حافظ الاسد: هلاّ استطعت ان تبيّن لنا الحدود الآمنة التي تطلبها اسرائيل؟
جيمس بايكر: اؤكد لك انني لا اعرف!
سيدي الرئيس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استهل هذه الرسالة الى شخصكم الرفيع بتحية الاسلام، انا المسيحي، العربي المشرقي، الذي اسلم لله سبحانه وتعالى بالانجيل، كما اسلمت له انت، وكما اسلم له ربع سكان الارض بالقرآن واسلم له العبرانيون القدامى بالتوراة.
فالاسلام، في لغتنا العربية التي نؤمن بأنها لغة اهل الجنة، هو الانقياد لارادة الله في نصرة الخير والحق.
ولا اخال انه كان للولايات المتحدة عبر تاريخها دين غير هذا الدين!
فمن جورج واشنطن بطل المقاومة في معركة الاستقلال، الى ابراهام لنكولن بطل تحرير الانسان من عبودية الانسان، الى توماس ولسون اول من نادى بحق الشعوب في تقرير مصيرها، الى فرانكلين روزفلت بطل الانتصار الساحق على النازية العنصرية المتألهة... لم يعرف العالم رئيسا اميركيا غير مسلم بالمعنى الحقيقي للاسلام.
ولولا الولايات المتحدة وقادتها الذين اسلموا لله لما استطاعت اوروبا ان تنهض من حضيض الانهيار بعد حربين عالميتين لم يعرف التاريخ لهما مثيلا... ولولا تدخل رئيسها ايزنهاور عام ،1956 لما استطاع احد في العالم ان يردع التحالف البريطاني الفرنسي الاسرائيلي ويرغمه على التراجع ابان عدوانه الشهير على مصر... ولو قبل الرئيس جمال عبد الناصر نصيحة "اميركا المسلمة" ولم يأخذ بكلام "السوفياتي الكافر"، عشية حرب حزيران ،1967 لما حدث ما حدث، ولا استطاعت الدولة الخزريّة (!) المخالفة لـ"الاسلام العبراني" ان تتحوّل قوة عظمى تخافها الولايات المتحدة نفسها اليوم وتحسب لها الف حساب...
لقد اوتيت الولايات المتحدة ادلة تاريخية لا مراء فيها ولا خلاف عليها، بتورط اليهود الذين يتسترون اليوم بـ"الحركة الصهيونية" - ولا اقول العبرانيين، لأن العبرانيين يتحدرون من اصول سامية شرقية لشعب اسرائيل، وهم جزء لا يتجزأ من الساميين العرب، وقد تم اشتقاق اسمهم من فعل "عبر" باعتبارهم عبروا البحر الاحمر من مصر الفرعونية الى ارض كنعان - اوتيت الولايات المتحدة ادلة قاطعة على تورط معظم هؤلاء الصهاينة في كل ما اضر بأميركا خلال المئتي عام الأخيرة، لأنهم ليسوا مسلمين لله بالتوراة، بل انهم يعودون الى اصول خزريّة لا علاقة لها بالديانة العبرية من قريب او بعيد، وهم اتباع المال والسلطان من خلائف الذين فضلوا حسيل التبر (2) في سيناء على إله موسى، ولهم كتاب آخر يختلف كلياً عن التوراة هو التلمود، يفوق الى حد بعيد في تجاهل انسانية الانسان كتاب "الامير" الذي كتبه ماكيافيلي في القرن الخامس عشر بتوجيه من أوليائهم المتطرفين.
المتهودون الصهاينة
ثم ان جميع الذين هاجروا الى الولايات المتحدة واقاموا فيها عملوا على بناء نهضتها وقوتها وترسيخ وحدتها وتعميم رسالتها الديموقراطية، واستحقوا التقدير والاحترام من سلطات الوطن الجديد الذي اتخذوه بديلا نهائيا عن اوطانهم الاصلية. وقد حافظ هؤلاء على تراث بلادهم الاولى من خلال الثقافة والفولكلور والذكريات، وظلوا يعطفون على انسبائهم في اوطان منشئهم بالمساعدات الانسانية والتبرعات الخيرية في اوضاع قاهرة تتعرض لها تلك الاوطان لأسباب قسرية عدوانية او بفعل قضاء الله وقدره. لكنهم على اختلاف اصولهم وثقافاتهم انخرطوا انخراطا كاملا في المجتمع الاميركي، واصبحوا مواطنين اميركيين بكل ما لهذه الكلمة من معنى... خلا فئة واحدة عاشت في الولايات المتحدة بعقيدة عنصرية دينية منذ استقلال اميركا، هي جماعة المتهوِّدين& الصهاينة الذين بادروا لحظة قيام دولة اسرائيل الى طلب الجنسية الاسرائيلية فضلا عن جنسيتهم الاميركية!... قلت المتهوّدين الصهاينة، ولا اقول العبرانيين الشرفاء الذين كان لهم كسائر الاتنيات وأهل الديانات المتعايشة بسلام واحترام في اميركا، فضل اساسي في بناء الولايات المتحدة ومجدها وازدهارها.
