&
إيلاف - نبيل شرف الدين: بسقوط مدينة "سبين بولدك"، وقبلها "قندوز"، وقبلها العاصمة "كابول"، و"مزار الشريف" وغيرها، لم تبق سوى الجولة الأخيرة في "قندهار"، وهذه المدينة&ليست معقلاً تقليدياً لحركة طالبان فحسب، بل فيها تتضافر القبلية مع الحلم الأصولي الذي عبر عنه قبل نحو أربع سنوات مضت، وفي حديقة القصر الملكي الشتوي في مدينة "جلال آباد" شرق أفغانستان، أحد قادة حركة "طالبان" أمام حشد من الطلبة والزوار، معلناً أن أفغانستان دولة لكل المسلمين، وأنها ليست مرتبطة بفئة أو قومية أو عرقية، ومضى مسؤول الحركة لأبعد من ذلك حين قال: لو كنا نعلم أن القتال لمصلحة ملا محمد عمر (زعيم الحركة) أو لبلد معين وطنية محددة لما قاتلنا..
هذا الإعلان لم يأت حينذاك من فراغ وإنما جاء بعد ساعات علي تغيير اسم دولة أفغانستان إلى إمارة أفغانية، الأمر الذي يشي بإيحاءات تتجاوز الحدود الافغانية، ولطالما تحدث قادة ومنظرو الحركة التي لم يتجاوز عمرها بضع سنوات عن أحلام تراودهم في اعادة حدود الدولة الافغانية إلى القرن الثامن عشر والتي كانت تمتد من نيودلهي الي وسط ايران فدول آسيا الوسطي. وحين كانت أقدام طالبان تطأ الشمال الأفغاني وتستعد لاقتحام مزار الشريف عاصمة المعارضة، كانت إذاعة الشريعة التابعة للحركة تردد: أيها الطالب حافظ على كابول، وتقدم فإن إخوانك في سمرقند وبخاري بانتظارك، وأشاعت هذه الشعارات والأقوال جواً من الرعب مشوباً بالحذر والترقب في دول آسيا الوسطي التي كانت تخشى أن تسقط كأحجار الدومينو في أيدي مقاتلي طالبان والحركات المحلية المتعاطفة معها، وتزامن ذلك مع تقارير تحدثت عن لجوء النساء في هذه الدول إلى ارتداء الحجاب الشرعي أسوة بجارتهم الجنوبية.
لقد وصف وزير خارجية باكستان السابق صاحب زاده يعقوب خان الحدود الباكستانية - الأفغانية بـ الملتهبة، وقبله وصفها مؤسس باكستان محمد علي جناح (1947): لا توجد قوة على الأرض تفصلنا عن بعضنا)، وسبقهما المثل المعروف باللغة البشتونية التي تتكلم بها غالبية الأفغان وشريحة كبري من الباكستانيين، ان الماء لا يمكن فصله بالعصا. غير ان الحقائق الجيواستراتيجية التي ظهرت خلال العقد الماضي جعلت باكستان تعيد النظر في سياستها واستراتيجياتها وأولوياتها، وهي التي بدلت الأحصنة الأفغانية غير مرة، من قلب الدين حكمتيار إلى برهان الدين رباني إلى أحمد شاه مسعود وغيرهم، في حين ان منافستها اللدودة ايران دعمت رباني ومسعود، وعلي رغم كل التقلبات وفي مقدمتها القتال العنيف الذي خاضه مسعود ضد مقاتلي حزب الوحدة الشيعي الموالي لطهران في العام 1993 ما دفع آلاف الشيعة إلى مغادرة منازلهم في كابول.
مليون طالب
تزامن هذا مع اجتماع ضخم رتبته جمعية علماء الاسلام بزعامة مولانا فضل الرحمن عرّاب الحركة، (كون اتباعها درسوا في المدارس الديوبندية)، وأقرت الجمعية في المؤتمر مقاطعة الانتخابات المقبلة كونها لا تفي بالغرض الاسلامي ودعت للاهتداء بالنموذج الطالباني، وتوازى ذلك مع مؤتمر القبعات الخضر في منطقة مولتان الباكستانية الذي حضرته عشرات آلاف من طلبة العلم الشرعي داعين الى تطبيق الشريعة في باكستان ومشيدين في الوقت نفسه بتجربة طالبان في افغانستان.
ومعروف ان هناك أكثر من مليون طالب علم شرعي في باكستان مرتبطين مالياً وشرعياً بالإمام ومدير المدرسة الذي يقدم كل ما يحتاجه الطالب، وفي وضع كباكستان، حيث البطالة تحقق أرقاماً قياسية مع ما يرافق ذلك من تدني المعيشة، سيجد هؤلاء فرصة للانقضاض على الوضع وهم يعدون أنفسهم المنقذين بعد التجربة الطالبانية وفشل حكومتي بنازير بوتو ونواز شريف في تحقيق الازدهار الاقتصادي وتخفيف المعاناة عن المواطن العادي، فضلاً عن الفساد في باكستان يتعدى كل الحدود، وفاق كل التوقعات، فحسب التقارير فإن ديون البلاد تجاوزت حتى الآن 40 بليون دولار في حين تم نهب 100 بليون دولار من البلاد خلال السنوات الماضية. ويشكل هذا الوضع وقوداً لتحرك الكتلة الطالبانية الباكستانية، إلا أن الحكومة الباكستانية سعت لاحتواء هذه التطورات، عبر اتخاذها عدداً من القرارات والسياسات، في مقدمتها فرض الحجاب على طالبات جامعة البنجاب في محاولة لسحب البساط الشرعي من تحت أقدام العلماء، وتفريغ الخطاب الديني من مضمونه، أما على الصعيد الاعلامي الذي كان مثار انتقاد لاذع من المؤسسة الدينية الباكستانية بسبب الأغاني الهندية المخلة بالآداب منذ عهد بوتو والتي ألغيت بشكل كامل، وقد تم تعيين رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية السابق الجنرال المتقاعد جاويد ناصر الذي ينتمي إلى جماعة الدعوة والتبليغ علي رأس ادارة لمراقبة البرامج التلفزيونية من أجل إرضاء المؤسسة الدينية كذلك.