طلبت الصفح عن ولدها الغارق في غيبوبة
أم مجند أميركي تروي: كيف فتك ابنها بثلاث أسر عراقية!
عبداللطيف السعدون من كاراكاس: روت أم أميركية في رسالة لها على شبكة quot; الأنترنت quot; وجهتها الى ثلاث نساء عراقيات، كيف أقدم أبنها المجند في صفوف ( المارينز ) على ارتكاب جرائم قتل متعمد بحق أسر النساء الثلاث، طالبة منهن الصفح عن ولدها الذي يعالج الآن في أحد مراكز العلاج الصحي بعد عودته، بعدما تورط، بحسب رسالتها، في سلوك مدمر للنفس ثم غرق في غيبوبة ربما كانت تكفيرا عن الخطايا التي ارتكبها ! وتلقي الأم الأميركية بالمسؤولية المباشرة في تلك الجرائم على قيادته اذ quot; أن الجيش الأميركي يدرب أفراده على أن يقتلوا، لكنه لا يدربهم كيف يتعاملون، وكيف يواجهون الحالات التي تمر بهم quot; ، موحية بأنه كان غير مدرك لطبيعة ما فعله وأنه ربما كان في حالة دفاع عن النفس !
ورغم أن الأم ماري غيدري تتحدث عن تجربة شخصية عاشها ولدها ( جون ) المجند في صفوف المارينز فانها تفضح، من غير شك، طبيعة الممارسات الأجرامية التي يرتكبها جنود الأحتلال في العراق، والتي لا تشكل تجربة ( جون ) سوى عينة صغيرة منها . وتقول كاتبة الرسالة انها تعتبر نفسها مرتبطة بعمق مع النسوة الثلاث التي وجهت اليهن رسالتها، مشيرة الى أن المأساة قد جمعتها بهن، حيث خسرن أسرهن فيما خسرت هي ولدها .وفيمايلي ترجمة للرسالة المذكورة كما ظهرت على موقع التالي:
Independent Media Center
http://portland.indymedia.org/
quot; انكن لم تتعرفن الي من قبل، وواحدة منكن لن يقدر لها أن تقرأ هذه الرسالة، لكن كلا منكن تركت بصماتها في أعماقي، ورغم أنني لا أعرف أسماءكن، لكنكن، بالتأكيد، ستتعرفن الي اذ أنني أحدثكن حديث امرأة لامرأة، وأم الى أم، وأم الى ابنتها ..
في البداية أود أن يكن في علمكن، اذا لم تكن تعرفن ذلك من قبل، أن الجيش الأميركي يدرب أفراده على أن يقتلوا، لكنه لا يدربهم كيف يتعاملون، وكيف يواجهون الحالات التي تمر بهم، ولهذا السبب، ربما من بين أسباب عديدة، فان ولدي ( جون ) الذي جند في صفوف ( المارينز ) والذي دمر حياة كل منكن ( ودمر حياتي أنا أيضا ) يرقد الآن تحت العلاج ضمن مجموعة من عشرة مجندين نصفهم أصيب في حرب العراق، ونصفهم الآخر في حرب فيتنام .
وقد كان ولدي على صلة وثيقة بمحارب عجوز شارك في حرب فيتنام، وكان هو الآخر من أوائل المنتظمين في برامج العلاج الا أن العلاج معه لم ينفع، وكان أن استهلك الآلاف من قناني الشراب، وتنقل بين عشرات المهن، وخسر أربعين عاما من عمره لكنه لم يستطع أن يتجاوز تجربته المريرة في الحرب!
ان ذكر هذا المثال يؤكد حقيقة أن كل برامج العلاج لن تنفع وأن ولدي وأقرانه لن يستطيعوا أن يتخلصوا من آثار تجربتهم هم أيضا .. وأنا أشرح كل هذه التفاصيل لأعبر عن ادراكي أن طريقنا، أنا وأنتن، أصبح واحدا، وأننا نعاني سوية اليوم من آثار تراجيديا الحرب والدمار، وهذا هو ما يشكل عمق الرابطة التي تربط بيننا، تلك الرابطة التي تجعل في امكاننا، نحن النساء الأربع، أن نشعل ضوءا، ولو كان خافتا وسط ظلام العتمة الأسود الذي يكتنفنا .
الى امرأة من بغداد
في حينها، حدث في بغداد اطلاق نار من كل الاتجاهات استهدف ( المارينز )، واعرف أنك كنت هناك . لا كمشاركة فعلية في ما حدث ولكن كمواطنة مدنية، وهذه النقطة شكلت بداية ارتباطي بك و وان كنت قد علمت بكل هذه التفاصيل مؤخرا حيث حجب ولدي ذلك عني حتى اليوم . واذا كان ( المارينز ) قد دربوا على فتح النار في مثل هذه الحالة على اي شيء يتحرك أمامهم : السيارات، العربات، الكلاب الضالة، وحتى على حركة غير واضحة لثياب تهتز! فان ولدي أطلق النار على زوجك وطفليك، وهو في حالة رعب وعلى بعد مئة ياردة فقط منهم، وحين شاهدهم يتهاوون على الأرض بفعل النيران المصوبة اليهم انتابته رجة عنيفة، ثم شاهدك من خلال لمعان ثوبك الأزرق، تتلمسين اجساد زوجك وطفليك واحدا بعد الآخر!
