&
تقرير مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية- لندن:
ذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن 73، 1مليار فرد في العالم يحتاجون إلى مياه نقية، وان 77، 1مليار نسمة محرومون من خدمات الصرف الصحي، و 900مليون طفل يعيشون في مناطق محرومة من خدمات المياه النقية والصرف الصحي، وهي مشكلة عربية، حيث تشير الإحصاءات إلى انه من المتوقع أن يعاني العالم العربي عجزاً مائياً يصل إلى 282مليار متر مكعب عام 2030، وهناك 16دولة عربية تحت خط الفقر المائي وهو ألف متر مكعب سنوياً للفرد. ولكن بالنظر إلى الخليج تبدو المشكلة اكثر شدة وذات أبعاد متعددة الخطورة، وقد كشفت عن ذلك اوراق مؤتمر الخليج الخامس للمياه الذي عقد بالدوحة في مارس (آذار) 2001من خلال اشارتها الى عدة حقائق هي:
* ارتفاع الطلب على المياه في جميع دول مجلس التعاون من 6بلايين متر مكعب العام 1980الى 25بليون متر مكعب عام 1995.
* تعاني دول المجلس عجزاً مائياً بلغ 15بليون متر مكعب، سوف يرتفع هذا العجز في العام 2025الى 31بليون متر مكعب.
* الاستهلاك الحالي لدول مجلس التعاون من المياه يصل الى 22بليون متر مكعب حسب إحصاءات عام 1996، ووفق هذا المعدل من المتوقع ان تكون دول المجلس في حاجة إلى حوالي 49بليون متر مكعب من المياه سنوياً عام 2025.ومما يزيد من تفاقم مشكلة المياه في منطقة الخليج اضافة الى ما سبق ذلك التزايد السكاني والتوسع العمراني والصناعي والزراعي الكبير، اضافة الى شح الامطار وتناقص المياه الجوفية والصعوبات المالية التي تواجهها دول مجلس التعاون وتعني أنها لن تستطيع الاستمرار لفترة طويلة في المستقبل في توفير المياه المحلاة بأسعار رمزية لمواطنيها، علماً بأن تحلية المياه تعد المصدر الاساسي للمياه العذبة بها. واعتباراً مما سبق تنطلق العديد من نداءات التحذير، وتظهر علامات للانذار المبكر على أن المنطقة مقدمة على أزمة مائية خطيرة، حتى أن البعض توقع حدوث نزاعات بين دولها حول استغلال مخزونات المياه الجوفية الممتدة عبر الحدود، بحيث تحل محل النزاعات حول النفط وحول الحدود. وفي هذا الإطار تتعدد المقترحات والمشروعات للتعامل مع هذا الوضع ومحاولة السيطرة على تداعياته الخطيرة، ولعل أهم هذه المقترحات والمشروعات هي: 1 مشاركة القطاع الخاص في دول مجلس التعاون في مشروعات المياه المستقبلية، بما يقتضيه ذلك من النظر الى المياه كسلعة وليست مجرد هبة من الدولة لمواطنيها، وهذا يحتاج بالطبع على التدرج في التطبيق، وخطة للتوعية بأهمية الاقتصاد في استهلاك المياه من ناحية والتعامل معها كسلعة لها ثمن من ناحية اخرى. 2 التعاون بين دول المجلس في اقامة مشروعات مائية مشتركة وخاصة في مجال تحلية المياه وتقليلاً للتكلفة، وبناء استراتيجية خليجية موحدة لمواجهة هذه المشكلة على اعتبار أنها مشكلة عامة. 3 المشروعات الاقليمية، ولعل أهمها: أ الاستفادة من المياه التي يمكن سحبها من ايران عبر الخليج العربي، وهذه المياه يمكن توزيعها على كل من الكويت والامارات وقطر والبحرين والمملكة العربية السعودية، وقد جرى التداول في مثل هذا المشروع منذ سنوات. ب الاستفادة من المياه المتوفرة في شط العرب، والقيام بمشروع جر باتجاه الدول الأقرب في دول مجلس التعاون الخليجي وفي المقدمة الكويت وثم ما يليها تباعاً. ج كما انه يمكن الاستفادة أيضاً من المشروعات المقترحة لنقل مياه النيل الى