فكيف يعقل ان يوزع انسان ولاءه لوطنين ودولتين من دون ان يفضل احدهما على الآخر ولو بدرجة واحد في المئة؟ ان الاب الذي يقول لك انه لا يفضل احد ولديه الاثنين على الآخر، يكذب ولو بأضعف الكذب ... لأن العاطفة لا تتوزع بالتساوي على الاطلاق. فهي ليست قطعة حلوى او تفاحة او مساحة ارض يمكن شطرها نصفين متساويين تماما. ولو فرضنا ان ابانا آدم كان يعطف على هابيل، وقد عاين فيه الوداعة والوفاء والخلق السوي، فلا شك عندي في ان امنا حواء كانت تفضل اخاه قايين وتتلمح فيه رجولة آدم الذي شاخ، وترضي بالنظر اليه شبقا نسويا اخذ يتعاظم بانتشار الاخاديد في حدائق جسدها المرهق ونضارته المتزايلة. وهي ربما كانت شجعته عى قتل هابيل كي تنفرد به وتنجبنا نحن البشر جميعا، اولاد سفاح يهربون من وجه الله الى الابد كما هرب آدم بعدما اكل تفاحتها المحرمة.
اذكر في هذه المناسبة رسالة بعث بها الفرد ليلنتال الى امه من فلسطين التي قدم اليها مع بعثة عسكرية اميركية غبّ قيام الدولة العبرية، ونشرت في مجلة "ريدرز دايدجست" (عدد نيسان 1956). وهو شاب عبراني اميركي مجاز في الحقوق من جامعة كولومبيا كان الى حين موظفا في وزارة الخارجية، واشتهر بعدائه للصهيونية في مجمل كتاباته ومؤلفاته، ثم بات مغمورا.
يقول الفرد ليلنتال في رسالته: "لقد ولدت اميركيا وما زلت اميركيا. وعندما رفع علم دولة اسرائيل الجديدة هنا في 14 ايار ،1948 لم اشعر برغبة الرقص في الشوارع بفرح جنوني، كما فعل كثيرون غيري في شوارع نيويورك ولندن. لأنني اميركي، لا تربطني باسرائيل اي صلة، ولا احس نحوها بأي حنين او مسؤولية...".
"انني فخور بالعقيدة اليهودية القديمة القائلة بوجود إله واحد في السماء وانسانية واحدة على الارض. لكنني اهزأ من القائلين بأنه يوجد "جنس يهودي" له عنصريته المميزة. فان بلدي الوحيد ووطني الاوحد هو اميركا".
"فالى اين تريد ان تذهب بنا الصهيونية وبالشعب الاميركي في هذه المغامرة العنصرية الخاسرة؟!".
جواسيس لا عقاب لهم
سيدي الرئيس
ازاء هذا الواقع، لا بد من ان نطرح عليك السؤال الآتي:
لماذا يحمل كل المواطنين الاميركيين من مختلف الجنسيات والاتنيات، الجنسية الاميركية وحدها، او يحمل بعضهم جنسية بلادهم الاصلية فقط للتعاطف والذكرى، فيما يسمح بامتياز لجماعة غامضة الجذور من المتهودين، غير المنتمين اصلا الى العبرانيين المسلمين لله بالتوراة، بأن يحملوا جنسيتين، الاولى اسرائيلية، وهي الاهم في نظرهم، والثانية اميركية "ظرفية". وكيف يجوز لهؤلاء ان يكونوا ضباطا وجنودا في جيش الولايات المتحدة وجيش دولة اجنبية أخرى هي اسرائيل؟ لقد قطع العالم شكه باليقين عندما رأى عام 1973 غداة الاقتحام المصري لخط بارليف، وتهديد الجيش المصري تل ابيب وهو يتقدم نحو رفح، كيف ان الجسر الجوي الذي اقيم للمناسبة بين مخازن الاسلحة في فيلادلفيا والدولة الخزرية، كان يدفع الى المعركة بدبابات اميركية طواقمها متهودون اميركيون رسمت على آلياتهم نجمة داوود، حتى قال السادات كلمته الشهيرة: "انني احارب اميركا وليس اسرائيل"!
ثم كيف تجيز الادارة الاميركية لنفسها خرق دستورها بيدها؟ وكيف تسمح الدولة الاميركية العظمى بأن يكون بعض مواطنيها الذين يعملون في مؤسساتها الحكومية ويملكون اسرارا بالغة الاهمية عملاء في جهاز استخبارات دولة اخرى يضمرون لها ولاء متقدما على ولائهم للدولة الاميركية التي يحملون جنسيتها وينعمون برعايتها؟! وكيف يعقل ان تكتشف الدولة الاميركية الاعظم تورط بعض رعاياها في اعمال تجسس لصالح دولة اخرى تعتبرها صديقة، فلا تقدم على اي ردة فعل، ولا تعاتب حتى صديقتها المزعومة، بل تتغاضى عن تلك الاعمال المريبة وتواصل دفع الاموال وتجنيد المهارات البشرية والتكنولوجية لمشاريع تطوير اسلحة مشتركة مع دولة الجحود هذه، بحيث تبدو منسحقة الشخصية امامها متسولة رضاها، تماما كما يخضع العاشق الغرّ للغانية التي تستنزف قواه وتهدر ثروته، وتحوله شاهدا ذليلا على نزواتها الخاصة، وهو غير قادر على التفلت من براثنها الضاغطة وسطوتها القاهرة!؟
* ان حكاية جوناثان جاي بولارد الموظف المتهود الاميركي الذي نقل اسرارا خطيرة عن سلاح البحرية الفائق التطور الى اسرائيل، لا تزال ماثلة في الاذهان. فقد قال غاسبار ونبرغر، الذي كان وزيرا للدفاع في عهد ريغان، عندما تم اكتشاف ذلك العميل الخطر عام :1986 "يجب ان يعدم هذا الرجل فورا". ولكن المحكمة انصاعت لضغوط الصهاينة وحكمت عليه فقط بالسجن لمدة 28 سنة، املا في ان يطلق سراحه لاحقا بقوة فائقة من زعماء الصهاينة... ودفع ونبرغر ثمن جرأته الوطنية ومطالبته بالاعدام، فما انفك يتعرض للمضايقات والتهديدات من عملاء الصهيونية في قلب وزارة الدفاع حتى استقال بحجة الاهتمام بزوجته المصابة بالسرطان. ومنذ ذلك الحين ما برح رؤساء الحكومات المتعاقبة في اسرائيل، من شامير الى رابين وبيريس ونتنياهو فباراك، يطالبون بكل حماسة وتصميم كل رئيس اميركي يصل الى البيت الابيض بالعفو عن بولارد، فيرفض رفضا قاطعا. واذا كان شارون لم يطالب حتى الآن بذلك العفو المرفوض، فقد يعود ذلك الى انهماكه المتواصل بالهولوكوست الفلسطيني الذي يمارسه منذ عام ونيف هازئا بتحذيرات واشنطن وهي تخوض حربا على "الارهاب المتأسلم" المعتصم في جبال افغانستان متهما اميركا بأنها تقف وراء ذلك المنحرف المتطرف وتشجعه على ابادة شعب فلسطين.
