&
يخطئ من يظن ان الادارة الاميركية الحالية تقتفي خطى رونالد ريغن وحده في الشرق الاوسط لأن المهيمن على الفكر السياسي لمعاوني جورج دبليو بوش هو، غالب الاحيان، طيف هنري كيسينجر.
وأكثر الناس تقليدا لكيسينجر في أفكاره هي كوندوليزا رايس الجامعية المتخصصة في شؤون شرق أوروبا وروسيا بالتحديد، ولكن من غير عبقرية " Dear Henry" كما كان الرئيس انور السادات يهوى ان يدعوه.
عكس الاطباء الذين يؤمنون بأن معالجة المريض لا تجدي الا بعد زوال الالتهاب، كان كيسينجر يعتقد ان الامراض الخبيثة لا يصلح اجتثاثها الا في الملمات. وذلك ما حدا الرئيس المصري الراحل على ولوج طريق الحرب في تشرين الاول ،1973 وما جعل بوش يقول بقسوة في السنة الفائتة حول الحالة المفجعة التي وصلت اليها الضفة وغزة وكان ذلك اول الغيث: دعوا الدماء تسيل ثم نرى ماذا يجب ان نفعل. وقد كتب في حينه محمد حسنين هيكل، من واشنطن، انه لا يوجد على مكتب الرئيس الاميركي العائد من العطلة الى البيت الابيض في واشنطن، اي ملف يحمل اسم فلسطين.
أقوال البيت الابيض وان بدت ريغانية الاسلوب - تشريع الحرب كوسيلة لوقف المد الشيوعي المتدفق آنذاك - هي كيسينجرية المحتوى: الوصول الى السلام عن طريق الحرب وفي أشد الازمات استعاراً كما فعل كيسينجر في فيتنام وفي الشرق الاوسط. لذلك نرى انه بينما يقوم شارون بأشنع اعماله في الضفة وفي جنين، تعلن الولايات المتحدة، ولو مبدئيا، بواسطة الامم المتحدة، قيام دولة فلسطين التي قيل يوما عنها ان الرئيس ريغن عندما سأله أحدهم حولها، تساءل امام زائريه: موافق، ولكن اين سنقيمها؟
هم الرئيس بوش الابن، المتدين والمتزمت، هي هموم كيسينجر اليهودي الانتماء ولو ثقافيا على الاقل: أمن اسرائيل واستمراريتها اي بقاؤها دولة مرفوعة الرأس في خضم العالم العربي والاسلامي المحيط بها. لقد وجد كيسينجر عند السادات مبتغاه، اذ ان انسحاب مصر من ساحة المعركة الشرق الاوسطية يضمن أمن اسرائيل من حرب على جبهتين، بينما بوش وأعوانه تصوروا ان ياسر عرفات خذلهم مرارا بتورطه في "الارهاب" بعد رفضه المساومة على القدس وعلى حق العودة، فقسوا عليه الى آخر الحدود. على انه لما تبين لهم ان لا بديل منه في المرحلة المقبلة عادوا ورضوا به، وان لم يرضوا عنه.
كل أفكار هنري كيسينجر عن الشرق الاوسط والتي دونها في كتابه الاخير "هل تحتاج أميركا الى سياسة خارجية؟" عام 2001 نجدها مقتبسة من كوندوليزا رايس بدون تحفظ.
يقول كيسينجر ان الدول العربية "تطالب اسرائيل بالتخلي عن الاراضي المحتلة، وهو شيء ملموس، في مقابل الاعتراف بحقها في الوجود، وهو شيء يمكن الرجوع عنه". لذلك تعارض رايس قيام دولة فلسطينية تبدو حدودها ملامسة للبحر في قلقيلية وتترك رسم الحدود الى اتفاقات لاحقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين تضمن أمن اسرائيل.
يضيف كيسينجر ان العرب "قد يقبلون بتسوية لعدم وجود بديل افضل لكنهم سيتعاملون مع القضية... كضرورة ممزوجة بالتصميم على الانتظار ريثما تحين فرصة لاستعادة ما فُقد". ان كيسينجر ورايس، وأحيانا الرئيس بوش، يحاسبون العرب على النيات ويعتبرون ان أكبر دلالة على سوء النية هذه، الاعمال "الارهابية" الفلسطينية داخل اسرائيل المعترف بها دوليا عام .1948
الفرق بين المرحلتين، الكيسينجرية والحالية، هو انه فيما كان كيسينجر بين اعوام 1973 و1977 يتوخى لجم العرب المدعومين من السوفيات باخراجهم من المعادلة الشرق الاوسطية صفر الدين، فإن ما يقوم به بوش الابن اليوم بالنسبة الينا، هو ان كيسينجر كان يلجم العرب لأمن اسرائيل بينما بوش الابن يتوخى، لمصلحة اميركا الاستراتيجية والنفطية، لجم اسرائيل. افلح كيسينجر في اخراج مصر السوفياتية اللون على الاقل من المعادلة الشرق الاوسطية لمصلحة اسرائيل ويريد جورج دبليو بوش ان تبقى مصر الساداتية والمملكة السعودية الروزفلتية، ضمن المعادلة الشرق الاوسطية لمصالح اميركا المتعددة ولمصلحة امن اسرائيل على حد سواء.
