"إيلاف"من الرباط: كان إلى وقت قريب نجما ساطعا في سماء فريق كبير. وهو اليوم يبحث عن سماء أخرى تستضيفه بعد أن ضاقت به رحاب "ريال مدريد".

ومع أن لا أحد، حتى الآن، في فريق ريال مدريد أعلن انزعاجه من أداء ومستوى "فيغو"، إلا أن هذا اللاعب الذكي جدا والمحب لاقتناص الفرص المادية أكثر من فرص تسجيل الأهداف صار يحس اليوم أن أيامه في الفريق الأبيض صارت معدودة، كما أن نجما مثله ليس في حاجة لكي يسمع مباشرة كلمة "تفضل من غير مطرود". عليه أن يفهم بالإشارات واللغة المشفرة، فأداؤه في الفريق صار باهتا يوما بعد الآخر، والأهداف الجميلة التي يسجل أغلبها عن طريق ضربات الجزاء أو الضربات الحرة المباشرة صار له فيها منافسون كبار، زيدان،بيكامب، روبيرتو كارلوس.

فيغو صار اليوم يتحدث عن مستقبل آخر يراه قريبا. مستقبل بعيد عن الفريق الأبيض بعدما نال منه كل ما يريد، المال والشهرة والعطف.

سيد الغموض
عندما ظهر لاعب ريال مدريد فيغو أمام عدسات وكاميرات الصحافيين بعد غيبة استمرت طويلا استقبل بكل الحفاوة اللازمة، ليس شوقا إليه، بل شوقا إلى الجديد الذي يمكن للاعب من وزنه أن يمد به صفحاتهم الأولى وتحاليلهم الرياضية. فمنذ الموسم الماضي لم يتفوه "فيغو" أمام الصحافيين بكلمة. كان يفضل رسم ابتسامته البرتغاليه المميزة على وجهه الحزين ويلوّح بود إلى الصحافيين ثم يركب سيارته الفارهة وينصرف. إن تصرفاته أقرب ما تكون إلى تصرفات سياسيين محترفين منها إلى لاعبي كرة محترفين. لاعب بشخصية فذة وذكاء نادر. حكاية السلحفاة الماسكة في الهواء بعصا بين بطتين لا تتكرر مع فيغو. إنه أذكى من أن يتكلم... ثم يسقط.

لكن لماذا يتكلم فيغو بعد صمت دام موسما كاملا؟ أي شيء جديد في جعبته يستحق منه كل هذا العناء وهو الذي يتحدث وازنا كلماته بميزان الذهب. ربما لأن صمته استمر طويلا، والصمت الطويل يمكن ان يكون من ذهب أحيانا، لكنه حين يطول أكثر من اللازم يتحول إلى حديد صدئ.

فيغو تكلم لأنه يعرف أن الشائعات التي تطارده يوميا صارت أكثر من الشائعات التي تطارد العائلة الملكية في بريطانيا. يعرف أن صمته إن طال سيتحول إلى سلاح ضده وسيسيء إلى مسيرته الكروية الفذة.

فيغو علّل صمته الذي استمر شهورا بأنه كان يفكر في حياته ومستقبله. لكنه حاول أن يستمر وفيا لغموضه حتى في أقصى درجات الاعتراف حين يجلس لاعب كرة مشهور أمام الصحافيين بعد شهور من الغياب. أطلق كلاما كالألغاز وترك للصحافيين حرية البحث عن حلول.

"لم يكن هناك سبب خاص لصمتي. مررت بمرحلة من التركيز والتفكير فيما ستصبحه حياتي مستقبلا. كان علي أن أبقى على هامش ما تكتبه عني وسائل الإعلام".

يقول فيغو وهو يزمّ شفتيه بين الفينة والأخرى كأنه يعيد إلى دواخله تلك الكلمات والتعابير التي لا يريد أن يفصح عنها. ولكي يؤكد فيغو للجميع أن ما يخفيه أكثر مما يفصح عنه فإنه يضيف "حين أكون وحيدا أصبح أكثر هدوءا وأفكر في أشياء لم أكن من قبل أعطيها اهتماما يذكر".

هكذا يرمي فيغو بالكلمات امام الصحافيين كما يرمي علبا سوداء مغلقة في قعر المحيط، أو ربما هو يتوهم الامر كذلك. الشائعات التي جعلت فيغو يخرج عن صمته ويجلس أمام الصحافيين لن تتوقف ما لم يعط شرحا أفضل لألغازه، واللغز الكبير الآن هو هل سيستمر لاعبا في صفوف ريال مدريد على الأقل في الموسم المقبل؟

مانشستر... أو قطر
فيغو يقول إنه سينهي عقده مع "ريال مدريد" سنة 2006 وأنه مرتاح جدا في الفريق ". هذا كلام يقوله أي لاعب سواء في ريال مدريد أو في فريق من الدرجة الثالثة بأرخبيل فيجي.
هذه العبارات تشبه تلك الجمل التي يحفظها الجنود عن ظهر قلب لكي يرددوها عندما يقعون في الأسر. "أنا الجندي فلان من الفرقة الفلانية.. ".
العروض المقدمة إلى فيغو صارت تجد لها صدى أكبر بين عشاق ريال مدريد، لكنهم لا ينزعجون إطلاقا لذلك. يعرفون أن فيغو أدى ما هو مطلوب منه وبإمكانه أن يرحل في أي وقت يشاء. لم يعد هذا البرتغالي نصف العابس، أو نصف المبتسم، يعني ما كان يعنيه من قبل حين أتي به الرئيس الجديد لريال مدريد وهو في أوج عطائه بفريق البارصا خلال الحملة الانتخابية وكان الورقة الرابحة في الانتخابات حين سلّه من بين صفوف غريمه برشلونة كما يسل الشعرة من العجين.

