عبد الله الدامون من الرباط واحمد نجيم من مراكش: أجمعت وسائل الإعلام الإسبانية على أن الزيارة التي بدأها اليوم (الإثنين) العاهل الإسباني دون خوان كارلوس وزوجته الملكة دونيا صوفيا إلى المغرب تعتبر إغلاقا نهائيا وتاما لكل حالات سوء الفهم والتوتر الذي ساد العلاقات بين البلدين خلال السنوات الثماني الماضية.

ويشير برنامج هذه الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام إلى القوة الرمزية التي تسير فيها العلاقات المغربية الإسبانية منذ وصول الاشتراكيين إلى السلطة قبل عشرة أشهر.

وينتظر العاهل الإسباني وزوجته برنامج مكثف وصفته وسائل الإعلام الإسبانية بأنه مشحون بالرموز التي تؤشر إلى مصالحة نهائية بعد السنوات العجاف إبان حكم الحزب الشعبي بزعامة خوسي ماريا أثنار.

ومباشرة بعد وصوله إلى مطار مراكش صباح اليوم (الإثنين) حيث خصص له استقبال دولة كبير، التقى العاهل الإسباني والملكة صوفيا العاهل المغربي الملك محمد السادس، ثم التقى رئيس الحكومة المغربي ادريس جطو.

وزار العاهل الإسباني مساء اليوم معرض "المغرب وإسبانيا: تاريخ مشترك" في مراكش الذي دشنته صباح اليوم وزيرة الثقافة الإسبانية كارمن كالفو، على أن ينتهي اليوم الأول من الزيارة بحفل عشاء.

ومن المرتقب أن ينتقل العاهل الإسباني خوان كارلوس وزوجته الملكة صوفيا صباح غد (الثلاثاء) إلى العاصمة المغربية الرباط حيث سيزوران ضريح الملكين الراحلين الحسن الثاني ومحمد الخامس قبل أن يلقي خوان كارلوس في اليوم نفسه خطابا أمام البرلمان المغربي بغرفتيه الأولى والثانية، وسيلتقي رؤساء الفرق البرلمانية السبعة في البرلمان المغربي.

ويوم الأربعاء سيلتقي العاهل الإسباني مجموعة من المقاولين ورجال الأعمال المغاربة والإسبان في مدينة مراكش، قبل أن ينتقل إلى مدينة طنجة حيث سيلقي خطابا في قصر مرشان و سيستقبل العاهلان المغربي والإسباني أعضاء لجنة "ابن رشد"، ولجنة "الربط القاري بين إفريقيا وأوروبا" عبر مضيق جبل طارق.

وفي المساء سيدشن العاهل الإسباني رفقة العاهل المغربي محطة لتوليد الكهرباء في منطقة "تهدارت" جنوب مدينة طنجة، وهي المحطة التي توفر 16 في المئة من الاستهلاك المغربي للكهرباء.

يذكر أنه الغيت الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها العاهل الإسباني إلى مدينة تطوان (70 كلم جنوب شرق طنجة) لتدشين أول جامعة إسبانية في المغرب ستحمل اسم "الملكان". وقالت مصادر دبلوماسية مغربية إن هذا الإلغاء مرده الى "ضغط البرنامج الرسمي".

وستزور الملكة صوفيا رفقة الأميرةللاّ مريم أخت العاهل المغربية المرصد الوطني لحقوق الطفل في الرباط. كما ستزور مركز الإدماج الاجتماعي والمهني في مدينة طنجة رفقة الأميرةللاّ سلمى زوجة العاهل المغربي محمد السادس.

ويزور العاهل الإسباني المغرببرفقة عدد من الوزراء بينهم وزير الشؤون الخارجية والتعاون ميغيل أنخيل موراتينوس صاحب التجربة الطويلة في حل النزاعات الدولية، والذي صرح قبل أيام لصحيفة "البايس" الإسبانية أنه ينوي الوصول بنزاع الصحراء الغربية إلى حل نهائي خلال الفترة التي سيظل فيها الحزب الاشتراكي الإسباني في السلطة.

