زحمة زوار للبنان: كوشنير وهيل وأبو الغيط وعباس
علاقة فرنسا بسورية أصعب من الماضي
إيلي الحاج من بيروت: يشهد لبنان الرسمي زحمة زوار هذه الأيام . فبعد وصول وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بيروت مساء الأحد، يليه المسؤول عن ملف لبنان في الخارجية الأميركية ديفيد هيل الثلاثاء، ووزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الأربعاء، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الخميس. زيارة كوشنير الخاطفة والمقتصرة على ساعات قبل الإنتقال إلى دمشق هي التاسعة له إلى لبنان خلال عام فقط، والغاية منها الإطلاع من الرئيس ميشال سليمان على نتائج القمة التي عقدها مع الرئيس السوري بشار الاسد في دمشق، حيث سيبحث الوزير الفرنسي مع المسؤولين السوريين في ترتيبات زيارة رئيسه نيكولا ساركوزي لدمشق الشهر المقبل. زيارة كان الرئيس الفرنسي وعد بها على هامش قمة الإتحاد المتوسطي في باريس، التي أعطت اشارة البدء بمرحلة جديدة من العلاقات الفرنسية-السورية.
وكان ساركوزي ربط انفتاحه على القيادة السورية بعد طول جفاء معها ب quot;الملف اللبناني - السوريquot;، واشترط ليزور دمشق صدور اعلان رسمي عن سورية ولبنان لإقامة علاقة دبلوماسية بين الدولتين، وتحقق ذلك فعلاً خلال القمة اللبنانية- السورية الأخيرة، فباتت طريق ساركوزي الى دمشق سالكة سياسيا، وسيليها اعطاء سورية في المقابل ما وعدت به باريس من مساعدة سياسية واقتصادية في اطار الاتحاد الاوروبي واتفاق الشراكة، وكذلك في إطار ما اقترحه ساركوزي من دور لفرنسا في المفاوضات السورية ndash; الاسرائيلية، لقاء دور لسورية في الملف الايراني النووي بصفة وسيطة بين الجمهورية الإسلامية والمجتمع الدولي.
ويبدو جلياً في لبنان نجاح المسعى الفرنسي، إلى جانب مساع عربية، مع سورية ولديها ، فبعد انتخاب رئيس توافقي للجمهورية هو العماد ميشال سليمان تشكلت حكومة الوحدة الوطنية وأقر مبدأ إنشاء العلاقات الدبلوماسية ، ولا شك أن زيارة ساركوزي لدمشق تساعد في دفع علاقات بلاده مع سورية قدما إلى الأمام.
إلا أن الأوضاع في المنطقة والعالم تغيّرت سلباً وفجأة بعد quot;قمة المتوسطquot; في تموز / يوليو الماضي، إلى درجة جعلت زيارة ساركوزي مختلفة في ظروفها عما كان سائداً في القمة . وحتى أن مراقبين ومسؤولين فرنسيين شككوا في حصولها ، والسبب الأبرز في هذه المتغيرات هو الأزمة التي طرأت في القوقاز من جراء المواجهة الروسية- الجورجية التي أقلقت الأوروبيين وألقت ظلالا على التقارب الفرنسي- السوري خصوصا ان ساركوزي يزور سورية بصفته المزدوجة رئيسا لفرنسا وللاتحاد الاوروبي في هذه المرحلة.
أما ما أثار قلق الأوروبيين فهو استعجال الرئيس الأسد إطلاق مواقف التأييد لروسيا في هجومها على جورجيا التي شبهها بلبنان، معطيا نفسه ضمنا الحق في اجتياح جاره إذا لزم الأمر تحت شعار quot;المصالح المشروعةquot; على غرار ما فعل الروس لجورجيا ، فضلاً عن استعجاله الدخول المباشر على خط الأزمة من خلال إعلانه الإستعداد لفتح سورية أمام الصواريخ الروسية ولاقامة قاعدة روسية عسكرية في ميناء طرطوس.
هذه المواقف quot;المرتجلة والمتسرعةquot;، كما وصفها دبلوماسيون غربيون في بيروت، عرقلت عملية الانفتاح الفرنسية على سورية والتوسط لها لدى الولايات المتحدة الأميركية التي يطمح الرئيس الأسد كما أعلن مراراً إلى رعايتها للمفاوضات بينه وبين إسرائيل، فضلاً عن أنها لجمت الرغبة الاوروبية في محاولة التفاهم مع الأسد.
لهذه الأسباب وغيرها سيلقى ساركوزي صعوبة في تسويق النظام السوري لدى الأوروبيين وصعوبة في حجز مكان ودور له في المفاوضات السورية - الاسرائيلية مدخلا الى دور شرق أوسطي لفرنسا. فهذه المفاوضات جمدها إعلان رئيس حكومة إسرائيل إيهود أولمرت ما يشبه الإستقالة، ودخلت في نطاق تداعيات أزمة القوقاز التي انبثقت منها أزمة روسية - اسرائيلية بسبب جورجيا التي تؤيدها وتسلحها الدولة العبرية، وأزمة اسرائيلية- سورية بسبب استقواء دمشق بروسيا وسلاحها وتقنياتها.
في هذا الوضع لا يكون ما تبقى من جدول أعمال زيارة ساركوزي لدمشق خارج موضوع العلاقات الثنائية، الا البند اللبناني الذي يشكل نقطة تقاطع واهتمام مشترك ومساحة انسجام وتفاهم في هذه المرحلة، علماً أن كلام الأسد على حق الدول بالتدخل في الدول المجاورة لها الأصغر حجما من أجل تحقيق المصالح المشروعة ولو بالوسائل العسكرية قد يعني أن الرجل لم يتخل بعد عن سياسة العودة إلى لبنان بطريقة من الطرق للامساك بقرار لبنان ودولته وشعبه كما كان عليه الوضع سابقاً، وهذا موضوع يثير قلقاً شديداً ومخاوف سواء لدى اللبنانييين أو أصدقائهم في الخارج وفي طليعتهم فرنسا والدول العربية التي تراقب من كثب سلوك الأسد في بلاد الأرز وإن التزمت الصمت المطبق وسياسة الدبلوماسية في انتظار ظهور نتائج اختبار النيات الذي تتولاه باريس.
التعليقات