إيلاف في جولة لإكتشافالمناطق الشمالية 3/4
المذاهب والفرق في المناطق الشمالية الباكستانية
عبد الخالق همدرد من شمال باكستان: إن موقع المناطق الشمالية بين الجبال الشاهقة وفقدان الطرق إلى المناطق الأخرى وقلة التعامل مع المجتمعات الأخرى قد تسبب في الحفاظ على لهجات ولغة أهالي المنطقة إلى جانب الحفاظ على مذاهبهم.نبذة عن تاريخ وجغرافية المناطق الشمالية
واللغات المعروفة في هذه المنطقة هي لغة شينيا التي تنطق في المناطق الجنوبية منها من مديرية ديامر وأستور وكلكت. واللغة البروشسكية وتنطق في منطقة هنزة ونكر التابعة لمديرية كلكت واللغة البلتية وهي اللغة السائدة في مديرية إسكردو وكانكشي. طبعا كل هذه اللغات لا تزال تعيش مرحلة اللهجات لأنها لا تُكتب ولا تُقرأ إلا في نطاق محدود وضيق جدًا.
وأكبر نشاط لتطوير هذه اللغات هي أغاني وأناشيد دينية ينشرها الشعراء المحليون بشكل أشرطة سمعية ومرئية أو البث الإذاعي المحلي من مدينة كلكت وإسكردو. ومن المثير أن هذه اللهجات المختلفة التي عاشت المئات من السنين في جوار بعضها البعض لم تتأثر من بعضها البعض إلا في حالات نادرة. وبناء عليه فإن أهل اللغة الواحدة لا يفهمون لغة أصحاب الأخرى.
المذاهب والفرق
ومن المعروف أن هذه المناطق تقطنها طوائف مختلفة إلا أن جميعها تنتمي إلى الإسلام. والفرق المعروفة هي الشيعة والسنة والإسماعيلية ونسبها في السكان كما يلي:
1. السنة 38 %
2. الشيعة 40 %
3. الإسماعيلية 22 %
والجدير بالذكر أن الشيعة والإسماعيلية على رغم الخلاف بين مذاهبهما يوافقون العقائد والآراء وبذلك يصل مجموع عددهم بين السكان إلى 62 % ليصبحوا الأغلبية الكاسحة في المنطقة.
فرق أخرى
هذا وإلى جانب هذه المذاهب المعروفة على المستوى الدولي هناك فرق غير معروفة وصغيرة منحصرة في منطقة بلتستان وإسكردو. وأشهرها الهمدانية والنوربخشية والصوفية. وهي فرق لها كتبها ومعتقداتها. بعضها تقترب إلى السنة وبعضها إلى الشيعة إضافة إلى أمور تختصها وحدها.
الطيف الطائفي والتوتر
عاشت هذه المذاهب والفرق جنبًا إلى جنب في هذه المنطقة لقرون في الماضي؛ إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تشنجات على مستوى كبير ما أدى إلى تعكير أجواء التعايش السلمي. ويعود ذلك التوتر إلى أسباب عدة منها أسباب محلية ودولية.
يقول بعض أهالي المنطقة أن الثورة الإيرانية قد تسبب في تقوية الشيعة على المستوى الدولي. وقد بلغ أثرها إلى المناطق الشمالية الباكستانية بشكل نقل الطلبة الشيعة الدينيين للدراسة في (قم) والحوزات العلمية الأخرى في إيران، إضافة إلى تدريب البعض عسكريًا وتوفير الأسلحة لهم لبسط سيطرتهم على المنطقة بالقوة. وقد شهدت مدينة كلكت تشنجات خلال السنوات الأخيرة ما أدى إلى تعطيل الأجهزة والدوائر الحكومية.
وقد شاهدت عناصر حرس الحدود في كل مكان هام من مدينة كلكت يراقبون الوضع بحذر وهم في مواقعهم التي شيدت بأكياس الرمل والطين. وقال أحد السكان أن هذا الوضع يسود هنا منذ نحو سنتين بعد مقتل الزعيم الشيعي آغا ضياء الدين على يد بعض المجهولين.
