كامل الشيرازي من الجزائر: تُفتتح بالجزائر اليوم الحملة الدعائية الخاصة بالانتخابات الرئاسية المقررة في التاسع أبريل/نيسان القادم، ورغم تجنيد دوائر القرار كل إمكانات التعبئة الجماهيرية حتى تضمن نسبة مشاركة جماهيرية محترمة، إلاّ أنّ ما يُعرف بـquot;هاجس البرود الانتخابيquot; يلقي بظلاله على المناسبة، ويجعل السبيل حول تجاوز مأزق المشاركة يخيّم على فكر السلطات ومنشطي رابع انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ الجزائر، بعد إشهار قوى المعارضة ورقة المقاطعة ورفض الأوزان الثقيلة الترشح.

وعشية إعطاء ضربة الانطلاقة، لا يحس المتجول في العاصمة الجزائرية كما سائر المدن، بأنّ البلاد مقبلة على افتتاح الدعاية الخاصة بالانتخابات الرئاسية بعد ساعات من الآن، حيث يظهر بجلاء حجم اللا اهتمام الشعبي وسريانه على هامش الحدث، في حالة من الشلل النسبي المغاير لما تعوّد عليه الشارع المحلي في مواعيد سابقة، رغم محاولات اللفيف السداسي إلى توظيف مجموعة من ''الأوراق الرابحة '' كالوعود التي أطلقها بوتفليقة مؤخرا على درب تحفيز مواطنيه.

وبما أنّ هوية الفائز برئاسيات الشهر المقبل، معروفة منذ تمرير الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تعديلا دستوريا يسمح له البقاء في الحكم لفترات غير محددة، فإنّ اهتمام بوتفليقة ومرافقيه الخمسة سينصب في الثلاثة أسابيع القادمة وهي مدة الحملة، على اختيار أنسب السبل لكسر حاجز البرود الانتخابي الذي يهدد بنسف صدقية الموعد القادم، وعلى هذا يُرتقب أن يركّز حاكم البلاد رفقة من رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي، وزعيمة حزب العمال لويزة حنون وعلي فوزي رباعين رئيس الحزب الصغير quot;عهد 54quot;، إضافة إلى الوجهين الإسلاميين جهيد يونسي ومحمد السعيد، على إقناع مواطنيهم بحتمية عدم العزوف عن التصويت، حتى وإن كان خبراء الشأن السياسي الجزائري لا يبدون تفاؤلا بما سيفضي إليه تنافس الرئيس بوتفليقة مع وجوه من الوزن الخفيف.

واحتكاما لغياب الصوت المميز بين المتقدمين لرابع انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ الجزائر، بات quot;صولجان quot;المقاطعةquot; النجم الأوحد في سماء الاقتراع، إذ تتوجه أنظار السلطات كما المرشحين وحتى الفضوليين لمعرفة مؤدى مشاركة الجزائريين في هذا الموعد، في وقت تبدي فيه السلطات إصرارا على أنّ نسبة المشاركة لن تقل عن الستين بالمئة، وهو معطى تكذبه حقائق الميدان.

وبغض النظر عما ستحمله خرجات الرئيس المرشح إلى ولاية باتنة الشرقية وانصراف كل من حنون وتواتي ورباعين ويونسي ومحمد السعيد إلى مناطق متعددة عبر البلاد، يظهر جليا أنّ هوس إقناع الجزائريين بالمشاركة سيطغى على مضامين الدعاية، على نحو سيحوّل العملية الانتخابية برمتها إلى آلية يتفانى فيها الجميع حول انشغال واحد، وهو الإكثار من ترغيب مواطنيهم على حساب إبراز فضائل طروحاتهم وبرامجهم، حتى أنّ quot;ميلود شرفيquot; المتحدث باسم حزب quot;التجمع الديمقراطيquot;، جزم أنّ الكل مسؤول على التجند من أجل الوفاء برهان المشاركة، ويتقاطع المتحدث باسم جبهة التحرير (حزب الغالبية) السعيد بوحجة، والقيادي في التجمع الديمقراطي quot;شيهاب صديقquot;، في كون الرهان ينصب على إقناع ما تُعرف محليا بـquot;الأغلبية الصامتةquot; وهم نحو 11 مليون شخص دأبوا على مقاطعة سائر المواعيد الانتخابية في التاريخ السياسي الجزائري الحديث.

ولم تتردد وزارة التعليم الجزائرية عن تجنيد جمهور التلاميذ، تماما مثل وزارة الأوقاف التي استنفرت الأئمة والخطباء والدعاة، وطالبتهم بحث رواد المساجد على غزو مكاتب الانتخاب، وبتعبير آخر (عدم التولي يوم الزحف)، على النقيض، تراهن قوى المعارضة على تصنيع أفق مغاير من خلال تنشيط حملة معادية لتضخيم أعداد المقاطعين.

وإذا كانت السلطات تراهن على تسجيل مشاركة قوية في الاقتراع المقبل، وتهليل أكثر من مسؤول حكومي لتصور مفاده إنّ انتخابات الرئاسة تهم أكثر الجزائريين، فإنّ واقع الأشياء يبرز بجلاء إنّ الرأي العام المحلي غير مكترث بالانتخابات، بشكل يدفع للتكهنّ بتسجيل نسبة مقاطعة قياسية قد تفوق ما كان عليه الحال قبل عامين، سيما غداة عجز السلطة كما الطبقة السياسية عن استخلاص دروس ما حدث في موعدي 17 مايو/آيار و29 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، وعدم قراءتها جيدا الرسائل التي وجهها أحد عشر مليون جزائري عزفوا عن التصويت.

ويقول الخبير الاجتماعي quot;عبد الناصر جابيquot; لـquot;إيلافquot; إنّ quot;نوعية المتسابقينquot; لم تفتح شهية المواطنين، كما أنّ ما أعقب مواعيد انتخابية سابقة من ضحالة وهزال على مختلف الأصعدة، زاد من قناعة السكان المحليين بمحذور الامتناع عن التصويت، وهو سيناريو في حال تجسده سيحرج السلطة كثيرا ويضر بمصداقية العملية الانتخابية ككل، سيما إذا ما صدقت تقديرات قوى المعارضة التي تتحدث عن عزوف انتخابي قد يصل إلى حدود 90 في المئة.

ويعزو الوجه الحقوقي البارز مقران آيت العربي البرود الانتخابي المحتمل إلى عجز السلطات والقوى السياسية عن استيعاب رسائل المقاطعين في مناسبات انتخابية ماضية، ويستغرب آيت العربي عدم تكليف دوائر القرار نفسها عناء معالجة عمق الأشياء وأصل الداء، بما يمنح الفعل الانتخابي quot;مصداقية أكبرquot;، في حين تذهب الأستاذة زهية فراد إلى أنّ عموم مواطنيها لن يكترثوا بما ستجتره ألسنة الساسة، بعدما أفحمتهم تجارب انتخابية سابقة بوهم إنتاج الممارسة الانتخابية لخدمة في المستوى، بجانب فداحة عجز المسيرين.