ان الشواهد، سيدي، لا تعد ولا تحصى على تصرفات اسرائيل المشبوهة ونشاط عملائها في قلب اميركا، ضد حليفتها الكبرى التي كانت سبب وجودها بعد الحرب العالمية الثانية، وهي لا تزال تقدم لها سنويا مساعدات مالية بالمليارات ومساعدات عسكرية تضمن لها التفوق الاستراتيجي على كل القوى الضاربة في آسيا وافريقيا باستثناء الصين. ونكتفي هنا بعدد محدود من تلك الشواهد على سبيل المثال.
* ففي 7 أيار 1997 نشرت صحيفة "واشنطن بوست" المقربة من السلطات الاميركية خبرا مفاده ان الاجهزة المختصة التقطت مخابرة سرية بين ضابط مخابرات في السفارة الاسرائيلية بواشنطن ورئيسه في تل ابيب، حول وثيقة موجودة في وزارة الخارجية الاميركية يرغب جهاز الموساد في الحصول عليها، وان الضابط المذكور سأل رئيسه ان كان يحسن بالسفير (الياهو بن آليسار في ذلك الحين) ان يطلب تلك الوثيقة من العميل "ميغا". فاجاب المسؤول الاعلى: "كلا فنحن لا نستعين بميغا البالغ الاهمية والنفوذ في الادارة لامور بسيطة من هذا النوع"!
وقد احدث هذا الخبر دويا هائلا في الاوساط الرسمية الاميركية، وبادرت اسرائيل الى تكذيبه من جانب مصادر حكومية وديبلوماسية وصحفية عديدة. لكن وزيرة العدل الاميركية جانيت رينو اكدت ان تحقيقا يجرى في المسألة التي وصفها ديفيد بار ايلان المستشار السياسي لنتنياهو بأنها "مختلقة لا اساس لها وستزول مثل فقاعة صابون". ومع الاسف، صدق بار ايلان، لان اللوبي الصهيوني الضاغط تمكن من طمس القضية وتحويلها فعلا فقاعة صابون!
معركتهم مع بوش الأب
* ولعل التصرف الاكثر تجاوزا من جانب الصهيونية واسرائيل ضد الولايات المتحدة، هو المؤامرة التي دبروها لابعاد والدك، سيدي الرئيس، عن البيت الابيض، قبل ثمانية اشهر من انتخابات الرئاسة الاميركية التي جرت في تشرين الثاني .1992
فقد هال اسحق شامير الارهابي السابق المعروف واعضاء حكومته يومذاك، وكلهم ارهابيون لهم تاريخهم، من رفاييل ايتان وزير الزراعة والبنى التحتية في ذلك الحين، الى موشي آرنز وزير الدفاع، الى آرييل شارون وزير الاسكان، الى بيني بيغين ابن مناحيم بيغين الحائز جائزة نوبل للسلام (...) وكان يومذاك مستشار شامير ونصيره الاكبر في تجمع ليكود... لقد هال اولئك المتهودين الاشكيناز، العائدة اصولهم الى الخزر، وليس بينهم عبراني واحد مسلم لله بالتوراة، ان يكبت الرئيس جورج بوش (الاب) عزمهم الاكيد في حرب الخليج عام ،1990 على احراق بغداد بقنبلة نووية، وان تتولى اميركا حمايتهم بصواريخ باتريوت التي ارسلتها فورا الى اسرائيل، وتمنعهم بالتالي عن مجزرة يرتكبونها في العراق لكي تدفع ثمنها الولايات المتحدة للعالم العربي والاسلامي لاحقا!
كذلك هال شامير وصحبه ان ينخرط الرئيس الاميركي، والدك، مع الدول العربية الصديقة الاقوى مصر وسوريا والسعودية، ومعظم العرب الآخرين، في تحالف يرمي الى رد الهجمة الافتراسية على الكويت، واعتبروه تساهلا من جانب اميركا يؤدي، كما يتوجسون دائما بفعل عقدة الاضطهاد الراسخة في نفوسهم، الى تدمير دولة الخزر التي يطلقون عليها تجنيا اسم اسرائيل، واسرائيل هو اخو اسماعيل وابن ابرهيم الخليل الذي اسلم لله بالتوراة ولا علاقة له بجماعتهم اطلاقا...
وما اشبه اليوم بالبارحة. فما ان حاولت الولايات المتحدة اخيراً ازالة بعض الشكوك العارضة بافهام اصدقائها العرب ان حربها على "الارهاب المتأسلم" ليست ولن تكون حربا على الاسلام، حتى انبرى شارون، النموذج الخزري الاكثر عنفا، الى اتهام الرئيس الاميركي جورج بوش (الابن) بأنه يتساهل في ابتلاع العرب للدولة الاسرائيلية، كما تساهل تشمبرلن رئيس وزراء بريطانيا عام 1938 في ابتلاع هتلر لتشيكوسلوفاكيا!
