لبيبة عكوم من صيدا: ليس خافيًا على أحد دقة المرحلة السياسية الحالية في لبنان فهي بالنسبة للجميع " مرحلة نكون أولا نكون " فالخاسر في المرحلة المقبلة بحاجة إلى فترة طويلة ليصحح أوضاعه .

والناظر للوهلة الأولى يرى معركة محتدمة بين طرفين اثنين : الحكم و المعارضة وهذا يبدو نموذجيًّا جدًّا اذا ما قيس على مستوى الديمقراطية و الدول المتحضرة سياسيًّا.

لكن لدى وضع الأمور تحت المجهر، نرى تشابك المواضيع و الأطراف والصراعات الطائفية التاريخية الدفينة و التدخلات الإقليمية و الدولية .

ويكاد لا يخلو اي من الخطابات السياسية اللبنانية عن الإنتخابات المقبلة أو حتى المقالات الصحافية من الإشارة الى سورية و دورها في لبنان، و ربط الوضع الداخلي بالوضع الإقليمي و المطالبة الدولية بتطبيق القرار 1559 و كأن لبنان سنجق أو ولاية سورية، و كأنه لا يوجد قرار لبناني مستقل، علمًا أنها فترة تاريخية سيحاسب عليها الطاقم السياسي الحالي من قبل الأجيال المقبلة و التاريخ .

ماذا يحصل في لبنان و ما هي التوقعات ؟؟
إنه سؤال يعجز عن الإجابة عليه حتى أكبر السياسيين و (العرافين ) و هذا ليس بجديد. فالزعيم الراحل " أبو عمار" سبق أن قال لدى وجوده في تونس إني الآن أستطيع اللعب بالكرة بعكس الوقت الذي قضيته في لبنان، حيث كنت أستطيع أن أجعل الشارع العربي أن ينام أو يستيقظ ساعة أشاء.

فباختصار يجري التحضير لقانون انتخابات جديد وبمجرد طرح هذا الموضوع تكون المصداقية قد سحبت من الإنتخابات السابقة و من نتائجها .

فالحكم وطاقمه ( و معظمه من الموالين للسياسة السورية ) يسعى ظاهريًّا الى تحضير القانون الانتخابي العتيد ويدّعي الأخذ بجميع الآراء الموالية و المعارضة ، لكن يسود الاعتقاد أن القانون جاهز والتقسيمات الإدارية جاهزة، والمسألة الآن هي اللعب بالوقت الضائع لسحب البساط من تحت أرجل المجموعات المعارضة من حيث تأخير لوائح الشطب و طريقة التقسيم الجديدة إذ أنه لاشاغل للحكم إلا أن يضعف المعارضة و يفرّقها ويجعل مصالحها تتضارب حتى تتم التفرقة .

فالوزير المكلف بملف الإنتخابات هو وزير الداخلية سليمان فرنجية و القرار عنده لذا لابد ان نأخذ بعين الإعتبار الإعتبارات التالية :
-فهو كان المرشح الأكثر حظًّا لتولي رئاسة الجمهورية .
-إرتباطه بوعده لبطريرك الموارنة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير باعتماد الدوائر الصغرى.
-الأنظار الدولية المتجهة الى القانون الإنتخابي الجديد و العملية الإنتخابية .
-الوضع السياسي الإقليمي الجديد من خلال النظرة الى طبيعة العلاقات اللبنانية السورية.

وهذا قد يمكّن الوزير فرنجية من اعتماد الآتي :
تقسيم لبنان الى 14 دائرة إنتخابية على أساس اعتماد الدائرة الوسطى و هو بنظر المحللين الحل الأوسط والأنسب للجميع :

-بيروت 3 دوائر : الأولى : الأشرفية ، والمزرعة ، والصيفي .
الثانية : المصيطبة ، والباشورة، والرميل .
الثالثة : عين المريسة ، ورأس بيروت ، وزقاق البلاط.
المدور ، والمرفأ و ميناء الحصن .

-جبل لبنان 4 دوائر :الأولى : جبيل، و كسروان
الثانية : المتن .
الثالثة : بعبدا، و عاليه .
الرابعة : الشوف .

