قصة ليبية غريبة .. دلائل وأسئلة:
القذافي والرفاق القدامى .. ومبايعة الأبناء والأحفاد

نسرين عز الدين من بيروت: تحت عنوان: quot;الأخ قائد الثورة يلتقي برفاقه وأبنائهم وأحفادهم من مختلف أنحاء الجماهيرية العظمىquot; نشرت صحيفة quot;الزحف الأخضرquot; الليبية في عددها رقم 5479 الصادر بتاريخ السبت 29 ذو الحجة 1376 و.ر الموافق 27 كانون 2008 م. الخبر التالي : ... مهلاً، قبل ان نستعرض الخبر كان لزامًا علينا التوقف مطولاً عند التاريخ . فما هي هذه السنوات و الاختصارات التي لا علم لنا بها . من اين نبدأ السؤال، هل وقعنا على عدد خاطئ من الصحيفة أم أن الصحيفة نفسها أخطأت في الطباعة .

وأخيرًا جاء الجواب ، لا هذا ولا ذاك فالتاريخ صحيح quot;ليبيا quot; على الاقل.. فالقذافي ووفق مفهومه للتاريخ الاسلامي فإن التقويم يعتمد على وفاة الرسول (و.ر)وليس على هجرة الرسول. وعليه فإن تاريخ 1376 و.ر صحيح وفق التقويم القذافي كما هي حال تسمية شهر ديسمبر بكانون فقط... وليس كانون الاول او الثاني او حتى الثالث!

فالاشهر الليبية التي تقوم على تسمية شهر (كذا ) 2008 م مسيحي وليس ميلادي لها تسميتها الخاصة ايضًا فيناير/كانون الثاني هو شهر النار، وفبراير/شباط شهر النوار، ومارس/آذار شهر الربيع، وابريل/نيسان شهر الطير، ومايو/أيار شهر الماء، ويونيو/حزيران شهر الصيف، ويوليو/تموز شهر ناصر، وأغسطس/آب شهر هانيبال، وسبتمبر/أيلول شهر الفاتح واكتوبر/تشرين الأول شهر التمور، ونوفمبر/تشرين الثاني شهر الحرب، وديسمبر/كانون الأول كما سبق وذكرنا شهر كانون .

وبعد استعراض الاشهر اللبيبة نعود الى الخبر الحدث بعد quot;التأريخاتquot; الحدث .

اذا التقى quot;الاخ قائد الثورة مساء أمس الأول (أي الخميس الفائت) quot;برفاقه وابنائهم واحفادهم الذين جاؤوا من مختلف أنحاء الجماهيرية العظمى ليجددوا التزامهم الأخلاقي والاجتماعي لرفيقهم الأخ القائد معمر القذافي، ووفاءهم للقيم والمبادئ التي تعلموها منه، وترسيخ تلاحمهم الأبدي معهquot;.
واعلن quot;الرفاقquot; في كلمتهم بمستهل اللقاء انهم quot;حشدوا طاقتهم وقوة أبنائهم وأحفادهم جنودًا للثورة وحماة لقائدها العظيم بضمير واحد وقلب واحد شأن المؤمنين الصادقين الذين لا ينقضون عهدًا وينكصون على أعقابهمquot; .. وانتهى اللقاء بقسم جماعي يشدد على الوفاء للقذافي ولعهده ( نقسم بالله العظيم أن نظل على العهد باقين، وعلى الرفقة محافظين ولتوجيهاتكم منفذين. والله على ما نقول شهيد. والفاتح أبدا).

وكما كل حدث يرتبط بالقذافي فإنه دائمًا يوجد الكثير مما يقال حوله وحول دلالاته وتوقيته وانعكاساته. فالعقيد من الشخصيات التي إما تعجب بها حد quot;الولاء والتسليم المطلق لكل ما يقوم بهquot; او من الشخصيات التي لا تستسيغها حد quot;الانتقاد المطلق quot;... فلا حلول وسط مع هذه الشخصية التي لا تعرف للحلول وسطًا ولا تقدم على عمل الا وتهدف لشيء ما.

وعليه فإن لقاء كهذا يفترض سلفًا هدفا ما، خصوصًا ان مناسبة quot;التجمعquot; بدت غير مقنعة. فالتجمع الذي تم الخميس الفائت بدا تائهًا بين سببين، الأول عيد الاضحى الذي كان قبل 17 يومًا من التجمع، وإن كانت الكلمة الافتتاحية قد قدمت التهاني للقذافي وعائلته بالعيد، اما الثاني فهو الذكرى الاربعين لقيام ثورة الفاتح والتي يفصلنا عنها 9 اشهر على الاقل، وإن كانت جملة quot;quot;ونحن على اعتاب العيد الاربعين للثورة الفاتح quot;قد وردت في احدى الكلمتين اللتين ألقيتا في هذا التجمع.