ريال مدريد لم يعد ذلك الفريق الذي كانه قبل أربع سنوات حين حلّ به فيغو. هو اليوم مترع بالنجوم ويفكر رئيسه كل عام في "تفجير قنبلة" عبر شراء أغلى نجم في العالم. فيغو تحول إلى رجل من الماضي لن يأسف الكثيرون على رحيله، لكن الجميع يكنّون له احتراما غير مسبوق.

يقول فيغو إن العروض المقدمة إليه تهمه لوحده. هذا كلام لا يقال أمام صحافيين. لو كان كل لاعب يقول هذا الكلام لانقرضت مهنة الصحافة الرياضية. يجب على فيغو أن يقول شيئا لكي يبرر به على الأقل ظهوره أمام وسائل الإعلام بعد شهور من الصمت.

"أحب أن أفكر. كل واحد فينا يحب أن يفكر ويصل إلى الاستنتاجات التي يمليها عليه تفكيره"... يقول فيغو وهو يعتقد أن حيلته ومراوغاته الكلامية هاته انطلت على الصحافيين.
لكن اللاعب ووجه بسؤال مباشر" هل ستستمر لاعبا في صفوف ريال مدريد؟. هنا زمّ فيغو شفتيه مرتين وقال إن عقدته مع ريال مدريد لن تنتهي قبل سنتين ومستقبله سيفكر فيه لوحده". هذا الرجل مهووس بحميمياته حتى أنه يعتقد ان مستقبله الكروي يعنيه هو فقط.

ويضيف فيغو موغلا في زلة اللسان "أعرف ما يعجبني كثيرا وما يعجب أسرتي، لكن هذه أمور شخصية ولن يفيد في شيء التطرق إليها"... يقول فيغو وهو يرسم على وجهه
ابتسامته نصف العابسة وكأنه يترجى من الصحافيين ألا يغضبوا.

الصحافيون سيغضبون فعلا إن استمر فيغو في مثل هذا الكلام الذي لا يقول شيئا، لذلك سيمزح معهم قائلا "مازال الوقت مبكرا لكي أذهب إلى قطر".
هذا هو البلد إذن الذي يتداوله الكثيرون عن رحلة ما بعد الصيف المقبل لفيغو. قالها وكأنه يمزح، وهو يعرف أنه الجد. لكن قبل ذلك سيتكلم فيغو عن "الحلم الإنجليزي، مانشستر أو تشيلسي... وبعد ذلك قطر. لاعب غريب الاطوار فعلا.

الحلم الإنجليزي
اللاعب البرتغالي لا يريد ان يذهب مباشرة من إسبانيا إلى قطر،حيث لعب زملاء له سابقون في البارصا وريال مدريد. يريد من رحلته أن تمر عبر إنجلترا أولا. هناك فريقان عبرا مرارا عن رغبتهما في خدماته. هو أيضا يعتبر المرور من إنجلترا محطة ضرورية من أجل اعتزال أفضل في قطر.

حين فكّت عقدة لسان فيغو قال إن اللعب في مانشستر أو تشيلسي رغبة لا يستطيع مداراتها. هناك فرق إنجليزية أخرى تنتظر.

يعتبر فيغو أن اللعب في أنجلترا حلم من أحلامه. يعتبر نفسه طفلا يحلم. "قلت إن هذا حلما طفوليا. لكن الأحلام لا تتحقق في الكثير من الأحيان. يسعدني كثيرا أن ألعب هناك... لكن مازلت مرتبطا بعقدة مع ريال مدريد لمدة سنتين ولا شيء يمكن ان يغير هذا الوضع"... يقول فيغو وكأنه يؤكد من حيث يحاول أن ينفي.

يعلم اللاعب البرتغالي أن مسؤولي ريال مدريد لن يمانعوا إطلاقا في طلاقه. بل ربما العكس، سيكونون ممتنين لأي فريق إنجليزي قدّم لهم عرضا في المستوى يستعملونه في اقتناص آخر النجوم، وهو بالتأكيد سيكون نجم دفاع الأرسنال "باتريك فييرا"، ولم المهاجم "تييري هنري" أيضا.

الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام الإسبانية تؤكد أن فيغو لا يطلق الكلام على عواهنه، بل أكثر من هذا، كان من المرتقب ان يرحل فيغو عن ريال مدريد نهاية الموسم الماضي، فتأجّل الرحيل إلى شتاء هذا الموسم، وسيتأجل إلى نهاية "الليغا" لكي يحزم فيغو حقائبه نحو إنجلترا قبل أن ينهي حلمه في قطر، وهو حلم لا يخفيه أبدا.