من مفارقات الزمن حقا ان نرى شارون يدافع عن قيام دولة فلسطين التي دمر آخر معالمها لأن نتنياهو وشارون هما الوجهان للعملة المخدراتية ذاتها التي يقوم بتبييضها بيريس في المصارف الاوروبية والمنتديات العالمية.
لمواجهة هذا الاندفاع الاسرائيلي الى الاسوأ بأسلحة اميركية متطورة يجد العرب انفسهم مجبرين على اعتماد اسلحة الشهادة وهي تارة "الارهاب"، كما تنعته بذلك واشنطن، وطورا تقبيل اليد الاميركية داعين لها بالكسر، طالبين العفو عما فعله بن لادن ابن المملكة السعودية غير البار، معلنين ان ليس في نيتهم استعمال النفط كسلاح كما فعل السلف ومات من اجله.
لهذا الكلام مغزيان، يقول احد المعلقين في "الواشنطن بوست" في 4/5/:2002 "لقد سارع السعوديون الى القول ... ان النفط ليس سلاحا، مما يؤكد بالطبع ادراك الجميع ان النفط ليس سلاحا حتى الآن".
ان العطاءات الاميركية لاسرائيل بلغت ما يقارب مئة مليار دولار منذ تأسيسها، وهي الارقام الرسمية المتوافرة، تضاف اليها هبات الافراد والمجتمعات والمؤسسات.
فضلا عن ذلك فان حكام اسرائيل يستظلون العفو الاميركي عن جرائمهم المتعددة: طمست اميركا معالم صبرا وشاتيلا عبر المحاكم البلجيكية بما في ذلك اغتيال ايلي حبيقة، اذ اقفل ملف الاغتيال هذا في اسرع من البرق. ثم معالم جريمة جنين بالغاء لجنة تقصي الحقائق التي الفها كوفي عنان. وعارضت قيام محكمة عليا لتقصي جرائم الدول تعينها الامم المتحدة وذلك لتفادي كل ملاحقة للجيش الاميركي على ما اقترفه في افغانستان وللجيش الاسرائيلي في حملته على "الارهاب"، من جنين الى نابلس الى رام الله.
يقول مثل انكليزي شائع ان في وسع القانون ان يفعل كل شيء الا ان يحول الانثى ذكرا والذكر انثى. في وسع اميركا ان تفعل كل شيء حتى ان تقنع لجنة نوبل باعطاء شارون، مكافأة على افعاله في الضفة، جائزة السلام بعدما منحه بوش لقب "رجل السلام". الا ان اميركا مهما حاولت لا تستطيع ان تجعل من رجل الموت في صبرا وشاتيلا وجنين رجل المحبة والالفة والتفاهم بين العرب واسرائيل لأن الناس تعرف واوروبا تعرف والاسرائيليين الذين خرجوا للتظاهر باسم السلام والانسحاب من الضفة وغزة يعرفون، ان شارون يحمل على جبينه شعار الموت وليس غصن الزيتون وان لم يصرخ احيانا كما كان يفعل الجنرال اليميني في الحرب الاهلية الاسبانية عام :1936 VIVA LA MORTE اي عاش الموت.
بينما نحن ما زلنا نصرخ من اعماق صدورنا وقلوبنا، من مدريد الى باريس الى واشنطن الى جنين: عاشت الحياة، تحيا فلسطين.(النهار اللبنانية)
وأكثر الناس تقليدا لكيسينجر في أفكاره هي كوندوليزا رايس الجامعية المتخصصة في شؤون شرق أوروبا وروسيا بالتحديد، ولكن من غير عبقرية " Dear Henry" كما كان الرئيس انور السادات يهوى ان يدعوه.
عكس الاطباء الذين يؤمنون بأن معالجة المريض لا تجدي الا بعد زوال الالتهاب، كان كيسينجر يعتقد ان الامراض الخبيثة لا يصلح اجتثاثها الا في الملمات. وذلك ما حدا الرئيس المصري الراحل على ولوج طريق الحرب في تشرين الاول ،1973 وما جعل بوش يقول بقسوة في السنة الفائتة حول الحالة المفجعة التي وصلت اليها الضفة وغزة وكان ذلك اول الغيث: دعوا الدماء تسيل ثم نرى ماذا يجب ان نفعل. وقد كتب في حينه محمد حسنين هيكل، من واشنطن، انه لا يوجد على مكتب الرئيس الاميركي العائد من العطلة الى البيت الابيض في واشنطن، اي ملف يحمل اسم فلسطين.