وقد هال ايضا شامير في ذلك الحين، وصقوره التي تعودت فقط افتراس الابرياء، ان يقرر والدك، سيدي الرئيس، ووزير خارجيته جيمس بايكر الذي يعتبره تاريخ القضية من اشجع واصدق الرجال المنتصرين للحق والعدل، تطبيق قراري الامم المتحدة 242 و،338 وفاء للامة العربية والدول الاسلامية التي آزرت اميركا في حربها على الغازي الطامع بدولة عربية مستضعفة، وتأكيدا لكون اميركا هي دولة اقرار الحق والعدل في "النظام العالمي الجديد"، وبالتالي ارغام شامير ودولته على المشاركة في مؤتمر مدريد عام ،1991 والاعتراف بمبدأ "الأرض مقابل السلام" اي بالانسحاب من كل الاراضي العربية المحتلة عام .1967
حاربوه لأنه كان يعرف...
الحقيقة ان شكوكا رهيبة اخذت تساورهم بالنسبة الى الرئيس جورج بوش (الاب)، لانهم كانوا مدركين تماما ان ذلك الاميركي المحنك المقدام، الذي بقي ما يقارب الاثنتي عشرة سنة رئيسا لوكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.اي) يعرف بالتدقيق والتحقيق الجرائم التي يقال انهم ارتكبوها، وكيف طمسوا اسرارها باساليب مختلفة... من اغتيال الرئيس كندي، الى توريط الرئيس نيكسون في عملية ووتر غيت، الى ازالة رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة في عهد الرئيس فورد، الجنرال جورج براون من منصبه القيادي، حيث انكفأ في عزلة اضطرارية متواصلة بعد ذلك وعاش بقية حياته مقهورا! كل ذلك لانه ادلى بتصريحات معادية للصهيونية في تشرين الثاني ،1974 هو الذي اشرف على نقل الترسانة العسكرية الاميركية في حرب تشرين 1973 الى اسرائيل لمساندتها وانقاذها من الهلاك.
* فقد اعلن الجنرال براون عقب محاضرة القاها في 15 تشرين الثاني ،1974 ردا على سؤال وجه اليه عن موقف الولايات المتحدة من الدول العربية النفطية المنتجة ان هي قررت استعمال سلاح النفط ضد الغرب: "ليس عندنا خطط لمواجهة مثل هذا الاحتمال في الوقت الحاضر. لكن المهم ليس فقط مواجهة خطر كهذا، بل المهم ايضا هو جعل الاميركيين يصممون على هدم النفوذ اليهودي وتحطيم الهيئة الصهيونية المسيطرة على الكونغرس".
ومضى يقول: "ان النفوذ اليهودي قوي الى حدّ لا تصدقونه الآن، حيث يأتينا الاسرائيليون طالبين معدات وبرامج عسكرية، فنقول لهم اننا لا نستطيع تلبية طلباتكم هذه لان الكونغرس لا يوافق عليها. فيجيبون: لا تقلقوا من جانب الكونغرس، فنحن نعرف كيف نجعله يوافق!".
واستطرد قائلا: "انه كلام يصدر عن اناس من بلد آخر. يقولون ذلك وفي وسعهم ان يثبتوا القول بالفعل! فهم يملكون البنوك والصحف في هذه البلاد، ولا يستطيع احد اعتراض ارادتهم !".
كل هذا، وغيره مما لا مجال الى ذكره في هذه العجالة عن الاثم الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية، كان والدك يعرفه حق المعرفة، ويعرف بالتأكيد ان الحل الوحيد الممكن لقضية فلسطين، بعد كل الدلال الذي حظيت به الدولة الخزرية من اوروبا ثم اميركا، فتحولت بدعم بريطانيا وفرنسا الى دولة نووية ابتداء من ،1960 وأصبح "الوطن القومي" المتواضع الذي منحته حكومة "صاحب الجلالة" بموجب وعد بعث به وزير خارجية بريطانيا جيمس بلفور الصهيوني الى صهيوني آخر هو البارون دي روتشيلد عام ،1917 نواة لامبراطورية عظمى في الشرق الادنى تخلف الامبراطورية العثمانية عند مفترق ثلاث قارات...
كان والدك يعرف بعد كل الدلال الذي حظيت به اسرائيل من جانب اوروبا ثم اميركا بين عامي 1948 و،1990 ان الحل الوحيد الممكن لقضية فلسطين، هو ارغام العرب، بعد كل المحن والهزائم التي حلت بهم خلال 42 عاماً، على القبول بخريطة التقسيم التي اقرتها الامم المتحدة في تشرين الثاني ،1947 ورفضوها في ذلك الحين جملة وتفصيلاً. ثم ارغام اسرائيل على قبول تلك الخريطة وعودتها الى حجمها الاساسي بعد حربي حزيران 1967 وتشرين ،1973 وذلك بتطبيق قراري الامم المتحدة 242 و،338 وهما ينصان على الانسحاب من الاراضي العربية والفلسطينية المحتلة، وازالة المستوطنات من الضفة الغربية وقطاع غزة والاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس.
ولم يكن ارغام العرب على القبول بالقسمة الضئزى (3) امراً مستصعباً على الاطلاق، لأن ما كان مرفوضاً من جانبهم عام ،1947 وهم معتصمون بالعنترية الخطابية التي ألحقت بهم هزائم نكراء في اربع حروب مخزية،& اصبح مقبولاً بمنتهى الوداعة والتسليم عام ،1990 وقد حاق بهم الذل في مقارعة عدو صبر ونال وجالد فانتصر...