كما ترافقه وزيرة الثقافة في الحكومة الاشتراكية كارمن كالفو التي يعتبر حضورها مؤشرا على الرغبة الكبيرة لإسبانيا في توسيع ثقافتها في الحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وعلى الخصوص في المغرب الذي يعتبر أول بلد في العالم فتحت فيه إسبانيا خمسة مراكز رسمية لتعليم الإسبانية.

وتطمح الوزيرة الإسبانية أن تكون زيارتها الىالمغرب رفقة العاهل الإسباني محطة مهمة لتوسيع التأثير الإسباني في المغرب الذي يعرف في السنوات الأخيرة انتشارا كبيرا للغة الإسبانية وتفتح فيه كل عام المزيد من الأجهزة الثقافية والمدارس الإسبانية وغالبية تلاميذها مغاربة.

وستكون وزيرة التعليم في الحكومة الإسبانية ماريا خيسوس سانسيغوندو حاضرة بقوة خلال هذه الزيارة حيث من المزمع أن تقوم بافتتاح أول جامعة إسبانية في المغرب في مدينة تطوان في الشمال، وهي المدينة التي كانت لمدة عقود من القرن الماضي عاصمة الحماية الإسبانية على شمال المغرب.

كما تطمح وزيرة التعليم الإسبانية إلى فتح المزيد من المدارس الإسبانية الخاصة في المغرب والتي عرفت تزايدا ملحوظا في الفترة الأخيرة. كما يوجد ضمن الوفد الملكي الإسباني وزير الاقتصاد والتجارة والسياحة خوسي مونتييا.

ويعتبر حضور وزير الاقتصاد والتجارة والسياحة الإسباني ضمن الوفد الملكي الإسباني دليلا على الارتفاع الكبير لحجم الاستثمارات الإسبانية في المغرب، والتي عرفت تزايدا ملحوظا في السنوات الأخيرة على الرغم من التوتر الذي شاب العلاقات بين البلدين خلال حكم الحزب الشعبي اليميني بزعامة خوسي ماريا أثنار.

وكان رئيس الحكومة الإسبانية السابق خوسي ماريا أثنار زار المغرب في أواخر سنة 2003 حاملا معه مبلغا استثماريا يقارب 400 مليون أورو، وهو رقم قياسي في تاريخ الاستثمارات الإسبانية في المغرب.

ويطمح المغاربة والإسبان إلى أن تكون زيارة خوان كارلوس إلى المغرب تطبيعا كاملا للمصالحة التي بدأت بوصول الاشتراكيين الإسبان إلى السلطة قبل عشرة أشهر، وبعد اجتياز المغرب وإسبانيا مراحل صعبة في علاقاتهما كادت تصل إلى مواجهة مسلحة صيف عام 2002 بسبب النزاع حول جزيرة "تورة" في مضيق جبل طارق.

