الأربعاء 21 فبراير 2007

سعد محيو


فكرة حياد لبنان، أو تحييده، لم تعد مجرد فكرة. إنها تتحَول شيئاً فشيئاً إلى مشروع له أنصاره ومريدوه وقواه الضاغطة من أجل تحقيقه.

المنطلق بسيط: الداخل اللبناني لن يستقر، طالما بقيت الصراعات مستمرة بين اللبنانيين حول السياسات الخارجية. وهذا صحيح بالطبع. فمنذ استقلال لبنان العام ،1943 كانت الانفجارات الكبرى والحروب الأهلية تندلع، على خلفية انحياز لبنان إلى هذا الفريق الخارجي أو ذاك: تبني الرئيس كميل شمعون العام 1958 لمشروع أيزنهاور في الشرق الأوسط ضد القومية العربية الناصرية. انحياز المسلمين اللبنانيين العام 1975 للثوار الفلسطينيين الآتين من أتون حرب 1967 ومعركة أيلول الأسود في الأردن. تحالف العماد ميشال عون مع عراق صدام حسين العام 1989. تبني حزب الله وتيار المستقبل لاجندات خارجية الآن.. إلخ.

من دون هذه الصراعات الخارجية، تتقلص الخلافات الداخلية اللبنانية إلى سباقات على السلطة وغنائمها يمكن إدارتها والتحَكم بها. لا شيء في مثل هذه السباقات يبرر الانتحار الجماعي، طالما ان العقلية التجارية اللبنانية قادرة على توزيع الأنصاب والغنائم بالعدل والقسطاس بين الطوائف والمذاهب.

سويسرا هي النموذج هنا. فهده الدولة ذات الأعراق واللغات والمذاهب المتباينة غرقت طيلة قرون في لجج حروب اهلية متصلة، إلى ان اكتشفت ldquo;شعوبهاrdquo; انه من الأسهل عليها كثيراً تحقيق وفاقها الداخلي بدل انتظار وفاق فرنسا وألمانيا وإيطاليا التي كانت تتنافس على النفوذ فيها عبر المواطنين السويسريين الناطقين بلغات هذه الدول. وهكذا ولد الحياد السويسري الشهير الذي حَول بلاد الساعات والجبنة المثقوبة إلى أرض اللبن والعسل.

هل لبنان قادر على تحقيق مصير مماثل؟

انصار نظرية الحياد يردّون سريعاً بالإيجاب. وعلى سبيل المثال، يرى غسان تويني وكلوفيس مقصود ان مثل هذه المبادرة ممكنة لثلاثة أسباب:

الأول، انها الطريقة الوحيدة لتحقيق استقلال الإرادة وسيادة الأولويات الوطنية والقومية في لبنان.

والثاني، أن هذا الحياد سيكون إيجابياً، على نسق ذلك الذي تبَنته دول العالم الثالث في الستينات، لكن مع إبقاء لبنان على جدول أعمال الصراع العربي ldquo; الإسرائيليrdquo; إلى حين التوَصل إلى حل شامل.

والثالث، ان الحياد الإيجابي سيعود كونه موضة في السياسات العالمية، مع بدء تفكك عالم القطبية الانفرادية الأمريكية. وبالتالي، طرح هذه المسألة ليس حلماً طوباوياً بل هو سياسة واقعية.

بيد ان خصوم هذه النظرية يردون سريعاً بالنفي. وهم يشمون في هذا الطرح روائح أمريكية وغربية تسعى لفصل لبنان عن التزاماته العربية والإسلامية، خاصة بعد ان أصبح لبنان البلد العربي الوحيد الذي ألحق ب ldquo;إسرائيلrdquo; نكسة عسكرية موجعة.

أي الطرفين على حق؟

لن نجيب نحن. سنقترح امراً آخر: طرح هذا الموضوع على استفتاء شعبي. فإذا ما تبَين ان غالبية اللبنانيين يريدون فعلاً الحياد الإيجابي، فستكون الأرض ممهدة لتحَول الفكرة إلى مشروع، والمشروع إلى برنامج وطني. اما إذا ما اختارت الغالبية التوجهات الراهنة في السياسات اللبنانية، فسيكون على اللبنانيين ارتداء الخاكي والاستعداد للبقاء حقبات غير قصيرة في الخنادق. وهذا لن يكون خطأ، طالما انه محط إجماع او شبه إجماع.

بكلمات اوضح: لا يزال الخيار في لبنان هو هو: بين هونج كونج وفيتنام. ولا حل وسطاً، حتى ولو أسبغ على الخيار الهونج كونجي سمة الحياد الإيجابي، وعلى الخيار الفيتنامي طابع الانحياز الإيجابي.

على اللبنانيين ان يختاروا بأنفسهم، ولو مرة في تاريخهم!