منطقة غرب المملكة العربية السعودية، خاصة في حالة ازدياد فيضان مياه النهر. د الاستفادة من المشروع الذي طرحته تركيا عام 1987والمسمى ب "مشروع أنابيب السلام" والمؤلف من خطين يفترض أن يتجه أحدهما نحو منطقة الخليج العربي، وآخر نحو الساحل الشرقي للبحر الاحمر، موازياً سلسلة جبال عسير في المملكة، والمشروع في خطيه سوف يقدم الى دول مجلس التعاون الخليجي ما مجموعه اربعة ملايين متر مكعب من المياه في اليوم يقدم منها الخط الغربي مليون ونصف مليون م 3لمدن غرب المملكة، ويقوم الخط الشرقي بتوزيع مليوني ونصف مليون م 3على المناطق المتاخمة لشاطئ الخليج العربي في المملكة والكويت والامارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان. ومن بين هذه المقترحات، برز خلال الفترة الاخيرة ما يمكن ان يطلق عليه اسم "البديل الايراني" أي أن تكون ايران مصدراً للمياه العذبة الى دول مجلس التعاون المجاورة من خلال انابيب تمر عبر الخليج بين الجانبين، وهذا ما يمكن ملاحظته من الآتي:
* التوقيع المبدئي على اتفاق بين ايران وقطر تزود بمقتضاه الاولى الثانية بالمياه العذبة بواسطة انبوب يصل ما بين ضفتي الخليج بتكلفة تبلغ 13مليار دولار.
* موافقة مجلس الوزراء الكويتي على توصيات وزارة الكهرباء والمياه في شأن مشروع لنقل المياه العذبة من ايران الى الكويت بتكلفة تصل الى ملياري دولار، من خلال خط انابيب يصل طوله الى 330كم على الارض الايرانية ونحو 210كم تحت مياه الخليج، وسينتج المشروع بعد اتمامه نحو 200مليون جالون من المياه يومياً، ويتوقع الانتهاء من تنفيذه بحلول العام 2005، ويشار الى هذا المشروع على انه نموذج لمشاريع المياه في الشرق الأوسط في المستقبل التي تعتمد بشكل رئيسي على مساهمة القطاع الخاص.
* اهتمام بعض دول الخليج الاخرى بمسألة نقل المياه العذبة من ايران خاصة مع القرب الجغرافي لها مع دول مجلس التعاون مقارنةً بتركيا على سبيل المثال، وتنظر ايران، وحكومة الرئيس "محمد خاتمي" بشكل خاص، الى المشاريع المقترحة لنقل المياه الى دول المجلس من نهر الفاروق على انها "شجرة الاخاء العربي الايراني"، ومصدر للأموال التي تحتاجها ايران لمواجهة أزمتها الاقتصادية الخانقة. ويأتي الحديث عن نقل المياه الايرانية الى بعض دول مجلس التعاون في إطار حركتي تقارب وانفراج ملموسين بين ايران من جانب ودول مجلس التعاون من جانب آخر لعل أهم مظاهرها الزيارات المتبادلة، وتوقيع اتفاق للتعاون الأمني بين الرياض وطهران، فضلاً عن بحث دول اخرى في مجلس التعاون توقيع اتفاقات مماثلة. الجدوى السياسية والاقتصادية: ولعل السؤال المحوري الذي لابد من طرحه في إطار كل ما سبق هو: ماهي الجدوى السياسية والاقتصادية لمشاريع نقل المياه من ايران لبعض دول مجلس التعاون؟ وهل يمكن اعتبار ذلك بديلاً مناسباً للتوسع في مشروعات التحلية واستنزاف خزانات المياه الجوفية؟لاشك في أن هناك عدة جوانب ايجابية لهذه المشاريع لعل أهمها:1 المساهمة في تكريس عمليات الانفراج والتحسن في العلاقات السياسية بين ضفتي الخليج، وذلك من خلال ربطهما بمصالح اقتصادية مشتركة، وهي سر التعاون والتقارب في القرن ال 2.21 هي أقرب الى تطبيق على ارض الواقع من المشاريع الاخرى لنقل المياه، وخاصة المشروع التركي المسمى ب "أنابيب السلام" الذي سيقطع مئات الكيلو مترات في ظروف جيولوجية ومناخية وسياسية صعبة تعرضه للخطر الدائم وتزيد من تكلفته بشكل مستمر، كما أن هذا المشروع ينطلق مما يمكن ان يطلق عليه "المتاجرة بالمياه" خاصة وأن تركيا ترفع شعاراً مفاده "المياه مقابل النفط". 