لكنه كان من الصعوبة بحجم هائل ان يتم ارغام اسرائيل على رد ارض اخذت بالقوة عن طريق المفاوضات، اي على اساس مبدأ معاكس لمنطق التاريخ قوامه "الارض مقابل السلام"، وهي سابقة لم يعرف لها مثيل من قبل. فما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة. وليس الرئيس عبدالناصر هو الذي اخترع هذه المقولة، بل انها تقرأ منذ اقدم العصور في كتب الحروب والغزوات.
وقد وافق شامير بمنتهى الخبث على ركوب قطار المفاوضات والعمل بمبدأ "الارض مقابل السلام" في مؤتمر مدريد 1991 ارضاء لرئيس الولايات المتحدة، آملاً في ان يتمكن بعد ان تدخل حرب الخليج كما دخل غيرها من الحروب متحف النسيان، وتتحول المفاوضات مباريات جدلية ومماحكات عقيمة، فتتلاشى اليد الاميركية القابضة على عنق القضية، ويعود "الحق للقوة" كما هو مع الأسف منطق الاشياء... آملاً في ان يتمكن خلفاؤه من نقض ذلك المبدأ، وهو ما تحقق خلال ثمانية اعوام من عهد الرئيس كلينتون.
ثم ان الصهيونية الخزرية الاشكينازية (4) لم تكتف باقتناع نظري من هذا النوع قد تكذبه الاحداث والتطورات التاريخية غير المحسوبة، فقررت ان تتخلص من الرئيس بوش (الأب) قبل فوات الأوان، واحداث انقلاب على سياسته المؤمنة بالعدالة، وعزمت على ابراز نواجذها وأظافرها الى العلن، بحيث تركع الولايات المتحدة والعالم بما فيه العرب المتخلفة شعوبهم والجشعة المتسلطة حكوماتهم، فيقرها الجميع على اهدافها التوسعية الافتراسية، ويصبح بينها وبين حكم العالم بأسره مجرد خطوة يجتازها العالم اليها ولا تكلف نفسها اجتيازها اليه.
وبدأت المؤامرة الانتهازية على بوش في مطلع ،1992 يوم جاء شامير يطلب من الرئيس الاميركي كفالة الولايات المتحدة لمبلغ 10 مليارات دولار تستدينها اسرائيل لتوسيع المستوطنات القائمة في الاراضي الفلسطينية المحتلة وانشاء مستوطنات جديدة (!!!) وكان هذا الطلب مناقضاً في اساسه لمبدأ "الارض مقابل السلام" الذي قام عليه مؤتمر مدريد. فكيف يعقل ان يقبل الراعي الاميركي الاوحد (وكان الشريك السوفياتي في الرعاية قد انهار وتفكك) ان تتملك الدولة المعتدية اراضي جديدة في مناطق يفترض ان تعيدها الى اصحابها عملاً بمبدأ مدريد؟!
وما ان رفض الرئيس هذا الطلب، وكان من المنطقي ان يرفض، حتى انتظمت ضده حملة شعواء في الصحافة الصهيونية الاميركية والعالمية ابتداء من شهر آذار ،1992 رغم انه كان قد استثنى من رفضه المطلق للاستيطان في الاراضي المحتلة، امكان توطين محدود للعبرانيين في القدس الشرقية، اسوة بالمحمديين والمسيحيين، وذلك تعزيزاً للطابع الروحي الجامع الذي يتعين ان يراعى في اي اتفاق مستقبلي على الوضع النهائي للمدينة المقدسة.
ولا عجب ان يكون الرفض الرئاسي قد اثار في حينه اسرائيل وحماتها في اميركا والعالم، لأنه سدد في الواقع ضربة مباشرة الى المشروع الصهيوني برمّته، باعتبار ان حجب المليارات العشرة عن حكومة تل ابيب من شأنه ان يفوّت على المسؤولين فيها فرصة استيعاب مئات الألوف من المهاجرين الروس والاوروبيين الشرقيين الذين حظّر الاتحاد السوفياتي السابق رحيلهم الى اسرائيل، كما ان الغاء المستوطنات كان يعني اعادة الارض الى اصحابها في اجل مسمى عملاً بما نصت عليه القرارات الدولية ومبادئ مدريد، ووضع حد نهائي لتوسع الدولة المصطنعة باتجاه اسرائيل التوراتية (من النيل الى الفرات) او في اضعف الاحتمالات، باتجاه اسرائيل الكبرى (من البحر الى النهر)...
لماذا يقفون ضدك بعد ابيك؟
سيدي الرئيس
بسبب ضيق المجال اترك للتاريخ ان يروي للشعب الاميركي ما حدث بعد ذلك، وكيف تمكنت القوى الصهيونية ان تبرئ نفسها من بيع التكنولوجيا الاميركية للصين، من صواريخ باتريوت الى صواريخ "بيتون 3"، وكيف اتهم حكام اسرائيل الولايات المتحدة بالاستبداد والتعسف وذهبوا الى حد تسفيه التحقيقات الاميركية وطلب الاعتذار من جانب الرئيس بوش، لكي يحصلوا منه، تحت ضغط المعركة الانتخابية عام ،1992 على وعد مشروط بمنحهم الكفالة الاميركية لاستدانة المليارات العشرة اياها. لكنه كان قد سبق السيف العذل، لأن هؤلاء المتعصبين لا يصفحون ابداً، وقد عبأوا كل قواهم لاسقاطه في الانتخابات وسلموا البلاد الى شاب قليل التجربة ادخل الى المراكز الحساسة في البيت الابيض ووزارة الخارجية واجهزة المخابرات ووزارة الدفاع اكثر من 227 صهيونيا خطرا اولاهم مفاتيح الامن والادارة مقابل اشباعه نزوات موصوفة لا تليق بالمؤتمن الاول على دولة عظمى.