أسباب التوتر المحلية
إن السبب الرئيس في التوتر على المستوى المحلي هو اختلاف الشيعة والسنة في المعتقدات وأفكار مختلفة عن الشخصيات الإسلامية ولاسيما الخلفاء الثلاثة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن السنة يحترمونهم إلى جانب جميع أفراد أهل بيت النبي وأئمة الشيعة؛ بيد أن الشيعة يتبنون مواقف مختلفة تماما في هذا الصدد. وهذا الأمر دائما يلعب دور فتيلة القنبلة المؤقتة.
كما أن المناهج في المدارس الحكومية عادة تكون حسب معتقدات السنة ما عدا بعض المعلومات عن أصول الشيعة في مناهج التربية الإسلامية في الصف التاسع والعاشر. وقد رفضت الشيعة دراسة مادة التربية الإسلامية في المدارس حسب المنهج الحكومي. وطالبوا بعدم كتابة (رضي الله عنه) ولقب الصديق مع اسم أبي بكر والفاروق مع اسم عمر وحذف لقب الصديقة من اسم السيدة عائشة رضي الله عنها. إضافة إلى عدم دراسة المناهج التي تعلم الأطفال الصلاة حسب المذهب السني.
طبعًا هذه المطالب أثارت ضجة كبيرة في المنطقة وحدثت اشتباكات بين الشيعة والسنة قبل سنتين ما أدى إلى تعطيل جميع المؤسسات الرسمية لمدة أكثر من أربعة أشهر. وأخيرًا اضطرت الحكومة لاتخاذ إجراءات لاستتباب الأمن فوافقت على دراسة التربية الإسلامية حسب مناهج إقليم الحدود الشمالية الغربية التي تعلم الصلاة دون تصوير أركان الصلاة عوضًا عن مناهج إقليم البنجاب التي تقدم أركان الصلاة مع صور للمصلي.
القضاء على التوتر
طبعًا التوتر والتشنج بين سكان أي منطقة يترك آثارًا سلبية على أوضاع المنطقة على جميع الأصعدة من الاجتماعية إلى الدينية والاقتصادية. وفعلاً تعاني المناطق الشمالية من جميع أنواع هذه الآثار.
ويرى سكان المنطقة أنه لا يمكن الاتفاق بين الشيعة والسنة على معتقداتهم ولا يمكن نبذ الخلافات المذهبية؛ لكن يمكن القضاء على التوتر وإعادة الأمن والسلام إلى المنطقة والتعايش السلمي الثنائي كالماضي. وقد تم بذل جهود هائلة للتقريب بينهما إلا أنها باءت بالفشل. كما أن الاتفاقيات والضوابط السلوكية التي اتفقت عليها الجانبان في أوقات مختلفة لم تعد بثمر.
والمواطن العادي يقدم الحل الأمثل لما استعصى على الحكومة. ويقول أحد سكان كلكت ' الحل سهل جدا؛ لكنه يحتاج إلى جدية وحسن النية'. ويضيف ' انظر الإسماعيلية يقطنون هذه المناطق وهم يعيشون مع السنة دون أي توتر أو تحارش؛ لأنهم والسنة يؤدون مناسكهم وعبادتهم في المسجد ومراكزهم. ولا يخرجون إلى الشوارع ليجرحوا مشاعر الآخرين بإبداء مشاعرهم. وإذا ما قيد الشيعة عبادتهم في حسينياتهم فإن الأوضاع لن تتكهرب بالحساسية المذهبية'.
وقد تحدثت إيلاف مع بعض الشخصيات في مدينة كلكت للكشف عن الوضع الحقيقي. وستقدمها إلى القراء في حلقات قادمة إلى جانب تقرير خاص عن وضع قطاع التعليم الذي يتكلف بمسؤولية تجهيز الجيل الحاضر لاحتمال عبء المستقبل على كاهله.




التعليقات