إيلي الحاج من بيروت: من المقرر أن يتوجه رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة إلى روسيا مساء اليوم، ما لم يطرأ جديد في الوساطة التي يقودها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى يفرض إرجاء للزيارة التي يتضمن جدول أعمالها لقاءات للسنيورة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومساعديه، وذلك في إطار سعي الحكومة اللبنانية إلى تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، متجاوزة الأوضاع المتأزمة في السياسة والشارع البيروتيين.

وتسبق زيارة السنيورة بثلاثة أيام وصول الرئيس السوري بشار الاسد إلى موسكو للبحث في الموضوع نفسه مع نظيره الروسي، والفارق أن السنيورة يطلب دعما روسيا لتشكيل المحكمة التي يتأكد يوماً بعد يوم أن الإتفاق عليها سيعود الى مجلس الأمن من دون ان يكون ممهوراً بالتوقيع اللبناني quot;الكاملquot; . أما الرئيس الاسد فسيتبلغ من الرئيس بوتين دعما وتفهما في موضوع هذه المحكمة لخصه المسؤول الإعلامي في السفارة الروسية في سوريا بالقول quot;ان روسيا تريد طمأنة سورية الى انها لن تسمح لأعدائها السياسيين باستغلال عمل لجنة التحقيق الدولية للنيل منهاquot;.

وتقف عقبات كأداء في وجه مسار مشروع المحكمة الدولية الذي يبدو أنه quot;ضاعquot; في طريقه الى مجلس النواب حيث يتوجب إبرامه. والمؤكد حتى الآن رغم جهود عمرو موسى للتوصل إلى سلة حلول متكاملة لنقاط الخلاف بين اللبنانيين، ان رئيس المجلس نبيه بري المتحالف مع quot;حزب اللهquot; ليس في صدد دعوة البرلمان للانعقاد في جلسة تخصص لإبرام الإتفاق حول المحكمة الدولية، وهو يتذرع بموقف رئيس الجمهورية إميل لحود الذي رفض توقيع المشروع، ما يحول من وجهة نظر بري دون اكتمال الأصول الدستورية لإحالة مشروع القانون إلى مجلس النواب، كما يردد رئيس البرلمان أن لا سبيل إلى إمرار هذه المسألة من دون حل quot;الأزمة الحكومية الدستورية quot; متبنياَ بذلك موقفي لحود وquot;حزب اللهquot;. علماً أن أوساطاً قريبة من بري تكشف تمنيها إقرار هذه المحكمة في مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة من دون طلب موافقة السلطات اللبنانية، ما يوفر على حلفاء سورية في لبنان إحراجاً تجاهها لا طاقة لهم على تحمله.

وقد بدا جلياً منذ أمس أن الاميركيين والفرنسيين الذين كانوا يفضلون حصول توافق داخلي حول المحكمة بدأوا يبنون حساباتهم على ان التوافق الذي تم في مؤتمر الحوار على مبدأ إنشائها لن يجد ترجمته سياسياً في ظل الأزمة التي تعصف بلبنان . لذا يبرز اتجاه لديهم الى اعادة المحكمة الى مجلس الأمن متجاوزين العقدة اللبنانية الداخلية من خلال اللجوء إلى الفصل السابع ، مع ما يعنيه ذلك من تحول المحكمة quot;محض دولية quot; وساحتها مجلس الأمن، فلا يتوقف مسارها للأخذ بموقف لبنان الرسمي.

عند هذه النقطة المركزية تبرز العقدة او العقبة الروسية التي تجعل الانتقال من محكمة ذات طابع دولي الى محكمة دولية واقرارها في مجلس الأمن عملية غير سهلة وغير مضمونة النتائج . ولا يستبعد ان تلجأ موسكو الى تطوير موقفها المتحفظ الذي كشفته في المرحلة السابقة الى موقف اعتراضي وربما لا تكتفي بعدم التصويت فتمارس حق النقضquot; الفيتوquot; ، وبالتالي يصبح مصير المحكمة مجهولا او على الأقل يطرأ عليه تأخير لأشهر اضافية.

ولا يغفل متابعو هذه القضية عن حقيقة أن لروسيا تحفظات في شأنها ، وأنها طالبت سابقاً بإدخال تعديلات جوهرية على مشروع القانون الخاص بالمحكمة قبل ان يصوت عليه مجلس الأمن. ومن ملاحظاتها ضرورة ان ينص نظام المحكمة على عدم جواز محاكمة رؤساء الدول نهائيا، وضرورة اضافة نص تلتزم بموجبه المحكمة عدم محاكمة المتهمين غيابيا، ووجوب عدم التزام المحكمة أي اتفاقات جنائية دولية موقعة أو ستوقع مع لبنان وأي دولة أجنبية. وتضاف الى هذه الملاحظات القانونية ملاحظات سياسية أكثر وضوحاً، وهي أن روسيا ترفض تسييس التحقيق واستخدامه لأغراض سياسية ضد النظام في سورية ، وتريد لهذا التحقيق ان يكون منطلقا من وقائع لا تدحض ومبنيا على أدلة دامغة لأن تسييسه يوسع بؤر التوتر في المنطقة وقد يفجرها.

وتبرر موسكو موقفها بأنها تخشى أن تفجر المحكمة الدولية العلاقات بين بيروت ودمشق ، وان تعرض للخطر الاستقرار الاقليمي وكذلك الاستقرار اللبناني. وفي هذا المجال يمكن لموسكو أن تتكل على quot;الفوضى اللبنانيةquot; حالياً، باعتبار أن المحكمة الدولية تكاد تصبح مثل مؤتمر باريس- ٣ لدعم الإقتصاد اللبناني ضحية من ضحايا التجاذبات والاشكالات السياسية والدستورية، لتعزز موقفها الاعتراضي وتحيله إلى مشاكل لبنانية قائمة وانعكاسات سلبية للمحكمة إذا أقرت وسط هذه الظروف.

هذا الموقف الروسي سيحاول السنيورة تفكيك نقاط التحفظ فيه، في حين سيحاول الرئيس الأسد الاحتماء به بعدما أعلنت دمشق رفضها المحكمة الدولية مهما كلف الأمر وأياً تكن النتائج . وهو وضع يثير في لبنان تساؤلات وقلقا لدى quot;قوى ١٤ آذار / مارسquot; كان رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; النائب وليد جنبلاط السبّاق الى التعبير عنه بالقول إن quot; من المؤسف ان دولة كبرى تحاول حماية النظام السوري على حساب الاستقرار والحقيقةquot;، في حين يذهب وزير الإتصلات مروان حمادة القريب من جنبلاط إلى القول إن quot;في الإدارة الروسية مسؤولين من حقبة الإتحاد السوفياتي ما زالوا يحنون إلى الأنظمة الإستبدادية في العالم العربيquot; .