&
بقلم روبرت فيسك

استلزمني مساعدة صديقي الصحفي الايرلندي فنسنت برون ليشير الى ما كان واضحا بالنسبة لي. خلال قراءة آلاف التقارير الصحفية حول "عواقب" الحرب الأفغانية.. الم كبير اصاب رأسي وبلغ حجم أفغنستان..& تخدرت من جراء الأكاذيب. أخيرا، تحررت النساء الأفغانيات، كانت قوات حفظ السلام "التابعة لنا" متجهة الى أفغانستان، دمرت حركة طالبان، انهارت العروض المقاومة لأميركا في باكستان- سننسى أمر مناوشاتي القليلة التي دارت مع بعض الأفغان الحقيقيين هناك منذ اسبوعين. كان تنظيم القاعدة يخرج من كهوفه "بالدخان".. كان أسامة بن لادن- جيدا، لم يؤسر أو حتى يمت؛ الا أنه كان- جيدا، امتلك الأميركيون شريط فيديو مسجل، لم يفهمه أي عربي التقيت به، الأمر الذي "يثبت" بأن وحشنا الأخير خطط للجرائم ضد الانسانية في نيويورك وواشنطن.
لذلك استدعى الأمر مني الاستعانة بفنسنت.. بتنفسه كمحرك بخاري، كما يفعل دائما عندما يكون غاضبا، ارشدني الى وكالة دبلن للأنباء "غيما". سأل: "بوب، ماذا يحدث؟". "هل رأيت العناوين الرئيسية لكل هذا؟" وسحب مجلة "نيوزويك" عن الرف. العنوان: بعد الشر.
سألني فينسينت "ما كل هذا؟". وجه اسامة بن لادن المسجل على الفيديو يحدق بنا من غلاف المجلة، صورة معتمة، شيطانية من دوائر جهنم لدانتي.. لقد أعلن ستالين عندما استولى على برلين بأن جيوشه دخلت الى "عرين الوحش الفاشي". الا أن الحرب العالمية الثانية لا تملك شيئا على هذا.
لنكتب "قصة حتى الآن". بعد أن حطم مجموعة من العرب المجرمين أربعة طائرات في مركز التجارة العالمي، البنتاغون وبنسيلفينيا، جريمة ارتكبت بحق الانسانية كلفت أكثر من 4 آلاف من الارواح البريئة، أعلن الرئيس بوش شن حملة لتحقيق "العدالة" المطلقة- انحدر لاحقا الى الحرية المطلقة- وقصف أفغانستان.
قصفت القوات الأميركية، مستغلة الرجال المسلحين والمجرمين التابعين لقوات تحالف الشمال السفهاء لتدمير الرجال المسلحين والمجرمين في حركة طالبان السفيهة، معاقل الكهوف التابعة لبن لادن وقتلت مئات من الأفغان والمقاتلين العرب، هذا من دون أن نذكر السجناء الذين اعدموا بعد عملية إخماد الثورة التي تصاعدت في سجن مزار الشريف على يد البريطانيين، الاميركيين& وقوات التحالف الشمالي.
&ساهم انتاج شريط بن لادن المسجل الذي اعتبر& دليلا نهائيا يدينه أمام الاعلام العالمي والذي تجاهله بعناد العالم الاسلامي، في حجب واقع اختفاء السيد شر. كذلك ساعد في تلوين بعض الحقائق الأخرى. يمكننا أن نتناسى بأن الهجمات الجوية الأميركية وبموجب الاحصاءات التي أجراها بروفسور في جامعة شيكاغو، أودت حتى الآن بحياة عددا من الأفغان يفوق عدد الغربيين الذين قتلهم خاطفي الطائرات بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي. ويمكننا أن ننسى أن القائد الغامض لحركة طالبان الملا عمر فر أيضا.&&&&
يمكننا تجاهل الواقع بأنه وباستثناء عدد قليل من النساء في أفغانستان، تقريبا كل الأفغانيات في كابول لازلن ترتدين البرقع. وبالتأكيد نستطيع أن نغمض أعيننا عن التفوق الهائل في عدد القتلى في صفوف قوات التحالف الشمالي الماثلين في الحكومة الجديدة في كابول الموالية للغرب والمدعومة من الأمم المتحدة. بامكاننا التصفيق لدى وصول الخمسين الف جنديا من قوات البحرية الملكية الى أفغانستان في آخر هذا الأسبوع ليدعموا قوى "السلام" التي تقودها الأمم المتحدة والمنتدبة من البريطانيين، والتي تتشكل من عدة آلاف من الرجال الذين يستلزمهم الحصول على اذن من حكومة كابول ليعملوا في المدينة والتي سيتحول عددها الى ثلث الجزء المكمل للجيش البريطاني الذي دمر في مدخل حصن كابول عام 1842. تعتقد قوات "السلام" بأنها ستضطر للدفاع عن بعثات المساعدات الانسانية من اللصوص والمنشقين عن حركة طالبان.