- الشمال دائرتان : الأولى :عكار ،والضنية، و بشري.
الثانية : طرابلس ، والمنية ، وزغرتا، والبترون، و الكورة

الجنوب دائرتان : الأولى :صيدا ، والزهراني ، وصور، و بنت جبيل .
الثانية :مرجعيون ، وحاصبيا ،والنبطية، وجزين .

البقاع 3 دوائر : الأولى : بعلبك، و الهرمل .
الثانية : زحلة .
الثالثة : البقاع الغربي، وراشيا .

فإذا تمعنا في هذه التقسيمات نلاحظ أن قوى المعارضة مشرذمة و كل حزب في منطقته على صعيد طائفي ضيّق، و يلاحظ ضرورة تحالف الوزير فرنجية و الرئيس كرامي في الشمال حتى لا يتكرر ما حصل من تجاذبات في الإنتخابات الماضية.

أما من ناحية طروحات فرق المعارضة و الفرقاء الآخرين فنستطيع رؤية

تحالف جنبلاط –الحريري – القوات – التيار العوني (كوكتيل طائفي آني)
فلا شيء جديد باستثناء الحلف الانتخابي بين جنبلاط و القوات اللبنانية المسيحية للمحافظة على توازن القوى في الشوف.
اما العلاقة بين التيار العوني و جنبلاط فهي ليست بجديدة اذ اننا نتذكر جميعًا العون الذي قدمه جنبلاط لعون في حروبه الداخلية خصوصًا كميات الاسلحة عبر معابر سوق الغرب، اما علاقة جنبلاط بالحريري فقد مرت باوقات مخاض عسيرة تولد منها هذا الحلف الجدي بينهما وما يربط بين جنبلاط والحريري، منطقة اقليم الخروب التي كثر الكلام حول ضمها الى صيدا و سلخها عن الجبل ، وبيروت حيث يسعى الزعيم الدرزي الى إرساء وجوده في أكثر من منطقة في ظل التقسيمات الجديدة .
و ينافس جنبلاط على الساحة الدرزية الوزير و النائب طلال ارسلان و الذي سيحقق نتائج مهمة على صعيد دروز حاصبيا و عاليه، اما في الشوف فهو ضعيف نسبيًّا بالنسبة الى قوة جنبلاط و يدعمه في ذلك الوزير الحالي وئام وهاب المنتقل حديثًا الى صفوف ارسلان، و هو الذي تدرج سياسيًّا و فتح علاقة شخصية مع دمشق من خلال السياسة الجنبلاطية، بصفته أحد موفدي جنبلاط الى دمشق .

اما الطرف الاهم في المعادلة فهو الطرف الشيعي الممثل بقطبيه حركة امل (نبيه بري) و حزب الله ، حيث اعلن بري انه سيلتزم مع كتلته النيابية بالقانون الذي تعتمده الاكثرية النيابية و تفضل اعتماد المحافظة على اساس النسبية . و حزب الله و بالرغم من كبر قاعدته الشعبية طرح فكرة تخفيض سن الانتخاب الى 18 سنة ليزيد من اعداد ناخبيه اذ يعتبر المستفيد الاكبر من هذا الطرح .

اما الارمن فلا فارق عندهم عما سيكون عليه القانون العتيد فهم مبدئيًّا مع القضاء و لا مانع عندهم من أن تكون الدائرة أصغر من القضاء .

النسبية
وقد برز الحديث في هذه الفترة عن النسبية في التمثيل النيابي وأكثر مرشحي هذا المبدأ هو الحزب الشيوعي اللبناني، و الذي برز بشكل لافت على الساحة السياسية و على رأسه أمين عام الحزب الشيوعي الدكتور خالد حدادة وهو الذي استطاع فرض نفسه سياسيًّا مع فرقاء المعارضة، و جعل نفسه أحد أركان لقاء البريستول و الذي يضم التيارات اليسارية و المعارضة ، و يتوافق الجميع حول هذا المطلب لكن ان اقرت هذه النسبية فسوف يشهد لبنان تقلصًّا للنفوذ التاريخي للعائلات و الاحزاب التقليدية ، وذلك في بعض المناطق من مثل جبل لبنان و الشوف تحديدًا؛ فجنبلاط و الذي يمتلك الان لائحة كاملة من مواليه تصل ل15 نائبًا في الشوف و عاليه سيكون عليه التحالف مع القوات و التيار العوني في الشوف فقط ،بعد فصل عاليه عن الشوف و بالتالي من يضمن بقاء هذا التحالف بعد الانتخابات .