استقبال استثنائي لملك اسبانيا في مراكش
حفاوة استثنائية
عرفت شوارع مراكش اليوم(الاثنين) اكتظاظا كبيرا، سيارات وشاحنات تقل سكان المناطق المجاورة للمدينة وتلاميذ المدراس إلى الشوارع المؤدية من مطار المنارة إلى ساحة المشور.
حمل الرجال والنساء الأعلام المغربية والإسبانية وصور الملكين محمد السادس وخوان كارلوس. وعلى طول الطريق نظم المراكشيون معرضا "لإبداعات مغربية" نساء يحملن القفطان بألوان زاهية ومجموعات موسيقية، من أحواش وعبيدات الرمى والدقة المراكشية والكدرة والإيقاعات الصحرواية، جاؤوا لاستقبال العاهل الاسباني.
مع اقتراب هبوط طائرة العاهل الإسباني خوان كارلوس في مطار المنارة، نقل الصحافيون المواكبون للزيارة في حافلات إلى ساحة المشور. لم يقدم المسؤولون المغاربة إلى الصحافيين معلومات عن الزيارة، البرنامج الوحيد كان من إعداد القصر الملكي الإسباني وباللغة الإسبانية واقتصر توزيعه على الصحافيين الإسبانيين. بعد الاطلاع عليه احتج صحافيون إسبانيون على نسبة الصحافيين الذين سيواكبون تنقلات الملك خوان كارلوس، أعطت هذه الاحتجاجات أكلها وأضيفت أسماء ثلاثة صحافيين إسبان من التلفزيون الإسباني ووكالة الأنباء الإسبانية "إيفي".
غادر الصحافيون الفندق في اتجاه ساحة المشور والتي احتضنت مراسم استقبال ملك إسبانيا.
بعد انتظار تحت أشعة الشمس وصل الوفد المرافق للملك الإسباني ويضم خمسة وزراء ونواب برلمانيين.
كان الصحافيون في منصة والمصورون في منصة ثانية. خوان غونزاليس، الناطق باسم القصر الملكي من منصة الصحافة ، حيى الصحافيين الإسبانيين، ثم بدأ يجيب على تساؤلاتهم عن سبب غياب رئيس الحكومة خوسي ثاباثيرو والبروتوكول وكلمة خوان كارلوس خلال افتتاح المعرض الفني "إسبانيا والمغرب تاريخ مشترك" وأسباب إلغاء رحلة الملك إلى مدينة تطوان، إذ أوضح أن أجندة الملك الإسباني لم تسمح بتلك الزيارة، قبيل هذا التفسير أجاب السفير المغربي عمر عزيمان المغربية" أن لا علم له بإلغاء الزيارة.
في منتصف النهار وصل الملك محمد السادس والملك خوان كارلوس وقرينه صوفيا، بدا الملك الإسباني سعيدا وهو يوزع ابتساماته على مستقبليه. صعد الملكان المنصة الشرفية وأنصتا للنشيد الوطني، ثم حيى الحضور. كان الملك ببذلته الرمادية وقميصه الأبيض المخطط وربطة عنقه المزركشة وحذائه الأسود يتوقف بين الحين والآخر ليتعرف الى الضيوف.
بعد تقديم الوفد المغربي قدمت إلى الملك محمد السادس الشخصيات الإسبانية المرافقة إلى الملك. بينما كلفت صوفيا عقيلة الملك الإسباني بتقديم الوفد الإسباني إلى الأميرة للا سلمى.
انتهى الاستقبال الرسمي للعاهل الإسباني الملك خوان كارلوس في زيارته الثانية إلى المغرب بعد زيارة الدولة الأولى في حزيران (يونيو) 1979 .
بعدها تحولت ساحة المشور إلى ساحة للقاء بين السياسيين والدبلوماسيين والصحافيين من جنسيات مختلفة، ليركب بعدها كل واحد في سيارته مغادرا المشور.
بعض الوزراء المغاربة انتظروا مدة طويلة لوصول سياراتهم، خاصة محند العنصر ووزير الفلاحة وسعيد اولباشا وزير الدولة للتكوين المهني ومحمد الكحص وزير الشباب ومحمد بوطالب وزير الطاقة، وحمل بعضهم معه حقيبة ملابسه وأوقف سيارة زميل له ليركب معه.
انتهى الحفل الرسمي الكبير لاستقبال الملك خوان كارلوس وظل آلاف المواطنين على الطريق الرابط بين المشور والساحة القريبة من قندق المامونية ينتظرون خروج الملك الإسباني لتحيته مرة اخرى بينما غادرت أفواج من المراكشيين وسكان المدن والمناطق القريبة من المدينة الحواجز عائدة إلى سكناهم تاركة ورودا بألوان العلمين المغربي والإسباني تزين الشوارع المراكشية.