حاول ان يحول بصره عنك وأنت تلتقطين جثة طفلك الأول ثم جثة طفلك الثاني، وتنحبين بأسى عميق، لكن اللمعان الأزرق ظل مشدودا الى عينيه .. يجذبه ثم يرده الى الخلف! وقد تكون مرت خمس أو سبع أو حتى عشر دقائق قبل أن يفكر جون وقد شعر بسريان شيء بارد لم يشاهده من قبل بأن يوقف كل هذا العذاب فاطلق النارعليك أيضا، وشاهدك وانت تموتين! وهكذا ترين أننا ارتبطنا، أنا وأنت، منذ تلك اللحظة ..
هل يهمك ان تعرفي شيئا عن هذا الشاب الذي أجهز عليك بعدما كان قد أجهز على زوجك وطفليك من قبل ؟ في الغالب لا، ولكنني أود أن تعرفي أنه جاء من quot; أعماق الجنوب quot;، كان صحيح البنية قوي العضل، وقد برز كمجند نشيط لكنه عاد من العراق محطما بعد ذلك اليوم المأساوي من أيام بغداد، وعلى امتداد شهور بعد عودته اقترف أعمالا عدوانية ضد آخرين، وأفرط في تناول الكحول، وتورط في شتى أنواع السلوك المدمر للنفس، وفي النهاية غرق في غيبوبة ( يسميها هو كرامة karama ) ولعلها كانت تكفيرا عن الخطايا التي ارتكبها، وهو اليوم يتدرب على النطق ليتعلم الكلام من جديد!
الى امرأة من الفلوجة
أنت التي فقدت اسرتك في مدينة الفلوجة أعرف آمر وحدة عسكرية كان قد اتخذ قرار مداهمة منزلك، أثناء حصار المدينة، بحثا عن مقاتلين، وقد جهز عبوة موقوتة وجمع معلومات استخبارية ثم اصدر أوامره بتفجير احد مداخل المبنى الذي كنتم فيه، وقد تم ذلك بالفعل، واندفع رجاله في حركة سريعة ومفاجئة ليدخلوا من خلال الثغرة التي فتحوها وقد وجدوا زوجك واطفالك ميتين بفعل التفجير، وكنت تقفين الى جانب جثثهم وأنت تصرخين مذهولة من هول الماساة : quot; ليش .. ليش ؟؟ quot; وربما تتذكرين ان آمر الوحدة ذاك عندما شاهد ما كان مسؤولا عن فعله التوت ركبتاه، وسقط في مواجهة الجدار، والدم ينزف من وجهه، وهويقبض على صدره محاولا التنفس بوهن!
لقد حمل نفسه شناعة جريمته المنكرة، وعندما التقت عيناه بعينيك ووضعت يدك على وجنته قلت quot; ما شاء الله .. ما شاء الله quot;، أرجو أن تعرفي أن ادراكك لمشاعره وشفقتك عليه وعفوك، نعم .. عفوك عنه قد دمره! وقد ود لو دفع حياته ثمنا للرجوع عما فعله، وهو الآن تكفيرا عن فعله ذاك يعمل من أجل انهاء احتلالنا لبلادك! أرجو أن تعرفي أنني أفكر من أجلك على الدوام منذ ان وصلني ما جرى معك .
الى امرأة من الرمادي
.. والآن اليك، يا بنت الرمادي الصغيرة .. عمرك الآن قد لا يتجاوز السادسة، ولحسن حظك لا تتذكرين ما حدث في ذلك اليوم من أيام أكتوبر 2004 عندما توفي أفراد أسرتك، ولحسن حظك ايضا أنك الآن بعيدة عن العراق .. انني أشعر تجاهك برابطة أكثر حميمية، وبمسؤولية أكبر، وبكرب عميق لما أصابك .. لقد تقدم ابوك لينتزعك من بين ذراعي أمك الميتة التي اصرت على احتضانك لآخر لحظة، لكنه دفع حياته ثمنا لذلك لأنه كان يحبك .. يحبك كثيرا .
ولدي وآمر وحدته لم يكونا يدركان لماذا تقدم ابوك، وقد فهما ذلك على أنه يريد شرا بهما فأطلقا النار عليه، ومنذ تلك اللحظة نشات صلتي بك، وأرجو ان تعرفي أن العديد من افراد الوحدة، وبضمنهم ولدي جون، عندما شاهدوك وأنت تصرخين من هول الكارثة كانوا يتمزقون في داخلهم، وقد جعلتهم نظرات عيونك العريضة وعقصات شعرك الأسود يجثون على ركبهم، وقد التقطوا لك صورة في ذلك اليوم الحزين، ظهرت فيها بثوبك القرنفلي الموشى بالازرق ذي الاكمام البرتقالية، ما يزال ولدي جون يحتفظ بها، وكلما نظر اليها يشعر بالأسى .. وأنا واثقة أنه سيحمل طيفك معه الى الأبد .
ما الذي يمكن لي ان اقوله لك بعد ذلك ؟ اريد ان اقول لك أنني أحبك ..
ايتها النساء العراقيات الثلاث :
أنا أفهم أنكن قد لا ترحبن برابطة تربطكن بأمرأة أميركية مثلي، لكنني واثقة أننا مرتبطون بعمق والى الأبد، فقد جمعت بيننا المأساة أنتن خسرتن اسركن .. وأنا خسرت ولدي .
لكل واحدة منكن أقول :
السلام عليكم.
Assalamu alaikum
ماري غيدري
التعليقات