ولن ازيدك علما بدقائق المؤامرة التي دبروها للقضاء عليك في الانتخابات الرئاسية الاخيرة التي كنت تتجاوز فيها خصمك ونصيرهم آل غور بعشرات الالوف، ان لم اقل بمئاتها، من اصوات الاميركيين الشرفاء الذين كانوا يدركون تماما في اعماق نفوسهم ان ترشيح المتهود الاشكينازي ليبرمان لنيابة الرئاسة في لائحة آل غور يهدف الى تصفية هذا الاخير، وهو شاهد الزور على مفاسد سيده، لكي يحكم ليبرمان الولايات المتحدة!!! لقد تحايلوا على القانون وخطّأوا الحاسوب، وعادوا الى الفرز البدائي للأصوات، وابطلوا قرارات المحاكم،& الى آخر ما تعرفه انت اكثر من اي كان، لكي يمنعوك من الوصول الى رئاسة الولايات المتحدة!...
ولكن هل تعرف لماذا حصل ذلك سيدي الرئيس؟!
لأنك خيبتهم في كل ما يدبرونه لاميركا، منذ ان كنت حاكم تكساس!
فانت لم تتزحزح عن فرض معاقبة القاتل بالاعدام، ايا كانت الاعذار والمبررات، لكي لا تقتص من القتيل دون القاتل... وانت سيدي نبذت الخمر المباحة في تلمودهم لاعدائهم، والتي ينعش قليلها ويؤذي كثيرها الاعصاب، كما يرهل الارادة، ويدمّر الشخصية والصحة، ويعطل قرار الدماغ وبداهة الذاكرة... ثم انك انسان كريم يأنف الخيانة الزوجية والزنى، تحب زوجتك وترعى حرمتها وكرامتها، واب صالح ربّى ابنتيه التوأمين تربية خلقية ممتازة، فبادر الصهيونيون أخيراً الى اتهامهما بتعاطي الكحول، وهما بعد دون سن الرشد او على مشارفها، لتذكير الرأي العام الاميركي بأن اباهما الذي يرأس الولايات المتحدة كان مولعا بالكحول وانه اورثهما تلك الآفة...
ولأنك ايضا، وفوق ذلك كله، مسيحي مؤمن مسلم لله بالانجيل، وقد اعلنت في اكثر من مناسبة وجوب تعليم الدين المسيحي للأجيال الجديدة في المدارس وترسيخ الايمان بالله ومخافته في قلوب الناشئة، خصوصا بعدما سجلت الاعوام الاخيرة موجة من الجرائم في مدارس اميركا يرتكبها الفتيان المراهقون المبرمجة نفسياتهم على افلام العنف المتلفزة، بقتل زملائهم ومعلميهم والاناس الابرياء.
ولا تنس اخيرا ان الصهيونية اتهمتك عبر صحافتها العالمية بأنك تجهل السياسة الخارجية كليا... ولم يرق للصهيونية واعوانها ان يصوّت لك في الانتخابات الرئاسية معظم الاميركيين العائدة اصولهم الى المكسيك واميركا اللاتينية والكاثوليك البابويون، وان تخص المكسيك بأول زيارة قمت بها الى دولة خارج الولايات المتحدة، ذلك ان الصهيونية تتوجس خيفة من اي مصالحة، ولو ظرفية، بين الانغلو - ساكسون واللاتين، ليس في اميركا الشمالية فقط بل في اميركا الجنوبية واوروبا ايضا، لأن الكنيسة الكاثوليكية لا تزال، على رغم تآمر الصهيونية عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية واتهام البابا بيوس الثاني عشر بأنه غض النظر عن المحارق الهتلرية وتعاون مع المحور ضد الحلفاء، قلعة منيعة بوجه التوسع الصهيوني الامبريالي العالمي، بصرف النظر عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1962 بتبرئة ذراري اليهود من صلب السيد المسيح.
بالاضافة الى هذه الادلة الساطعة، التي تعرفها انت سيدي الرئيس اكثر من اي كان، اسمح لي في سياق هذه الرسالة ان اذكرك بمداخلة رجل من العظماء الذين اسسوا الولايات المتحدة، بنيامين فرانكلن، في اول مؤتمر للكونغرس الاميركي عام 1789 وكان في عداد نوابه، وهو الذي وضع مع جفرسون وآدامس دستور اميركا عام 1776 واعلان استقلالها.
لقد قال بالحرف الواحد ما يأتي:
"ان ثمة خطرا كبيرا يهدد الولايات المتحدة الاميركية. هذا الخطر هو الخطر اليهودي. فان لم تمنعوهم من دخول الولايات المتحدة الاميركية بنصّ دستوري، سوف لن تمضي مئتا سنة الا وقد اصبح ابناؤنا يعملون لتأمين طعامهم ورفاهيتهم، ويقيمون هم في مؤسساتهم المالية يفركون ايديهم في غبطة عارمة".
"احذركم ايها السادة وانذركم، بأنكم ان لم تمنعوا هجرة اليهود في دستور الولايات المتحدة فان ابناءكم سيلعنونكم في قبوركم. ذلك ان طريقة حياتهم تختلف تماما عن حياة الاميركيين. فالنمر الارقط لا يستطيع ان يغيّر لون جلده".
