سلطان القحطاني من الرياض: تفاجأت الأوساط الثقافية السعودية خلال اليومين الفائتين بتواجد المفكر العربي الشهير أدونيس في أرض العاصمة الرياض لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، في زيارة تتزامن مع حدثين ثقافيين تشهدهم العاصمة الصحراوية، أولهما مهرجان الجنادرية الذي يدلف إلى عقده الثالث، ومعرض الكتاب الدولي الذي شكل ثقباً في جدار المنع المعتاد،إذ تم إعفاء الرقابة على الكتب بشكل كبير، الأمر الذي فرّج على السعوديين كربتهم الرقابية التي طالما أرقتهم.

وأدونيس إذ يزور السعودية خلال هذه الأيام الحالية التي تشهد فيها المملكة المحافظة عدة خطوات إصلاحية لافتة،فإنه لا يأتي بصفته ضيفاً على مهرجان الجنادرية كما توقع البعض،بل هي زيارة أتت بترتيب من قبل مثقفين عرب أبلغهم أدونيس برغبته في زيارة الرياض حاليا، وهو أمرٌ quot;لم يمانع السعوديين بشأنهquot; كما قال مصدر مطلع لـquot;إيلافquot;،وتم ترتيب الدعوة بشكل عاجل.

ويعود تاريخ الغزل الذي بدأ به المفكر العربي الجدلي أدونيس للرياض وسكانها إلى وقت طويل، إذ دأب على الحديث عن ترحيبه بزيارة السعودية مجيباً حين يُسئل عن عدم زيارتها له، وهو ما أفصح عنه لرفيق كلماته على صفحات quot;الحياةquot; اللندنية الشاعر السعودي المعروف محمد العلي،الذي كان يكتب عموداً quot;مائياًquot; نحيلاً في الصحيفة ذاتها كان اسمه quot;كلمات مائيةquot;، والتقى أدونيس خلال أمسية تمت في المنامة في وقت سابق، حيث ظهرت الرغبة الصريحة من ادونيس بزيارة المملكة العربية السعودية.

أما الرصيد الشعبي الذي يملكه أدونيس لدى السعوديين فهو ذو رأسيين مدببين سلباً وإيجاباً.ففي الوقت الذي يرى فيه مثقفو السعودية الذين يميلون للحداثة الشعرية التي أطلقها أدونيس ورفاقه منذ الخمسينات الميلادية من القرن الميلادي المنصرم أن زيارة أدونيس لبلادهم حدث استثنائي بكل المقاييس، فإن أصوليو السعودية يرون في أن عدوهم اللدود بين ظهرانيهم جسداً وكتباً، بعد أن دعوا إلى أخذ الحيطة منه ومن أفكاره وكتبه التي كانت تُمنع أو تُصادر من على أرفف المكتبات السعودية.

إلا أنه في الآونة الأخيرة بدا جلياً مقدار ما حدث من اخترق في جدار الرقابة على الكتب، وخصوصاً في الحالة الأدونيسية التي بدت عصية آن ذاك،إذ عاد أدونيس وكتبه إلى القرء السعوديين الذين تلقوا العودة بشغف بالغ،إما للاستفادة من التجربة الفكرية التي هي حصيلة ستة عقود من البحث والكتابة، أو التدقيق في المفردات واللمحات الفكرية التي تُدين أدونيس، والتي يقوم بها الجناح المحافظ في المملكة العربية السعودية ومناصريه.

وكان صوت أدونيس وكلمات قاسم حداد قد تسببا في منع عمل شعري وموسيقي نفذه الفنان البحريني خالد الشيخ بعنوان وجوه،الذي ما زال السعوديون يحصلون على نسخ منه من خارج حدودهم، وخصوصاً من الجارة القريبة البحرين. والآن ولى ذلك العهد الذي كانت فيه كتب أدونيس تنتزع من حقائب السعوديين العائدين من خارج البلاد محملين بالكتب التي كانوا لا يحصلون عليها في بلادهم.

اسمه علي أحمد سعيد إسبر, و (أدونيس) هو لقب اتخذه منذ 1948. ولد عام 1930 لأسرة فلاحية فقيرة في قرية (قصابين) من محافظة اللاذقية. لم يعرف مدرسة نظامية قبل سن الثالثة عشرة, لكنه حفظ القرآن على يد أبيه, كما حفظ عددًا كبيرًا من قصائد القدامى،حيثُ كان يقرأ على مسمع أبيه وأصدقائه كل ليلة مختارات من الشعر العربي القديم.

وفي ربيع 1944, ألقى قصيدة وطنية من شعره أمام رئيس الجمهورية السورية حينذاك, والذي كان في زيارة للمنطقة. نالت قصيدته الإعجاب, فأرسلته الدولة إلى المدرسة العلمانية الفرنسية في (طرطوس); فقطع مراحل الدراسة قفزًا, وتخرج من الجامعة مجازًا في الفلسفة،كما تقول زوجته خالدة سعيد عن مسيرته الفكرية.

والتحق بالخدمة العسكرية عام 1954, قضى منها سنة في السجن بلا محاكمة بسبب انتمائه -وقتذاك- للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تركه عام 1960. غادر سوريا إلى لبنان عام 1956, حيث التقى بالشاعر يوسف الخال, وأصدرا معًا مجلة (شعر) في مطلع عام 1975. ثم أصدر أدونيس مجلة (مواقف) بين عامي 1969 و 1994. درّس في الجامعة اللبنانية, ونال دكتوراه الدولة في الأدب عام 1973, وأثارت أطروحته (الثابت والمتحول) سجالاً طويلاً. وبدءًا من عام 1981, تكررت دعوته كأستاذ زائر إلى جامعات ومراكز للبحث في فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة وألمانيا. تلقى عددًا من الجوائز اللبنانية والعالمية وألقاب التكريم. وترجمت أعماله إلى ثلاث عشرة لغة .