&
لندن ـ نصر المجالي: في البيان الذي صدر في ختام اجتماعات مؤتمر جبهة العمل الاسلامي وهي الذراع السياسي لحركة (الاخوان المسلمون) هنالك غزل لم يكن موجودا في الاساس مع العشائر والقبائل وزعامتها مع هذا الفريق السياسي.
والقبائل الأردنية وهي اساس الكيان الاردني، ظلت منذ انشاء الكيان الهاشمي موالية له في السراء والضراء وانخرط ابناؤها في الجيش وهو دعامة النظام الهاشمي منذ العام 1920، سنة قيام الكيان.
واذا اقام الكيان نفر من آل البيت ممثلين بالملك الراحل عبد الله الاول، فان اهل البيت الاردنيون تنادوا على مر العقود لحمايته، وفي ذلك حماية لهذا الكيان الجديد الناشىء على خلفية جميع الاتفاقيات الدولية من اتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية لاقتسام بلاد الشام وحتى وعد بلفور الذي يعطي فلسطين لليهود وطنا قوميا.
ويومها قال اهل الاردن قصيدا من الشعر النبطي فيه بيت يقول :
يا أمير حنا عزوتك جلايبك يوم المبيع
خذنا على سوق المنايا وعيب على اللي ما يبيع
واذ اخذ الامير عبد الله العهد، فانه بعد سنين اقام مملكة واعطاها في العام 1946 اسم المملكة الاردنية الهاشمية، عهدا ووعدا بين اهل البيت وآل البيت.
واذ ذاك فان ابناء الاردن الجديد انخرطوا في اطار مصمم نحو بناء بلد في اجهزة الامن وخصوصا القوات المسلحة التي ظلت للسنوات الخمسين الماضية في نفير عام حماية للعهد مع العرش وحماية لكيان الاردنيين الجديد سواء بسواء.
وهؤلاء الاردنيين انخرطوا في تشكيلات حزبية في الاربعينيات والخمسينيات، وكانت تجارب فيها النجاح وفيها الفشل ايضا، وحصيلة ذلك ان الكيان الجديد يزداد قوة ومنعة على الرعم من ظروف الحروب والضائقات الاقتصادية.
الاردن بلد فقير حتى ان بحره "ميت" وميناءه "عقبة" اسماء على مسميات ولكل امرء من اسمه نصيب ولكن حب البقاء "اصبح عادة الاردنييين".
اجتماع جبهة العمل الاسلامي الاخير وما صدر عنه من بيانات، اذا صحت النيات تؤكد البعد الوطني والتمسك بجوهره، امام حملة شرسة يواجهها الاردن ولم يعلن شكواه منها بعد.
وهذه الجبهة على مدى سنوات اربع قاطعت كل محفل سياسي اردني رسمي وشعبي على خلفية الخطيئة التي ارتكبتها في عدم المشاركة في الانتخابات العامة للبرلمان التي جاءت ببرلمان غير مرضي عنه كثيرا حتى من جانب صاحب القرار الأعلى.
والجبهة تقول ان قانون الانتخابات الذي يفرض نظام "الصوت الواحد" كان هو السبب في المقاطعة، والحكم يقول ردا على ذلك "الانتخابات نجحت من دون لوائح تحشد، فلكل مواطن الحق في ترشيح واحد فقط ممثلا له في المجلس الديموقراطي".
وفي ظل عودة الحالة الديموقراطية في الاردن في العام 1989، فاز الاسلاميون بحصة الأسد في الانتخابات الاولى وشاركوا في الوزارة واعطاهم الحكم الذي يعاندوه كل ما يريدون، ومرت سنوات اربع عجاف في برلمان الديموقراطية الاول ولم تتحقق اية طموحات سياسية او اقتصادية لتعثر القرارات والقوانين في جدل عقيم تحت شعا "الاسلام هو الحل".
ولم يحل الاسلاميون اية مشاكل، وفشلهم كان ذريعا في توجيه السياسة التعليمية التي كانوا يحتلون وزارتها منذ السبعينيات. والدليل ان رئيس مجلس الشورى للجماعة اسحق الفرحان كان وزيرا للتعليم وعميدا لاهم كليات الجامعة الاردنية، وكذا حال عبداللطيف عربيات الذي كان امينا عاما للوزارة ووزيرا لها ثم انه اصبح بالتالي رئيسا للمؤسسة التشريعية الاردنية (البرلمان).
