاريخية كانت تجعل نقل " المناصير" إلى حيث توجد قبيلة "الشايقية" أمراً صعباً. يعتقد " المناصير" أن " الشايقية" ينظرون لهم نظرة دونية. وهو أمر لا يبعد كثيراً عن حقائق الأشياء. ثم إنهم وهنا تكمن المشكلة عرضت عليهم تعويضات غير مجزية لقاء أرضهم وزراعتهم التي ستغمرها مياه السد.
وحين احتجوا وطالبوا بالإنصاف خاطبهم أحد الوزراء قائلاً " قبلتم أم لم تقبلوا فإن المياه ستغمر أرضكم".
استشاط " المناصير " غضباً من هذا التعسف.
الأرض التي عاشوا فوقها قرونا ستغمرها المياه، ثم يطرح عليه حلاً لا يرضيهم، ثم يقال لهم " قبلتم أم لم تقبلوا الطوفان آت".كان رد " المناصير" غير متوقع. لا أحد انتظر ولا أحد قدر.
قرر بعضهم التمرد وحمل السلاح.
حملوا السلاح في وقت كانت فيها رايات السلام ترفرف في جنوب البلاد الذي مزقته وأقعدته حرب أهلية انطلقت شرارتها منذ عام 1954 . وبادر حملة السلاح الجدد الى مهاجمة أنبوب النفط الذي ينقل البترول من الجنوب الى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر قرب مدينة "شندي".
سارعت الحكومة الى تطويق الموقف. وعمدت الى تهدئة "الغاضبين الجدد". واقترحت عليهم زيادة في التعويضات ونقلهم الى منطقة زراعية خصبة قرب مدينة "عطبرة " التي تقع على بعد 200 كيلومتراً شمال الخرطوم.
حتى الآن لم تنته المشكلة لكنها هدأت.
المؤكد أن كل هذه المشاكل تبدو صغيرة مقارنة بما سيحققه هذا السد. سيوفر السد طاقة كهربائية في حدود 1250 ميغاوات، لبلد حاجته من الكهرباء، وفي حالة تشبع، لا تتجاوز 700 ميغاوات. ويأمل السودانيون أن يصدروا الكهرباء للدول المجاورة حين يكتمل السد والمشاريع المرتبطة به عام 2010. يقول خبراء إن السد سيبدأ إنتاج الكهرباء عام 2007. كما سيوفر إمكانيات كبيرة لسقي أراض زراعية. وستتحول تلك العبارة التي تقول " السودان سلة غذاء العالم " أقرب الى الحقيقة بعد أن كادت تتحول الى حكاية للتندر .
يتردد الآن في الخرطوم إن على عثمان طه نائب الرئيس عمر البشير سيتولى معالجة موضوع تمرد بعض ابناء قبيلة " المناصير " .
لكن من هو " علي عثمان طه " الذي يتفاوض حالياً مع المعارضة الشمالية في القاهرة ، وسيتفاوض مع متمردي دارفور لاحقا ، والذي قاد المفاوضات مع الجنوبيين ؟