&
&
&
&
كتب حلمي موسى : منذ سنوات طويلة لم يجتمع في الذهن الإسرائيلي كل هذا القدر من ذكريات لبنان أكثر مما يجتمع اليوم. وبعد أن بدت اندفاعة الدبابات الإسرائيلية نحو المدن الفلسطينية الوسيلة الوحيدة لتهدئة خواطر الجمهور الإسرائيلي، أدت مشاهد هذه الاندفاعة إلى ظهور المقارنة المحتومة مع لبنان. ومن الجائز أن العديد من الساسة والمعلقين الإسرائيليين ما كانوا بحاجة إلى هذه المشاهد لإجراء المقارنة، غير أن وجودها عزز بالتأكيد ميلهم لذلك.
والحال أن ظلال الحرب الإسرائيلية الطويلة على لبنان ونتائجها تخيم على اجتماعات المجلس الوزاري المصغر والحكومة الإسرائيلية عموما. ويلمح عدد من وزراء حزب العمل إلى ذلك، فيندفع قادة الليكود إلى التصريح بأن <<الإقامة>> الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية لن تطول. ومع ذلك ثمة حاجة واضحة لدى الجميع في إسرائيل، سواء للتحذير من مغبة الوقوع في وحل شبيه بأوحال لبنان، أو بإعلان رفض الوقوع في ذلك. ومن غير المستبعد أن عملية حزب الله في شبعا أمس تأتي في سياق تذكير كل من نسي التجربة اللبنانية، بأن إغفالها ليس في مصلحته.
وقد كتب شالوم يروشلمي في <<معاريف>> تحت عنوان <<لا للبنان آخر>> ان من الجائز أن العملية الإسرائيلية هي <<الطريق التي بقيت أمام الحكومة لمحاربة الإرهاب الفلسطيني واستعادة كرامة الشعب بعد الاغتيال الفظيع للوزير رحبعام زئيفي الأسبوع الفائت>>.. ومع ذلك <<محظور علينا أن نبقى في قلقيلية وطولكرم وبيت لحم ورام الله لفترة طويلة. إذ يمكن لذلك أن يغدو وصفة مضمونة للهزيمة>>. وعدد يروشلمي أسباب الهزيمة: <<أولا، في عهد تقرر فيه وسائل الإعلام نتائج المعركة، حيث ثمة تفوق بنيوي لصور الشباب الفلسطيني الذين يلقون بالزجاجات الحارقة والحجارة على الدبابات والمدرعات. وعدا ذلك عشنا الانتفاضة التي وقعت قبل إخلاء المناطق جراء اتفاقيات أوسلو. واليوم غدا الوضع أكثر صعوبة بسبب وجود سلطة فلسطينية تعلّم كل طفل كيف يغدو شهيدا. وكل فضيحة مصورة أخرى على شاكلة محمد الدرة سوف تدمرنا نحن وليس السلطة. وثالثا، ينبغي التعلم من دروس لبنان. إذ محظور علينا الوصول إلى وضع نترك فيه السلطة، ففي النهاية سوف نخرج من هناك بطريقة تفسر على أنها نصر فلسطيني. وفي وضع كهذا فإن الضربة الموجهة لقدرة الردع الإسرائيلية ستكون قاتلة، وحينها سوف نتحول الى نكتة إقليمية. فإن كنا دخلنا، إذاً ينبغي إنجاز كل الأهداف بنجاعة وبأقصر وقت وترك المكان بسرعة عبر إظهار العزم والإصرار. ورابعا، ان الأميركيين لا يحبون هذا الغزو لأراضي السلطة، ولا مقارنتنا بين عرفات ونظام الطالبان. إن الانسحاب السريع سيبعدنا عن مسار التصادم مع الولايات المتحدة>>.
وفي <<معاريف>> أيضا، تحت عنوان <<لبنان أولا>> كتب ياعيل باز ميلاميد انه <<تقريبا ومن دون أن نشعر، وعلى ما يبدو من دون معرفة كاملة من جانب أعضاء المجلس الوزاري، يزداد الواقع السيئ الذي نعيشه سوءا... والمشكلة هي أن هناك خطرا حقيقيا في السياسة غير السياسية لشارون، وإما أن هناك نظرية سياسية متكاملة، يفضلون عدم كشفها للجمهور وكذلك لمعظم أعضاء المجلس الوزاري. فهل يبدو ذلك معروفا؟ بحق، قبل حوالى عشرين عاما شاهدنا جميعا هذا الفيلم، عندما بدأت حرب لبنان بالطريقة التي بدأت فيها، وتدحرجت الى حيث تدحرجت إلى نهايتها المريرة>>.
