إيلي الحاج من بيروت: كيف سيتمثل لبنان في مؤتمر القمة العربية في المملكة العربية السعودية؟ هذا الموضوع يشغل جزئيًا الوسط السياسي حاليًا، لكنه سيتصدر الإهتمامات البيروتية فيالأيام المقبلة إذا لم تلق الأزمة الحكومية حلاً قبل إنعقاد القمة .

فرغم أن رئيس الجمهورية إميل لحود تلقى وحده الدعوة من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز تبقى مسألة تشكيل الوفد معقدة وصعبة نظرًا إلى استفحال الأزمة السياسية في البلاد والتنازع على القرار والتمثيل والموقف، وإلى ظواهر أخرى في السياسة لا يحدث مثيل لها في العالم، إلا فيلبنان.

واليوم السبت غادر وزير الخارجية بالوكالة طارق متري بيروت إلى القاهرة، وصرح في المطار: quot;أنامسافر لأشارك في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، ويشارك لبنان في هذا الاجتماع بوزير، وهذا لا علاقة له بدعوة الرئيس ( لحود) إلى مؤتمر القمة في السعودية. إن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري يأتي في إطار الدورة 127 العادية. أما اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يسبق القمة فسوف ينعقد في الرياض قبيل القمة، وهو شأن آخر. ولا يزال البحث في مشاركة لبنان فيه وسبل تنظيم هذه المشاركة سابق لأوانهquot;.

لا يخفي هذا الكلام أن الأكثرية الحكومية والنيابية تواجه موقفًا حرجًا في ما خص القمة العربية والمشاركة اللبنانية فيها. فهي لن تسلم بسهولة بتغييبها عن القمة واقتصار الحضور على الرئيس الذي تعتبره قوى 14 آذار(مارس) ضابطًا في جيش الرئيس السوري بشار الأسد، ومنحازًا بالتالي إلى حلفاء سورية في قوى 8 آذار( مارس)، وبالتالي ستصر كما فعلت في قمة الخرطوم على أن يحضر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أيضًا القمة.

لكن الجانب السعودي إلتزم البروتوكول القاضي باقتصار الدعوة على رئيس الدولة، ولم يخصص رئيس الحكومة بدعوة، تاركًا طريقة تشكيل الوفد للمسؤولين اللبنانيين، على قول الوزير السعودي عبدالله الزينل، مما جعل الأكثرية الوزارية والنيابية أمام خيار من اثنين لا ثالث لهما. أولهما التسليم بمشاركة لحود مع الوفد الذي سيختاره هو والذي لن يضم حتمًا في عداده لا الرئيس السنيورة ولا أي وزير من الأكثرية، ويحتمل أن يضم إما وزيرًا أو أكثر من المستقيلين، وعددًا من الدبلوماسيين الذين يرتاح إليهم. وثانيهما الطلب إلى الرئيس السنيورة حضور القمة، ولكن ليس في عداد الوفد الرئاسي، مما يعني أن تجربة الخرطوم ستتكرر في الرياض، وسيكون الحضور اللبناني مزدوج التمثيل: وفد برئاسة الرئيس لحود وآخر برئاسة الرئيس السنيورة، مع م ذلك يعني انعكاسات سلبية على صورة لبنان في الخارج، وهي صورة مهشمة أصلاً بفعل الأوضاع السياسية الحالية فيه.

ولا شك أن اللجوء إلى الخيار الثاني، وهو مستبعد حتى الآن ولن يعتمد إلا في حال إنهيار مساعي الحلول كافة، سيضع المسؤولين السعوديين في وضع حرج سواء من الناحية البروتوكولية في التعامل مع الرئيس السنيورة كما حصل في الخرطوم، أو من الناحية السياسية ، علمًا أن ما حصل في الخرطوم لدى مناقشة البيان الختامي للقمة، في الفقرة المتعلقة بـquot;المقاومة الوطنيةquot; لا يزال صداه يتردد في الأندية والمحافل السياسية بعدما رفض الرئيس لحود استبدال عبارةquot; المقاومة الوطنيةquot; كما طلب الرئيس السنيورة، بعبارة quot;مقاومة للشعب اللبنانيquot;، وأصر لحود على بقاء العبارة نفسها كما كانت القاعدة في بيانات القمم، مما أثار جدلاً في الجلسة المغلقة انتهى بتبني القمة وجهة نظر لحود بفعل تولي الرئيس السوداني القريب سياسيًا من سورية رئاسة الجلسة، وأغفل ملاحظة الرئيس السنيورة، مما استتبع حملة سياسية في لبنان إستمرت مفاعيلها أسابيع عدة.
وفوق ذلك سيحدث وجود الرئيسين لحود والسنيورة في الرياض إرباكًا بروتوكوليا يتعلق بالمكان الذي سيجلس فيه رئيس الحكومة الذي رفض في الخرطوم الجلوس خلف الرئيس لحود في المقاعد المخصصة للوفد اللبناني، مما جعله يتغيّب عن الجلسات الإفتتاحية ولا يشارك إلا في الجلسة المغلقة، أي بعيدًا عن الإعلام والكاميرات، وقد خصص له الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في ذلك اليوم مقعدًا الى جانبه وليس خلف لحود.

وتقول مصادر حكومية إن تشكيل الوفد اللبناني إلى مؤتمر وزراء الخارجية يتطلب قرارًا يصدر عن مجلس الوزراء، أي عن حكومة الرئيس السنيورة التي ستتجه إلى تكليف الوزير بالوكالة القيام بمهمة وزير الخارجية في الرياض، ما دام هو الذي يحضر جلسات المجلس وليس الوزير الأصيل المستقيل فوزي صلوخ الذي يرغب لحود في اصطحابه معه في عداد الوفد غير معترف بوجود حكومة الرئيس السنيورة ويردد على غرار قادة quot;حزب اللهquot; وسائر حلفاء سورية في لبنان أنها فاقدة للشرعية بسبب إستقالة الوزراء الشيعة منها ممّا يجعلها مخالفة الدستور وتاليًا ميثاق العيش المشترك اللذين يقضيان بمشاركة كل الطوائف في الحكومة.

وإذا أصرت الحكومة على أن يمثل الوزير متري لبنان في جلسات مجلس وزراء الخارجية العرب الممهدة للقمة في الرياض فإن مفعول قرارها سيقتصر في هذه الحال على اجتماعات المجلس الوزاري المذكور، ولن يشمل مؤتمر القمة نفسه، لأن لحود الذي يترأس الوفد لن يقبل بحضور الوزير متري في عداد وفده بالإستناد إلى وجهة نظره حيال حكومة السنيورة التي لا يعترف بها ولا تعترف هي بشرعيته لكنها تتعامل معه كأمر واقع في إنتظار أن يحل الوقت عقدته بانتهاء ولايته الممدة قسرًا إلى تشرين الثاني (نوفمبر) الآتي .

والمفارقة في هذا السياق أن وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ يمارس صلاحياته كوزير غير مستقيل ساعة يشاء من وقت إلى آخر، فيطلع على التقارير الواردة من السفراء ويستقبل شخصيات زائرة للبنان بصفته تلك، وكان آخرها المستشار السياسي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مايكل وليامس لأنه كان مكلفًا بوضع تقرير للأمين العام عن مدى تطبيق القرار الدولي رقم 1701، وهو تقرير يهم quot;حزب اللهquot; إلى حد كبير، فضلاً عن أن صلوخ لا يزال يتقاضى راتبه كالعادة ويتنقل بالسيارة الحكومية المخصصة لوزير الخارجية، كأن لا إستقالة قدمها ولا من يستقيلون!