ذلك ما تنبأ به سيدي، احد اسلافك العظام. ويمكنك استحضار النسخة الاصلية لهذه الوثيقة التاريخية بنصها الكامل من "مؤسسة فرانكلين" في فيلادلفيا - بنسلفانيا.
حرب انبياء في الارض المقدسة
في ضوء ما تقدم، وهي وقائع لم تعد خافية على احد داخل الولايات المتحدة وخارجها، يتساءل المخلصون المؤمنون برسالة اميركا وروح اميركا، وما قدمته تلك الامة العملاقة للانسانية من خدمات وما اجترحته من خوارق في ميادين العلم والمعرفة والصحة والكشوف الكونية وهندسة الوراثة وسبر اغوار الحياة واسرارها... يتساءل هؤلاء مع العالم بأسره، كيف تنظر انت نفسك بعين الرضا والتبريك والتسليم الى مذبحة شعب فلسطين على يد حاقد من فصيلة شارون؟!
ان معظم المؤمنين بالله يعذرونك سيدي، على حربك المعلنة في افغانستان لاستئصال حكم طالبان، مع انهم كانوا يفضلون ان يتم ذلك دون سقوط الضحايا البريئة. فبصرف النظر عن تضارب الاراء والمواقف سلبا وايجابا في اسلوب العمليات العسكرية الاميركية في افغانستان، بادر العالم المتمدن بمختلف دوله واحزابه واديانه الى دعمك وتأييد مسعاك الهادف الى انقاذه من احدى اغرب الحركات الرجعية الظلامية في التاريخ التي لا يعدلها تخلفا واجراما الا محاكم التفتيش وقد تولاها الرهبان الدومينيكان خمسة قرون في اوروبا الوسيطة.
لكن ما يصدم شعوب العالم بأسره - ولا اتحدث هنا عن الحكومات - هو ان تصفحوا عن حرب الابادة التي تشنها الحكومة الاسرائيلية بقيادة شارون ضد الفلسطينيين في ارضهم وبلادهم. وتستغربون ان يكره العرب ومعظم امم الارض اميركا التي لا تضمر الحقد لأحد ولا تكره احدا.
ربما كنتم تجهلون السبب الحقيقي لذلك. فهو لا يعود الى كونكم امة غير عادلة. بل ان العديد من الامثلة التاريخية يشهد على التزام بلادكم مبادئ العدالة والحرية والديموقراطية والتسامح. فتتساءلون في حيرة ومرارة لماذا لا يكره العالم فرنسا مثلاً بهذا المقدار، هي التي اودت بحياة مليون قتيل في الجزائر فضلاً عن الالوف المؤلفة من ضحاياها في سائر دول المغرب والمشرق العربي؟! او لماذا لا يكره بريطانيا العظمى التي تفوق ارصدتها كل ارصدة الاستعمار القديم من جماجم الابرياء؟! ولماذا لا يكره العالم الى هذا الحد قياصرة الروس وخلفاءهم السوفيات، مع ان معظم تاريخهم كتب بالدماء؟!
الحق يقال ان هؤلاء وغيرهم من الجبابرة الاقوياء انما كانوا يكيلون هم ايضاً بمكيالين ويزنون بميزانين، ولا يتورعون عن تجاوز الحق والعدل خدمة لمصالحهم في ديار المستضعفين. لكن اياً منهم لم يتحزّب لنبي واحد من انبياء الله الثلاثة موسى وعيسى ومحمد في ارض فلسطين الا وحلّت عليه لعنة النبيين الآخْريْن (...).
فالحرب سيدي، في ارض الله المقدسة هي حرب انبياء لا حرب ارهابيين... وما كان انبياء الله ليرضوا تدخل اي مستكبر من البشر في علائقهم المتبادلة وزعزعة التوازن القائم بينهم. لذلك ان كنتم ترغبون في اكتساب ولاء العالم وحبه واحترام الامم جمعاء لكم، فيتعين ان تعملوا بروح العدالة... وليس بروح اي عدالة في المطلق... بل بروح العدالة المثالية في قضية فلسطين بالذات... فلم يكن جائزاً على الاطلاق ان تقف الولايات المتحدة طيلة نصف قرن وحدها الى جانب اسرائيل في كل قضية مطروحة امام الجمعية العمومية للامم المتحدة، ويقف المجتمع الدولي بأسره في الجانب الآخر. كما لم يكن جائزاً على الاطلاق ان تستعمل اعظم دولة في العالم حق "الفيتو" طيلة نصف قرن ضد اي قرار يجمع عليه سائر اعضاء مجلس الامن وتكون فيه ادانة مباشرة او اجراء تأديبي ما لاسرائيل، سواء اخطأت او اصابت!
وقد تبين لكم أخيراً، بما لا ريب فيه ان العالم بأسره، سرعان ما يصافح الولايات المتحدة ويصالحها عندما تلوح في موقفها "بارقة عدالة" بالنسبة لقضية فلسطين. فما ان اعلن وزير الخارجية باول في خطابه بجامعة لويزفيل، الخطوط العريضة للسياسة الاميركية الجديدة في تسوية عادلة للنزاع الدامي بين الاسرائيليين والفلسطينيين، حتى ظهر التأييد الواسع لمشروعكم في مختلف الاوساط الاقليمية والدولية، وبادرت السلطة الفلسطينية الى الموافقة فوراً على ما اقترحتموه. والجهة الوحيدة التي استقبلت ذلك الاقتراح الموضوعي البنّاء بالرفض كانت عصابة شارون المجرمة التي اودت في اليوم عينه بحياة 12 فلسطينياً بينهم 5 اطفال، وهدمت 27 منزلاً في الضفة الغربية وقطاع غزة على اصحابها نزلاء المخيمات البائسة الذين سمح لهم بعد عقود ان يسكنوا بيوتاً من اللبن عوضاً عن الخيام؟! وهو الامر الذي دفع بالمقاومين الفلسطينيين الى تفجير انفسهم في عمليات انتحارية نوعية متوالية... ولم يعد خافياً على احد، ولا على ادارتكم ان عنف شارون يكون دائماً، وفي كل مناسبة تقتربون فيها من فرض السلام، هو الفعل الارهابي الاساسي الذي يستدعي "رد فعل" من نوعه، والبادئ أظلم...