في الواقع، ستضطر الى محاربة المافيات التابعة لقوات التحالف الشمالي، تجار المخدرات والقادة العسكريين، وكذلك رجال حرب العصابات الذين يرسلهم الناجين من أتباع أسامة بن لادن. أقل ما يمكن قوله هو أن حركة طالبان جعلت طرقات وقرى أفغانستان آمنة للأفغان وكذلك للأجانب. أما الآن، فنادرا ما يمكنكم القيادة من كابول الى جلال أباد.
اذا افترضنا بأن وكالة الاستخبارات المركزية ستسمح لنا بأن ندفع لرجال العصابات التابعين للتحالف مقابل حربهم في أفغانستان. واحدة من بين القصص غير المحكية التي وقعت في هذا النزاع هي أن كميات هائلة من الأموال سلمت للقادة العسكريين لتحفيزهم على القتال مع الولايات المتحدة الأميركية. عندما انشق أعضاء من حركة طالبان عنها مقابل 250 ألف دولار دفعته قوات التحالف الشمالي ومن ثم هاجمت المتبرعين فيه، جميعنا أسهبنا على غدرهم، ولم يسأل أي منا عن كيفية تمكن التحالف الشمالي الذي لم يكن يملك المال ليدفع مقابل الرصاص قبل بضع أسابيع من دفع ربع مليون دولار لطالبان في الوقت الذي كان يدور القتال. وكذلك لم نسأل كيف تمكن القادة من قبائل الباشتون الذين كانوا في مقاطعة قندهار من التجول اليوم بسيارات جديدة حاملين آلاف الدولارات ليسلموها الى رجالهم المسلحين. لم أتفاجأ عندما قرأت بأن قائدا عسكريا من الصومال يعرض اليوم خدماته للولايات المتحدة مقابل المال في الجولة التالية من حرب الحضارة.&
ولحسن حظنا، يبقى الضحايا المدنيون من الـ"بي 52" الأميركية مجهولين في قبورهم التي حفرت حديثا. حتى قبل انتهاء الحرب، مزق حوالي 3700 منهم باستثناء الرجال المسلحين التابعين للملا عمر وبن لادن، الى أجزاء خلال حربنا للتحضر. والاشارات القليلة الدالة على عدم الرضى- مثل الحشود التي اهانتني منذ اسبوعين، والغاضبة لمقتل عائلاتها- يمكن أن تمحى بسرعة من السجلات.
السئ في الامر أنني لم ألتق بأي مسلم عادي أو، العديد من الغربيين-الباكستانيين، الأفغان، العرب، البريطانيين، الفرنسيين، الأميركيين- ووجدت أنهم صدقوا فعليا كل هذا الهراء. دعونا نتذكر فقط بأن حكومة كابول الجديدة ملتزمة لدعم "الاسلام، الديمقراطية، التعددية (كما وردت) والعدالة الاجتماعية" بقدر ما بوش ملتزم لدعم& الخير(كما وردت) ولتدمير الشر. تقدمي أيتها السنة التالية ولا تقلقي بشأن بن لادن- الذي من الممكن أن يعود في الوقت المناسب ليشارك في الجزء الثاني من حرب الحضارة.&&
(اندبندنت)