وأشارت ميلاميد إلى أن <<أساليب العمل في جميع هذه المدن متشابهة، بشكل أو بآخر. في البداية يفرضون الطوق أو الحصار، وبعد ذلك يدخلون إلى مركز المدينة، وفي المرحلة الثالثة يحتلون مؤسسات السلطة في هذه المدن. أما المرحلة التالية فهي إعلان وزير الدفاع ووزراء اليمين عن عدم وجود أي نية لاحتلال قلقيلية وجنين ونابلس وبيت لحم، والى اننا سوف نخرج من هناك عند <<ضمان الهدوء>>. وهذه صياغة مشوشة لعملية ذات أهداف أكثر تشويشا، إن كان لها أي أهداف. فالهدف الوحيد الكامن في تسخين المحركات وتحريك القوات هو تقويض السلطة الفلسطينية وإزاحة ياسر عرفات عن المسرح. وهذا هو <<النظام الجديد>> طبعة عام 2001، على الأقل هكذا تفسر الأمور>>... وتضيف الى انه ما زال بالإمكان وقف تدحرج كرة الثلج. والسؤال هو إن كان شارون، لاعتبارات حزبية داخلية، يريد وقف هذه الكرة. <<فهو أيضا شاهد يوم الجمعة نتائج استطلاع مينا تسيمح الذي أعطى لنتنياهو تفوقا هائلا في صفوف ناخبي اليمين. غير أن رئيس الحكومة الذي كان وزير الدفاع الذي أوقعنا في الوحل اللبناني، ملزم بأن يقرأ نتائج استطلاع غالوب في <<معاريف>>، والذي يشير إلى أن 38 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون إعلان الحرب على السلطة الفلسطينية، فيما يعارض 38 في المئة ذلك>>. وهو الوحيد الذي يعرف أين تقود الحرب التي ليس حولها إجماع.
وفي <<يديعوت أحرنوت>>، وتحت عنوان <<منطق لبنان>> كتب وزير الخارجية الإسرائيلية السابق شلومو بن عامي ان <<التوغل العميق في مدن الضفة الغربية ولغة الخطاب المرافق له يذكرنا بمنطق اجتياح لبنان عام 1982. حينها كانت حكومة لبنان، وهي المعادل شكلا للسلطة الفلسطينية، ليست الهدف، وإنما المخربون فقط. وكانت النتيجة الغرق في الوحل والدم طوال عشرين عاما، واستبدال نوع من المخربين منظمة التحرير بنوع آخر أقسى أضعافا: حزب الله. وهذا ما يمكن أن تكون النتيجة اليوم، سلطة حماس والجهاد الإسلامي في المناطق>>.
وكتب المعلق العسكري في <<يديعوت أحرنوت>> عوفر شلاح ان <<الأسابيع التي مضت منذ ذلك الحين (أي بعد الحادي عشر من أيلول الماضي) عززت الإحساس بأن شارون لا ينشغل فقط بالتكتيك. فالذي أخرج إسرائيل قبل عشرين سنة إلى الحرب باسم تحقيق حلم استراتيجي شامل وفاشل، بقي كما يبدو رجلا من دون خطة. ولهذا لا يهمه ما إذا كانت هذه الخطة معدة في عقله بكل تفاصيلها أو أنها ببساطة نتيجة لا مناص منها لخطوات يومية يصادق عليها>>. وخلص الى ان <<الأمر الوحيد الذي نعرفه بدقة هو أن المحاولات الإسرائيلية السابقة لتحديد قيادة الطرف الآخر، أي طرف آخر، انتهت دوما إلى الفشل وإلى تفاقم الوضع>>.
وتؤكد بعض الجهات السياسية المقربة من شارون أن <<ما حدث في لبنان لن يتكرر في المناطق>>. وقال مصدر رفيع المستوى لصحيفة <<معاريف>> انه <<ليست هناك أي صلة بين ما كان في لبنان وما يجري الآن في المناطق. فما حدث في لبنان لن يتكرر أبدا>>. وأضاف هذا المصدر ان <<الفارق بين ما جرى في لبنان، حيث تورطنا، هو أننا نستطيع الخروج من المناطق خلال ساعة واحدة. والجيش الإسرائيلي لم يتوغل بين السكان. وفي معظم الحالات نحن نقيم الآن على مشارف المدن وليس في داخلها>>.
ومهما يكن الأمر، فإن حجم التوغل العسكري داخل مناطق السلطة فاجأ وزراء حزب العمل، حيث كانوا يعتقدون ان عملية الحصار ستتم فقط لجنين ورام الله وجزء من مدينة نابلس كجزء من الجهد المباشر لإلقاء القبض على منفذي عملية اغتيال زئيفي. وترى صحيفة <<هآرتس>> ان الانطباع هو ان خطوات الجيش الإسرائيلي هذه لا تجد تفسيرا لها في نوايا غامضة، بقدر ما تجد التفسير في الارتباك المميز لمواقف المستوى السياسي وفي مقدمته أرييل شارون <<فالحكومة الإسرائيلية ممزقة بين مدرسة تريد طرد عرفات وتقويض السلطة الفلسطينية، ومدرسة أخرى ترى أنه الشريك المفضل في المفاوضات برغم كل شيء>>.(السفير اللبنانية)
&