ماذا تحقق؟ ..لا شيء، هكذا يقول المراقبون العارفون في شأن مملكة الهاشميين. والاسلاميون في السنوات الاربع الماضية اثاروا شحناء العداوة والبغضاء بين ابناء البلد الواحد قبائليا، واجتماعيا، وسياسيا.
فهم من جراء ابعاد انفسهم عن الانتخابات الاخيرة، اثاروا ضد بلدهم قضية ابعاد جماعة (حماس) قبل سنتين الى دولة قطر بطلب منهم، واثاروا قضية اخرى حين عاد ابراهيم غوشة احد قادة (حماس) خلسة الى عمان في الصيف الماضي آتيا من الدوحة.
وهم كما يشير المراقبون اعلنوا العداء للقبيلة الاردنية لانهم مدركين انها عماد الجيش وهذا الاخير عماد النظام السياسي القائم.
في البيان الأخير الذي صدر امس الجمعة بعد اجتماعات لثلاثة ايام في قاعة الحسين هنالك تحولات في الخطاب السياسي للجماعة العمل الاسلامي، فهي اذ دعت جميع الاحزاب والفئات السياسية على الساح الاردني للوقوف صفا واحدا امام المؤامرة الاسرائيلية على كيان البلاد، فهي غازلت زعماء القبائل للتنادي الى الانضمام اليهم في هذه الدعوة التي تغري أي شخص بالانضمام اليها.
وهذه هي اول مرة في تاريخ هذه الحركة التي تتحدث فيها عن دور او انها تعترف بدور ابناء القبائل الاردنيين وهم بالطبع الغالبية العظمى سكانا وانتماءا وولاء من دون "صك اعتلراف من الاخوان المسلمين".
المحللون يشيرون الى ان هذا البيان الاخير له اهدافه الواضحة لصالح الحركة الاسلامية، فالانتخابات البرلمانية على الابواب وقد تكون في نهاية الخريف او مطلع الصيف، وقانون الصوت الواحد لا يزال قائما، وهذه الحركة "متشوقة الى دور سياسي في البلاد" وهي من دون القبائل تظل قوة غير مهمة تحت أي اعتبار، "ولهذا جاء البيان يدعو ابناء اهل البيت لمناصرتهم في المسائل الآتية".
ابناء اهل البيت الاردني، يعرفون مدى خطهم السياسي وامتدادات ولائه التاريخية، وهم برون ان بقاء الاردن مرتبط ببقاء آل البيت في الحكم، وغير ذلك يبقى من نسج السفسطائية السياسية التي لا تقدم ولا تؤخر استنادا الى ممارسة الجماعات الاسلامية على الساحة الاردنية، وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين بكل تفرعاتها وارتباطاتها السياسية والمالية والايدولوجية خارجيا.
هذه الحركة تؤيد جميع المرفوضين على نحو محلي اردني بحت ودولي ايضا، فهي الى اللحظة مع اسامة بن لادن مع كل اعترافاته بالارهاب الذي ارتكبه"الصبية المؤمنون من جماعته المرتزقة بدولارات تسد عليهم رمق العيش في الغربة" وهي ايضا "سيدة الولاء للنظام العراقي غير الاسلامي على الساحة الاردنية، ووفودها تتقاطر الى بغداد منذ سنوات عشر معلنة الولاء لمعتد على جار عربي اسلامي".
وهي فوق ذلك تتجاوز جميع القوانين الاردنية، في اصدار بيانات التكفير لهذه الجهة او تلك من الجهات الاعلامية والسياسية والثقافية الاردنية في منهجية واضحة، وهي اخيرا صارت تتدخل بين الازواج للتفريق بينهما تحت فتاوى تصدر في السر احيانا وراح ضحيتها الكثيرون اجتماعيا ونفسيا ومعنويا.
واخيرا، فان الحركة لم تتورع في الاوان الأخير عن اصدار بيانات دانت فيها سلطة الحكم الرسمية لمنع مسيراتها غير المنضبطة في الشارع الاردني لتأييد الثائر (الاسلامي) في كهوف افغانستان.
حتى ان عبد اللطيف عربيات وقف قبل اسبوعين في ندوة عربية اسلامية ينفي فيها ان يكون اسامة بن لادن هو الشخص الذي اذيع على نحو عالمي في شريط الفيديو اياه، وقال الدكتور والوزير والبرلماني وزعيم الجبهة عربيات "هذه افاعيل هوليوود".