فما هو السبب الذي استدعى لقاء quot;تجديد الالتزام الاخلاقي والاجتماعي والوفاء للقيم وترسيخ التلاحم الابديquot; بين الاجيال الثلاثة وللقذافي، وما الذي استدعى هذا quot;الزحف الاخضرquot; هذا من كل المناطق الليبية للقاء القذافي تحت عنوان محدد معروف الأهداف وبمناسبة ضائعة.

تشي التعابير المستخدمة والقسم الذي اختتم به الحاضرون اللقاء مع القذافي بأن اللقاء اشبه بمبايعة للعقيد. لا وبل يشي اختيار الشخصيتين اللتين القيتا الكلمتين، وهما محمد بلقسام الزوي ومفتاح محمد كعيبة، بأن اللقاء جاء ليؤكد البيعة وليؤكد الولاء المطلق وليغمز من قناة من انقلبوا على القائد او حتى يفكروا بالانقلاب عليه، مؤكدين انهم هم الرفاق والابناء والاحفاد على خطى قائدهم اليوم وغدًا وبعد غد وإلى الابد.

اذا من اجل تجديد البيعة للقذافي اجتمعت الاجيال الثلاثة من الرفاق وابنائهم واحفادهم quot;ثلاثة اجيال متواصلة مترابطة ومتراصة quot;جلسوا امام القذافيquot; بضمير واحد وقلب واحد شأن المؤمنيين الذي لا ينقضون عهدًا ولا ينكصون على اعقابهمquot;. ثلاثة اجيال مؤمنة بالقذافي التزام المؤمن بعهد الله ورسله... لاquot; ينكصون على اعقابهم quot;ولا يحذون حذو بعض الرفاق القدامى الذين انقلبوا او حتى يفكرون بالانقلاب على هذا الايمان وعلى هذا الخط، فالحاضرون هم
quot;التربة التي نمت فيها بذرة الثورة، والجماعة التي آمنت بقائدها ورفيقها الثائرquot; معمر القذافي(..)quot;. بعد هذه المقدمة ينتقل محمد بلقسام الزوي، الذي لا يمكن ان يمر اختياره لإلقاء الكلمة الأولى مرور الكرام، الى الحديث عن الرفاق الذي تغيبوا عن المناسبة .

والزوي، الذي هو من اقرب الشخصيات المدنية للقذافي وان كان ليس اشهرها، عرف بعزوفه عن الاضواء منذ بدايات حكم القذافي، وان دل خروجه في هذه المناسبة على شيء فهو بالتأكيد لا يقتصر على لقاء عابر فحسب .

اما الشخصية الثانية التي القت الكلمة الثانية فهي مفتاح محمد كعيبة، رئيس البرلمان الحالي، أو مؤتمر الشعب العام، وهو ايضا من الشخصيات المقربة جدا من القذافي ومن اعضاء الجناح المدني في ما عرف بـquot; حركة الضباط الوحدويين الاحرارquot; .

..الرجلان من quot; الشريحة التي خرجت من أحشائها حركة الوحدويين الأحرار وحركة الضباط الوحدويين الأحرار .quot; جاؤوا الى العقيد ولم quot; ولم يغب إلا من حالت الظروف دون حضوره quot;.

هل ان من quot;حالت الظروف دون حضورهمquot; هم من غيبهم الموت او غابوا عن المشهد السياسي الليبي؟ سؤال تثيره المقاربة فقط. أما إجابة مضمون كلمة الزوي فهو بالتأكيد لا يتحدث عن أموات، بل عمن ينقل عنهم الزوي ما يلي quot;.. واسمحوا لنا أيها القائد بنقل تحياتهم إليكم والتزامهم بكل ما يسفرعنه هذا اللقاء من واجبات أو عمل تكلفون به الرفاق quot;!

احد عشر ضابطا كانوا رفاق العقيد معمر القذافي رئيس مجلس قيادة الثورة يوم اول، او فاتح، سبتمبر سنة 1969 . اثنان غيبهما الموت، هما إمحمد المقريف، الذي توفي في حادث سيارة اوائل السبعينات، وكان وزيرا للآسكان عند وفاته. الثاني، عمر المحيشي، الذي اعلن انشقاقه عن القذافي اواخر السبعينات، ولجأ اولا الى مصر، ثم الى المغرب، ثم أعيد الى ليبيا حيث مات في السجن. ثلاثة لا يزال لهم حضور ما في المشهد السياسي، هم عبد المنعم الهوني، الذي عارض القذافي فترة من الزمن ثم جرت مصالحة، وهناك مصطفى الخروبي والخويلدي الحميدي. اما الستة الغائبون عن المشهد، فهم: أبو بكر يونس جابر، عبد السلام جلود، عوض حمزة، مختار القروي، محمد نجم، وبشير هوادي.