3 ستكون هذه المشاريع أقل تكلفة من مشروعات التحلية في نظر العديد من الخبراء الاقتصاديين، ومن المعروف ان المنطقة العربية تنتج 71% مما ينتج في العالم من مياه التحلية، وتعتبر تكاليف الطاقة المرتفعة عائقاً أساسياً امام التوسع في مشاريع التحلية وتوفر تقنية التحلية ما بين 50و90% من مياه الشرق في منطقة الخليج، وتنتج دول الخليج يومياً 3، 8مليون م 3من المياه، ويتفاوت اعتماد الدول الست على المياه المحلاة فتأتي دولة الامارات العربية المتحدة في المقدمة اذ تحتل المياه المحلاة ما نسبته 5،64% من احتياجاتها المائية، ثم تليها الكويت 36،42% ثم قطر 5،49% ثم البحرين 1،16% ثم المملكة 1،11% واخيراً عمان 2،10%.4 يتضح من المشروع الخاص بنقل المياه من ايران الى الكويت ان القطاع الخاص ممثلاً في عدد من الشركات هو الذي يتولى عملية التمويل، وهذا معناه تقليل العبء المالي على الحكومات في هذا الصدد، وتهيئة البيئة الخليجية لتقبل حقيقة أن المياه يمكن أن تتحول الى "سلعة". وفي مقابل هذه الجوانب الايجابية، تظهر على الجانب الآخر من الصورة عدة أمور لابد من أخذها في الحسبان، أهمها:
* المياه تتصل اتصالاً مباشراً بالأمن القومي والاستقرار الداخلي في دول مجلس التعاون، وهي ليست سلعة عادية كغيرها يمكن الاستغناء عنها او البحث عن مصادر اخرى للحصول عليها، وعلى هذا الاساس فإن هناك عدة محاذير سياسية ترتبط بمشاريع نقل المياه الى دول التعاون من ايران لعل أهمها وأبرزها ما يتعلق منها بالخلافات القائمة بين الجانبين حول عدة قضايا مثل أمن الخليج، العلاقة مع إسرائيل الجزر الاماراتية... الخ، هذه الخلافات يمكن أن تتصاعد في أي لحظة طالما بقيت دون تسوية، وفي هذه الحالة يمكن أن تتحول المياه الى ورقة سياسية او أداة ضغط في يد الطرف المالك لها والمتحكم فيها
* في إطار الجانب السياسي ايضاً، فإنه لا يمكن الوثوق بشكل كامل في رشادة القرار السياسي الايراني في المجال الخارجي، حيث ما زالت الكفة متأرجحة بين المتشددين والمعتدلين، ويمكن أن يدخل موضوع المياه في إطار أي مناورة سياسية بين الطرفين، خاصة وأن جانباً من التيار المتشدد يعارض تطوير طهران لعلاقاتها مع العرب.
* الأمر الثالث الذي يجب أخذه في الحسبان هو: هل امكانيات ايران المائية قادرة بالفعل على الوفاء بحاجات دول مجلس التعاون من المياه؟ وهنا لابد من الاشارة الى أن ايران ذاتها تتعرض لبعض المشاكل المائية، وتتعرض بعض مدنها للجفاف، كما زادت ملوحة نهر "الفاروق" (الذي من المفترض ان تنقل المياه منه الى الكويت وقطر)، عندما تم شق بعض الفروع له لتزويد مدن ايرانية بالمياه، وفي يوليو (تموز) من العام الماضي (2000) شهدت بعض المناطق في ايران تظاهرات شديدة احتجاجاً على سياسة الحكومة المائية، ومشاكل المياه التي تعاني منها، ما اضطر وزير الطاقة الى القول: "ان وزارته لا تفكر في الوقت الحاضر في أي مشروع لتصدير المياه الى دول مجلس التعاون الخليجي بسبب أزمة المياه التي تعانيها غالبية المدن الايرانية". وانطلاقاً مما سبق يمكن القول ان دول مجلس التعاون في حاجة الى استخدام حزمة من السياسات المشتركة في موضوع المياه، دون الاعتماد على سياسة واحدة او المراهنة على بديل واحد.
إعداد: نبيل شرف الدين