وفي المقابل فان الحليف التقليدي السابق لجنبلاط و هو رئيس مجلس النواب و رئيس حركة امل الشيعية نبيه بري يطالب بالنسبية على اساس المحافظة فهي تناسبه، و تناسب قاعدته الشعبية الواسعة ويبقى له التفاوض و التعاطي مع الاصوات المسيحية في جزين وشرق صيدا بعد تغلغل المعارضة المسيحية من قوات و تيار عوني فيها.

الكوتا النسائية
والبارز أيضًا ما أعلن بأن وزير الداخلية يتجه الى تقديم مشروع قانون يرمي الى رفع عدد النواب من 128 الى 140 على ان تكون الزيادة 12 نائبًا من حصة المراة اللبنانية، من دون أن تكون خاضعة لأي اعتبار طائفي على أن تنتخب وفق النسبية على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، وأن يكون في مراكز الاقتراع صناديق منفصلة للرجال و اخرى للنساء و الغريب هنا أن تعامل المرأة بهذا الشكل الخاص في الانتخابات و كأنها كائن غريب من فصيلة مختلفة، و كأن هذه العملية هي للإستعراض فقط في ظل الرقابة الدولية.

البينغو
وإذا كانت اللعبة الانتخابية في لبنان شبيهة بلعبة البينغو فأول اللاعبين هو الوزير سليمان فرنجية و اجمل ما قيل عن هذا الموضوع ما صرحت به النائب نائلة معوض

العدو التقليدي لفرنجية : " قرار الحكومة المتعلق بصالات البينغو مضحك ، و جاء لتغطية التكاليف الانتخابية لاهل السلطة " فقد رخص الوزير فرنجية لخمس صالات بينغو في بيروت و الغريب أن هذه التراخيص ممنوعة في ظل قانون يمنع العاب الميسر خارج كازينو لبنان، الا أن الوزير العتيد صرح منذ يومين أن هذه التراخيص لن تجدد بعد شهرين . و بالتالي فإن الغرض الانتخابي منها يكون قد انتهى .

مطالب و خروقات
ومما تطلبه المعارضة من أهل السلطة أيضًا ضرورة مراقبة الإنفاق الإنتخابي أي الحملات الانتخابية وو ضع سقف محدد لها و وضع معايير محددة يلتزم بها الجميع، أكان ذلك من حيث الملصقات الإعلانية و المساحات الإعلانية في الوسائل الإعلامية بالاضافة الى البطاقة الانتخابية الممغنطة، حتى لايتم التلاعب بالاقتراع .

وما غاب عن بال الجميع في هذه المرحلة هو وجود آلاف المجنسين الذين استحصلوا على الجنسية لاغراض انتخابية في ظل وزير الداخلية السابق الياس المر ( صهر رئيس الجمهورية ) ، إذ أن هؤلاء المجنسين هم الورقة الرابحة بيد رئيس الجمهورية و حلفائه في منطقة المتن الذي يعتبر أحد معاقل المعارضة .

وختامًا، وبعد انعقاد الإجتماع الرباعي في القصر الجمهوري الإثنين في 17 كانون الثاني (يناير) الذي ضم كل من الرؤساء الثلاثة لحود وبري وكرامي ووزير الداخلية فرنجية حيث تم التدوال بكل الصيغ المطروحة وتم الاتفاق على صيغة تؤمن تمثيلًا صحيحًا لكل المناطق ،رفض كرامة التحدث بشان المعيار النهائي لقانون الانتخاب قبل اطلاع مجلس الوزراء عليه اولًا لبحثه وإقراره بعد عيد الأضحى المبارك، ويبقى ان الفترة المتبقية للانتخابات التي ستجري في الربيع القادم لا تتجاوز الشهرين،فهل ستتمكن الماكينات الانتخابية المعارضة للتحضير لهذه الانتخابات من لوائح شطب وتسمية مرشحين وغير ذلك لإعداد العدة للمواجهة القادمة؟ وهل سيأتي قانون يرضي كافة اللبنانيين أم أنه سيأتي معلبًا وعلى قياس البعض من عنجر الجواب في يد الأيام المقبلة؟