وفي المحصلة فإن لقاء كهذا بحضور رفاق قدامى، بأهمية الزوي وكعيبة، وابنائهم وابناء الرفاق السائرين على خطى القذافي والذين لم يحضروا اللقاء لسبب ما واحفادهم يفترض، وكي لا نجزم بشكل قاطع، احتمال التصدي لمحاولة التفاف على ما قد يكون صراع أجيال داخل مؤسسات الثورة القذافية نفسها. quot;التزاماً ووفاء للقيم والمبادئ (..) وترسيخاً للتلاحم الأبدي معكم ، ها قد جئنا نحمل مبادئ الثورة فكراً وممارسة ، أرواحنا على أكفنا وأيدينا على الزناد ، وقد حشدنا طاقتنا وقوة أبنائنا وأحفادنا ، جنوداً للثورة وحماة لقائدها العظيم .quot;

صراع قد تدلل عليه عبارة quot;لا ينكصون على اعقابهم quot;، التي وردت في كلمة الزوي، بينما ورد معنى مقارب لها في كلمة الكعيبي quot;رفاقاً صادقين غير مبدلين ولا متخاذلين .. نقارع كل الخطوب دفاعًا عنكم وعن مبادئكم ، ونخوض غمار الأهوال إذا ما دعا الداعي للدفاع عن الوطن وحماية الانجازات وصيانة القيم والمبادئ. quot;.

وكأن الكلمات تلقى وقع خطر داهم يستدعى تأكيد الولاء والذود عن القذافي ومبادئه وارثه بصدق غير المتخاذلين والمبدلين .. وبولاء الرفاق القدامى وجيل ابنائهم واحفادهم ..جميعهم يرفضون الانقلاب على ثوابت الثورة وقائدها .

في المقابل قد تكون المناسبة برمتها لقاء عابرًا، تأخر 17 يومًا عن عيد الاضحى وجاء تسعة اشهر مبكرًا عن ذكرى الفاتح في عامها الاربعين. لقاء من اللقاءات التي يروق للقذافي عادة القيام بها او تجمع من التجمعات التي لا تحتاج إلى كثير من التحليلات لأن القذافي وبكل بساطة رجل دولة لا يمكن توقع ما سيقوم به او اسبابها.

يبقى ان اكثر ما يسترعي الانتباه، التعابير المستخدمة والتي تتراوح بين تعابير روحانية تجعلك تظن انهم اجتمعوا على مناسبة دينية quot;تبارك الله على هذه الساعة السعيدة وفي هذا المساء المبارك quot; .. quot; وقلب واحد شأن المؤمنين الصادقين الذين لا ينقضون عهداًquot;، وبين تعابير الحب والوله في احيان اخرى تجعلك تتنقل من روحانية المناسبة الى ما يشبه مناجاة الحبيب لحبيبتهquot; نصوغ من دقات قلوبنا نغمًا ملؤه الوفاء والمحبةquot;.

اما التعابير المهيمنة على النص باكمله والتي تخرجك من الزمان والمكان وتعيدك الى زمن الخيل والليل والبيداء فهي تلك التي تتعلق بالولاء للقذافي وتقديس رفقته وثورته وتثمين اعماله quot; جئنا نرد معينكم الذي لا ينضب ، ونرتوي من نبعكم ، ونغترف من حوضكم الفراتquot; ،.quot; التحية والمحبة والفخار يا قائداً جادت به الأقدارquot;..quot;نحن التربة التي نمت فيها بذرة الثورة ، ونحن الجماعة التي آمنت بقائدها ورفيقهاquot;..quot;رفقتنا لكم هي شرف لنا وفخرquot;..quot;يتشرف رفاقك مع أبنائهم للقاء بك وقد أتوا وأجتمعوا من كل فج عميق يلبون النداء ويتوقون للقاءquot; .

وقبل ختام اللقاء ترتفع حدة المشاعر لتصل الى ختامها بخطاب قسم توج اللقاء ، خطاب معاهدة وتجديد الولاء والبيعة للعقيد قائد الثورة ،وليكون الله على ذلك... شاهدًا .