أحمد عبدالعزيز من موسكو: وصف العديد من المراقبين لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فيكتور يوشينكو الذي جرى اليوم في الكرملين بأنه إطلاق بالونات اختبار في محاولة لاستشراف ما وراء المعلن. ووسط اختلاف واضح في تقديرات المراقبين أنهى يوشينكو أولى زياراته إلى الخارج بعد أقل من يوم واحد على تنصيبه رسميا رئيسا لأوكرانيا. وكانت الزيارة الأولى لموسكو حيث استقبله الرئيس الروسي بوتين في الكرملين، مؤكدا أن روسيا لا تمارس أي ألاعيب من وراء الكواليس في المجال السوفياتي السابق. وأشار إلى أن موسكو لا تتعامل مع المعارضة في أي دولة في رابطة الدول المستقلة، وإنما مع الأنظمة الشرعية القائمة، بما في ذلك أوكرانيا. وأوضح بوتين لضيفه الأوكراني أن موقف بلاده أثناء الصراع على السلطة في المعركة الانتخابية الرئاسية الأوكرانية كان نابعا من كون موسكو حريصة على التعامل فقط مع القيادات القائمة على السلطة فعليا.
ومن جهته أكد يوشينكو بأنه وصل إلى موسكو من أجل تطوير العلاقات الروسية-الأوكرانية وتفعيلها أكثر. وأشار في الوقت نفسه إلى وجود علاقات استراتيجية بين موسكو وكييف، واصفا روسيا بالشريك الاستراتيجي. وأعرب عن شكره للرئيس الروسي على الدعوة التي تلقاها لزيارة موسكو، وعلى التهاني بمناسبة انتخابه لمنصب رئيس أوكرانيا. وقال يوشينكو "أود أن أؤكد بشكل مبدئي على أن هذه الزيارة تعتبر الأولى لي خارج حدود أوكرانيا، وهي بمثابة رمز لاحترام العلاقات بين البلدين، مشيرا في الوقت نفسه الى أن الهدف الأساسي من زيارته هذه يتمثل في تحسين العلاقات بين البلدين، والنظر في تلك المسائل التي يستطيع الجانبان حلها في عام 2005.
ورأى القطاع الأكثر تفاؤلا من المراقبين أن زيارة يوشينكو لروسيا ضرورية للغاية بسبب الأواصر التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية بين البلدين. بينما رأى قطاع آخر أن يوشينكو جاء إلى موسكو بمعادلة في غاية الصعوبة والتعقيد لتحقيق توازن بين الجار الروسي التاريخي وبين الطموح الأوكراني الغربي، وهو الأمر الذي يثير شكوك موسكو ويجعلها حذرة في التعامل معه، وخاصة في ضوء التصريحات التي أدلى بها أثناء مراسم تنصيبه أمس الأحد في كييف حول ضرورة تكامل أوكرانيا مع أوروبا والغرب، وبأنها دولة أوروبية ومركز لأوروبا الموحدة.
وأعرب الكثير من المراقبين عن قلقهم من الخطوة التي اتخذها يوشينكو قبل ساعات من وصوله إلى موسكو بتعيين المعارِضة الأوكرانية المعروفة يوليا تيموشينكو، المعادية لروسيا، رئيسة الحكومة بالوكالة. ووصف البعض هذه الخطوة بأنها انتقام من تصرفات بوتين إبان الصراع الانتخابي الرئاسي في أوكرانيا، بينما اعتبره البعض الآخر بالونة اختبار للوقوف على مدى رد فعل الكرملين على تعيين تلك الشخصية التي تتمتع بشعبية واسعة في أوكرانيا وتعادي موسكو في الوقت ذاته.
وعلى الرغم من التصريحات المرنة التي أدلت بها تيموشينكو، لم تتمكن من محو التصريحات الحادة المعادية لموسكو والتي أدلت بها أثناء المعركة الانتخابية الرئاسية في أوكرانيا. إضافة إلى أن النيابة العامة الروسية والمدعي العسكري الروسي يطالبان باعتقالها بسبب تهم رشوة وفساد بالاشتراك مع عسكريين روس. وإلى الآن لا يعرف أحد كيف ستتصرف موسكو إزاء تيموشينكو في حال تولت منصب رئيس الوزراء، وهو المنصب الأهم وفقا للإصلاحات الدستورية والسياسية المزمع إجراؤها وفقا للاتفاق الذي تم توقيعه بحضور الوسطاء الغربيين أثناء الصراع مع السلطة القديمة.
من جهة أخرى، وفي خطوة تنم عن فقدان الثقة بين موسكو وكييف، صرح المتحدث الرسمي في وزارة الخارجية الروسية ألكسندر ياكوفينكو بأن روسيا لن تقف ضد إعادة فرز الأصوات وإعادة إجراء الانتخابات في أوكرانيا. وأشار إلى أن روسيا ستعترف بأي قرار يتخذ في أوكرانيا بشأن إعادة فرز الأصوات، أو إعادة الانتخابات. وأكد أن "أوكرانيا دولة ذات سيادة، ولديها محكمة عليا تستطيع اتخاذ مثل هذا القرار. كما أن موسكو لا تستطيع أن تعارض ذلك لأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".
ومن الواضح أن البرود الذي سيطر على اللقاء لن يتحول إلى جليد قبل ظهور نتائج الجولة الأوروبية التي سيقوم بها الرئيس الأوكراني خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث من المقرر أن يتوجه إلى ستراسبورغ لإلقاء كلمة غدا الثلاثاء أمام أعضاء المجلس الأوروبي. وستبدأ زيارته لبولندا يوم الأربعاء وتستمر لمدة يومين. وفي مساء الخميس سيلقي كلمة في البرلمان الأوروبي في بروكسل. وفي 28-29 كانون الثاني (يناير) الجاري سيشارك في منتدى دافوس الاقتصادي.
وفي تعليق بعض المحللين السياسيين الروس رأى البعض أن الدوائر السياسية والدبلوماسية الروسية ليست متخوفة من تقارب أوكرانيا مع الغرب، ولكن على كييف أن تفكر جيدا في توازن العلاقات، لأن روسيا جار تاريخي ومصيري. وإذا كانت أوكرانيا في حاجة إلى الغرب ومساعداته ودعمه، فالغرب ليس بهذا القدر من الحاجة إلى أوكرانيا. فيما أكد البعض الآخر بأن العقلاء في الغرب يدركون جيدا مدى قوة الروابط بين موسكو وكييف، ومن مصلحة أوروبا والغرب عموما أن لا يعمل أحد على إفساد هذه العلاقات.