فكيف تريدون ان يتوارى الارهاب دفعة واحدة، وتسقط حجة بن لادن وغير بن لادن الى الابد، ولا تبقى ثمة حاجة الى استنفار الجيوش وتجريد الاساطيل البحرية والجوية للبحث عن "ابرة في كومة من التبن"؟ لكنني اؤكد لكم انه لو قيّض لما اعلنه وزير خارجيتكم ان يتحقق طبقاً لخطة عملية جدية وموضوعية تعطي كل ذي حق حقه، واستطعتم في سبيل ذلك تحييد الدولة الخزرية وكف اذاها، بالمساعي الفائقة التي يبذلها موفدكم اللبناني الاصل (من آل زعني) الجنرال زيني، وهو محاور مخضرم من الطبقة العليا، لحميتم مصالح اميركا بسلاح المحبة، واستغنيتم عن هدر مليارات الدولارات بمجرد تحية طيبة وابتسامة صادقة لضحايا الظلم والقهر والعدوان.
* * *
واخيراً، لا بد من تحفظ نحرص على ابدائه لكم سيدي، وهو ان القرار الذي وضعته الادارة الاميركية بادراج المقاومة اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية في قائمة الارهاب، انما ينسف مشروعكم الذي عرضه كولن باول في خطابه المشار اليه اعلاه من اساسه. فنحن على يقين ان الصهيونية التي اوحت هذا القرار ارادت ان تقطع الطريق على حركات التحرير الوطنية هذه، كي تنصاع بالتضييق المالي للارادة الدولية الفوقية التي تؤكد بما لا يقبل النقض او التحريف منذ تأسيس دولة اسرائيل انها "وجدت لتبقى". وما دامت هذه الحركات والاحزاب المقاومة تنادي بـ"زوال تلك الدولة" نهائيا من المنطقة، فيجب اعتبارها "ارهابية"، والقضاء عليها بمنطق الحريصين على بقاء اسرائيل، ويكون ذلك بقطع الموارد عن مقاوميها بعدما تعذر استئصال شأفتهم بالعنف والارهاب الاسرائيليين!
الواقع ان كل اللبنانيين والعرب المخلصين المؤمنين العقلاء، يوافقون اساسا على حق اسرائيل في الحياة. ولا نعتقد ان "حزب الله" او حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" يقولون اليوم مقولة المغفور له احمد الشقيري بوجوب "القاء اليهود في البحر"... ولكن من يضمن لهؤلاء المجاهدين الشرفاء، ولشعوب هذه المنطقة التي تحترم جهادهم، ويعبرون عن مخاوفها اكثر من طموحاتها، الا تلقي بهم اسرائيل وبنا جميعا في الصحراء!!!
عن احد حكماء فارس القدامى قوله: "طلب مني السلطان ان اسلمه سلاحي ليعطيني الأمان... ولكن اي امان سأنعم به ان طاحه الجند وجاء من يسخر بامانه ويبول على قبري؟!!".
لذلك يأمل ابناء هذه المنطقة جميعا ان يتضمن مشروعكم الذي نص على معطيات اساسية ممتازة لحل القضية، ملحقا جوهريا يضع الشروط النهائية لحدود دولة اسرائيل، والحد النهائي لمطامعها التوسعية، والضوابط الثابتة النهائية لتعاونها مع جيرانها سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا، وذلك بصيغة "اعلان عالمي وعقد ملزم" لهذه الدولة توافق عليه الجمعية العمومية للامم المتحدة ومجلس الامن الدولي بالاجماع.
حينذاك، نؤكد لكم، ان الانتفاضة والمقاومة ستلقيان السلاح، من دون لوائح ولا حجز اموال ولا مطاردات واعتقالات واعدامات واغتيالات... وسيتم التطبيع الذي ترغب فيه اسرائيل، بلا تكلف ولا محاباة... وستبقى الولايات المتحدة الى الابد الدولة العظمى الوحيدة، بعد بابل نبوخصنصر، وروما تيتوس، وحملات ريكاردوس قلب الاسد، وجهاد صلاح الدين الايوبي، وسيوف السلاطين من بني عثمان... الدولة الوحيدة التي اوجدت حلا طبيعيا ملائما للارض التي يسكنها موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام.
وعندها لن يكون ارهاب.
اما ان عجزتم عن تحقيق ذلك، فثقوا وتأكدوا انكم ستواجهون في هذا العالم بعد اليوم، الوفا من امثال اسامة بن لادن، لانكم لا سمح الله، تكونون قد خبّأتم العقرب في جحر آمن تحت فراشكم لا يستطيع احد ان يصل اليه ويسحقه. وثقوا وتأكدوا، ان كل جهد بذلتموه او تبذلونه وتبذله الولايات المتحدة لحماية ذلك العقرب الذي وطنت له في جحرها، سوف لن يكون عنده تجاوب من طبيعته، لانه لا يعرف الوفاء ولا يؤمن بالغفران.(النهار اللبنانية)