إن كان الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف قرر فعلاً الابتعاد عن روسيا والمراهنة علي إقامة تعاون استراتيجي مع الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، فإنه سيستثمر إلي أقصي حد مشاركة بلاده في الائتلاف المناوئ للإرهاب ، ويضع تحت تصرف القوات المسلحة الأميركية كل الهياكل التحتية لأوزبكستان، وصولاً إلي منح القوات الأميركية والأطلسية حق المرابطة الدائمة في الأراضي الأوزبكية. وتؤكد مصادر مطلعة أن مثل هذا التطور يقوم علي خلفيات جدية. فمنذ عام 7991 وردت معلومات موثوقة عن أن مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، أولت اهتماماً خاصاً لتعزيز التعاون الأميركي - الإسرائيلي لمواجهة ما وصف بـ الخطر الإيراني . وأثناء مفاوضات سرية تم تحديد اجراءات مشتركة يقوم بها الجانبان لمواجهة مخططات القيادة الإيرانية الرامية لتعزيز مواقعها في آسيا الوسطي وحوض بحر قزوين. ومن حيث الأساس، ركز الإسرائيليون والأميركيون علي العمل مع الجمهوريات السوفياتية السابقة في المنطقة، وتوصلوا إلي استنتاج في شأن تنشيط التعاون في إطار وزارات الخارجية والدفاع والمخابرات مع أوزبكستان تحديداً وقبل كل شيء.
وما أيد هذا الاستنتاج أن السفير الأميركي في طشقند آنذاك ستانلي اسكوديرا وزميله الإسرائيلي ايلان رون اتفقا علي أن القيادة الأوزبكية بقيادة كريموف هي حليف طبيعي للغرب، وبالدرجة الأولي للولايات المتحدة وإسرائيل، في العالم الإسلامي . وأشار السفيران إلي أن الرئيس الأوزبكي تمكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من تحويل أوزبكستان، التي يشكل المسلمون 90 في المئة من سكانها، إلي واحد من القلاع القليلة للإسلام المعتدل . وخاض كريموف حرباً بلا هوادة، داخل بلاده وعلي نطاق آسيا الوسطي كلها، ضد ما عُرف بالاصولية الإسلامية، وأبدي الاستعداد للتعاون مع الغرب لمكافحة الإرهاب الدولي .
ونظراً لتطابق الولايات المتحدة وإسرائيل وأوزبكستان حيال هذه القضايا، فإن اسكوديره دورت اقترح أن تعتبر القيادة الأوزبكية شركياً لأميركا وإسرائيل في مواجهة العالم الإسلامي عموماً، والنظام الإيراني تحديداً. كما أكد علي أن كريموف مهتم بالتعاون مع الأميركيين والإسرائيليين في مجال تطوير صناعات النفط والغاز واستخراج الذهب، إضافة إلي المجال الزراعي. ومن جانبها، فإن القيادة الأوزبكية قدرت تقديراً عالياً المساعدة المقدمة في إطار برنامج أميركي - إسرائيلي طويل الأمد لإعداد خبراء في الشؤون الزراعية لأوزبكستان وتوفير تكنولوجيات متقدمة لاستثمار الأراضي غير المروية.
وأثار السفير الإسرائيلي في صورة خاصة إلي أن كريموف قام بفتح أبواب الهجرة إلي إسرائيل أمام يهود أوزبكستان، وفي الوقت نفسه عمل علي احياء الجالية اليهودية الموجودة منذ 2000 سنة تقريباً في الأراضي التي تشغلها الجمهورية حالياً. وشجعت القيادة الأوزبكية نشاط الوكالة اليهودية سحنوت و المركز الثقافي الإسرائيلي الذي انشئ في طشقند، كما اعيد بناء المعابد اليهودية وازداد عدد المدارس الخاصة للأطفال اليهود.
وكان السفيران الإسرائيلي والأميركي اعتبرا أن كريموف حينما يعزز العلاقات مع الدولة اليهودية، إنما يأمل أن تساعده إسرائيل في فتح نافذة علي الغرب. وعلي رغم أن أولبرايت كانت قيّمت ايجاباً نشاط كريموف، فإنها اقترحت زيادة الضغوط عليه لكي يتخلي تدريجاً عن التعاون مع روسيا وسائر دول الرابطة المستقلة في كل ما يتعلق بقضايا الأمن وحماية الحدود، ولكي يوافق علي أن تستقبل أوزبكستان، في حال وجود خطر يهددها من جانب أفغانستان أو إيران، قوات ردع دولية تحت رعاية حلف الأطلسي بالضبط كما حصل في البلقان. واعتبرت أولبرايت أن تطور الأحداث وفق هذا السيناريو يمكن أن يؤمن تقدم الأطلسي شرقاً ويخلق للحلف قواعد وهياكل ارتكازية في آسيا الوسطي يمكن استخدامها ليس ضد إيران فقط، بل وضد روسيا في حال تولت السلطة في موسكو قوي مناهضة للغرب. وكانت أولبرايت تدرك أن تحقيق كل هذه الأهداف سيواجه بمصاعب جدية، إذ أن لأوزبكستان، تقليدياً، روابط وثيقة مع روسيا وسائر دول الرابطة. ولكن أولبرايت أصرت علي أن يجري العمل علي المحور الأوزبكي بنفس طويل ومثابرة في محاولة لاخراج أوزبكستان من دائرة النفوذ الروسي وتحويلها قلعة للحضارة الغربية في آسيا الوسطي.
وإذا كانت أولبرايت تحدثت عن ذلك عام 1997 فإن أحداث السنوات الأربع التي أعقبت ذلك أظهرت أنه لم يتسن بلوغ كل ما تمنته. إلا أن الأميركيين والإسرائيليين تمكنوا من اقناع القيادة الأوزبكية بالتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل وسائر الدول الغربية، والتصدي لأي محاولة تقوم بها روسيا لإستعادة تأثيرها علي الوضع في أوزبكستان.
كل ذلك يتيح القول بأن إدارة الرئيس جورج بوش الابن تستثمر ما أنجزته إدارة بيل كلينتون ووزيرة الخارجية أولبرايت، وصارت لدي الإدارة الحالية قاعدة جدية لاستثمار الوضع القائم في العالم وفي آسيا الوسطي، ومن حول أفغانستان تحديداً من أجل مواصلة ربط أوزبكستان بالفلك الأميركي.
ولا يمكن أن نستبعد أن تنفذ الآن خطط ادخال قطعات أطلسية إلي أوزبكستان بحجة محاربة الإرهاب . وأظهرت ممارسات أطلسية مماثلة في البلقان أن قوات الحلف حين تدخل مناطق ساخنة ، فإنها تبقي فيها مدة طويلة. وتنبغي الإشارة إلي أن انتقال أوزبكستان في صورة نهائية إلي المعسكر الأميركي - الأطلسي، سيدخل تغييراً جدياً علي توازن القوي في آسيا الوسطي، ويزيد من تعقيد الوضع المعقد أصلاً في هذه المنطقة الساخنة من العالم. (عن "الحياة" اللندنية)

جنرال متقاعد، الرئيس السابق لدائرة الشرق الأوسط في جهاز المخابرات السوفياتية (كي جي بي)

&