علي مطر من اسلام اباد: مع إقتلاع مؤيديه من جذورهم في الإنتخابات السابقة، فإن المجتمع المدني الباكستاني وفي مقدمته المحامون يطالبون بالإطاحة بالرئيس مشرف من السلطة، ومحاكمته على الافعال التي قام بها خلال مشاركته في الحرب ضد الإرهاب طوال السنوات الثماني الماضية. إلا أن الرئيس مشرف تلقى دعمًا من قادة فيالق الجيش الذين قالوا انهم لن يتخلوا عنه وسيستمرون في دعم معسكر الرئاسة، وهذا ما جعل الرئيس مشرف يتماسك ويصرح خلال اليوم الأحد بأن المواجهة بين معسكر الرئاسة والبرلمان قد تؤدي بالبلاد الى كارثة. الجيش الذي يواجه المزيد من خطر المسلحين لم يجد أمامه من خيار، سوى أن يدعم السياسة الاميركية الهادفة للقضاء على طالبان والقاعدة والمواجهة معهما وجهًا لوجه.

قائد الجيش الجديد الجنال كياني رفض الاقتراح الذي دعا الى قيام الجيش بالنأي بنفسه عن الرئيس مشرف، وقال الجنرال إن أي نوع من الانشقاق في هذه المرحلة لن يكون في صالح المصالح العليا لباكستان.

القاضي حسين احمد رئيس حزب الجماعة الاسلامية واحد قيادات التجمع الحزبي الديمقراطي الذي قاطع الانتخابات بسبب وجود مشرف بالسلطة، وصف تصريحات قائد الجيش بأنها مخيبة للآمال. وصرح القاضي لوسائل الاعلام بأن التحرك الذي قام به قائد الجيش يعتبر تدخلاً سافرًا في العمل السياسي من جانب العسكر.

تصريحات قائد الجيش المثيرة للجدل جاءت خلال انعقاد مؤتمر قادة فيالق الجيش الباكستاني والذي عقد في الاسبوع الماضي في مدينة راولبندي التي تشكل الثكنة العسكرية الرئيسة في باكستان وبها المقر الرئيس لمقر الرئاسة باعتبار ان الرئيس مشرف ينتمي وإن سابقًا إلى الجيش. هذا الاجتماع الذي ضم قيادات العسكر الكبرى في باكستان عقد مباشرة بعد انتهاء زيارة الادميرال مايكل مولين رئيس قيادة الاركان المشتركة للقوات الاميركية لباكستان والتي عقد خلالها لقاءات مكثفة مع القيادة العسكرية للجيش الباكستاني ومع الرئيس مشرف.

باكستان شهدت ارتفاعًا في الهجمات الانتحارية التي تستهدف المواقع العسكرية في غضون الاسابيع القليلة الماضية بما في ذلك قتل قائد الفيلق الطبي الجنرال مشتاق بيك وهجوم على مقر كلية الحرب البحرية الكائن بالشارع الرئيسي بمدينة لاهور عاصمة اقليم البنجاب.

ويبدو أن الجيش الباكستاني حاول وضع خطة تمكنه في وقت واحد من القيام بتنفيذ المصالحة مع المسلحين وعدم التخلي عن الاستمرار في الحرب ضد الارهاب بالطريقة ذاتها التي اجمع الشعب الباكستاني من خلال نتائج الانتخابات على نبذها.

تركزت هذه الخطة على تطوير تفاهم ما بين الجيش وحركة مسلحي طالبان الباكستانية بالمناطق القبلية على انه متى ما بدأت المواجهات بين الجانبين في العمليات العسكرية المقرر ان يقوم بها الجيش في تلك المناطق، فإن على كلا الجانبين أن يحاولا جعل الخسائر في ادنى مستوياتها، اي ان الطرفين سيتحركان في مواجهات مخطط لها كلما استدعى الامر من اجل الوفاء بالتزامات باكستان امام المجموعة الدولية في مهاجمة المسلحين في اطار الحرب ضد الارهاب.

الا ان هجمات الانتحاريين الاخيرة ضد منشات وقيادات الجيش الباكستاني قد قضت على هذا التوجه وتركت قيادة الجيش امام الخيار غير الشعبي الوحيد وهو مواصلة الانقضاض على المسلحين وفقًا لمخطط الحرب ضد الارهاب الذي تقوده الولايات المتحدة.

ومن المؤكد أن المستفيد الرئيس من هذا التحول سيكون الرئيس مشرف الذي ظل وحتى فترة قريبة يخسر تباعًا قبضته على السلطة، وكان سيخسر كثيرًا لو نجح مخطط الجيش الباكستاني للمصالحة والاستمرار في الحرب ضد الارهاب في آن واحد. فقد اتضح للعيان أن السياسيين الذين ربحوا انتخابات 18 شباط/فبراير الماضي اتفقوا على عزل مشرف من السلطة بسبب افراطه في استخدام القبضة الحديدة خلال مشاركته في الحرب ضد الارهاب. وأوضح المسلحون القبليون بدورهم من خلال هجماتهم الاخيرة انهم غير راغبين بالمصالحة او بالتوصل لاتفاق مع قيادة الجيش ويصرون على خوض الحرب حتى النهاية مع الجيش الباكستاني على هذا الجانب من الحدود ومع قوات الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو والقوات الافغانية على الجانب الاخر من الحدود.

هذا الاصرار استدعى قيام الاجهزة الاستخباراتية العسكرية بمداهمات واسعة النطاق في اماكن مختلقة من البلاد، أدت لإلقاء القبض على كثيرين ممن يشتبه في أنهم متورطون في دعم المسلحين بشكل مباشر أو غير ذلك، واجراء تحقيقات فظة معهم في محاولة للتعرف إلى الخطوات القادمة التي قد يسلكها الانتحاريون، تشير بعض المصادر الى ان المحققين جلبوا الى الزنازن اقارب هؤلاء المعتقلين وهددوهم بأنهم quot;سيفعلون فيهم الافاعيلquot; إن هم لم يتجاوبوا ويرشدوا المحققين الى معلومات تدل على الانتحاريين. هذه المداهمات واجتماع قادة الفيالق توضح انه لن تكون هناك مصالحة في الافق بل هناك استمرار للمواجهات وربما على نحو اشد من ذي قبل.