أقوال البيت الابيض وان بدت ريغانية الاسلوب - تشريع الحرب كوسيلة لوقف المد الشيوعي المتدفق آنذاك - هي كيسينجرية المحتوى: الوصول الى السلام عن طريق الحرب وفي أشد الازمات استعاراً كما فعل كيسينجر في فيتنام وفي الشرق الاوسط. لذلك نرى انه بينما يقوم شارون بأشنع اعماله في الضفة وفي جنين، تعلن الولايات المتحدة، ولو مبدئيا، بواسطة الامم المتحدة، قيام دولة فلسطين التي قيل يوما عنها ان الرئيس ريغن عندما سأله أحدهم حولها، تساءل امام زائريه: موافق، ولكن اين سنقيمها؟
هم الرئيس بوش الابن، المتدين والمتزمت، هي هموم كيسينجر اليهودي الانتماء ولو ثقافيا على الاقل: أمن اسرائيل واستمراريتها اي بقاؤها دولة مرفوعة الرأس في خضم العالم العربي والاسلامي المحيط بها. لقد وجد كيسينجر عند السادات مبتغاه، اذ ان انسحاب مصر من ساحة المعركة الشرق الاوسطية يضمن أمن اسرائيل من حرب على جبهتين، بينما بوش وأعوانه تصوروا ان ياسر عرفات خذلهم مرارا بتورطه في "الارهاب" بعد رفضه المساومة على القدس وعلى حق العودة، فقسوا عليه الى آخر الحدود. على انه لما تبين لهم ان لا بديل منه في المرحلة المقبلة عادوا ورضوا به، وان لم يرضوا عنه.
كل أفكار هنري كيسينجر عن الشرق الاوسط والتي دونها في كتابه الاخير "هل تحتاج أميركا الى سياسة خارجية؟" عام 2001 نجدها مقتبسة من كوندوليزا رايس بدون تحفظ.
يقول كيسينجر ان الدول العربية "تطالب اسرائيل بالتخلي عن الاراضي المحتلة، وهو شيء ملموس، في مقابل الاعتراف بحقها في الوجود، وهو شيء يمكن الرجوع عنه". لذلك تعارض رايس قيام دولة فلسطينية تبدو حدودها ملامسة للبحر في قلقيلية وتترك رسم الحدود الى اتفاقات لاحقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين تضمن أمن اسرائيل.
يضيف كيسينجر ان العرب "قد يقبلون بتسوية لعدم وجود بديل افضل لكنهم سيتعاملون مع القضية... كضرورة ممزوجة بالتصميم على الانتظار ريثما تحين فرصة لاستعادة ما فُقد". ان كيسينجر ورايس، وأحيانا الرئيس بوش، يحاسبون العرب على النيات ويعتبرون ان أكبر دلالة على سوء النية هذه، الاعمال "الارهابية" الفلسطينية داخل اسرائيل المعترف بها دوليا عام .1948
الفرق بين المرحلتين، الكيسينجرية والحالية، هو انه فيما كان كيسينجر بين اعوام 1973 و1977 يتوخى لجم العرب المدعومين من السوفيات باخراجهم من المعادلة الشرق الاوسطية صفر الدين، فإن ما يقوم به بوش الابن اليوم بالنسبة الينا، هو ان كيسينجر كان يلجم العرب لأمن اسرائيل بينما بوش الابن يتوخى، لمصلحة اميركا الاستراتيجية والنفطية، لجم اسرائيل. افلح كيسينجر في اخراج مصر السوفياتية اللون على الاقل من المعادلة الشرق الاوسطية لمصلحة اسرائيل ويريد جورج دبليو بوش ان تبقى مصر الساداتية والمملكة السعودية الروزفلتية، ضمن المعادلة الشرق الاوسطية لمصالح اميركا المتعددة ولمصلحة امن اسرائيل على حد سواء.
من مفارقات الزمن حقا ان نرى شارون يدافع عن قيام دولة فلسطين التي دمر آخر معالمها لأن نتنياهو وشارون هما الوجهان للعملة المخدراتية ذاتها التي يقوم بتبييضها بيريس في المصارف الاوروبية والمنتديات العالمية.
لمواجهة هذا الاندفاع الاسرائيلي الى الاسوأ بأسلحة اميركية متطورة يجد العرب انفسهم مجبرين على اعتماد اسلحة الشهادة وهي تارة "الارهاب"، كما تنعته بذلك واشنطن، وطورا تقبيل اليد الاميركية داعين لها بالكسر، طالبين العفو عما فعله بن لادن ابن المملكة السعودية غير البار، معلنين ان ليس في نيتهم استعمال النفط كسلاح كما فعل السلف ومات من اجله.
لهذا الكلام مغزيان، يقول احد المعلقين في "الواشنطن بوست" في 4/5/:2002 "لقد سارع السعوديون الى القول ... ان النفط ليس سلاحا، مما يؤكد بالطبع ادراك الجميع ان النفط ليس سلاحا حتى الآن".
ان العطاءات الاميركية لاسرائيل بلغت ما يقارب مئة مليار دولار منذ تأسيسها، وهي الارقام الرسمية المتوافرة، تضاف اليها هبات الافراد والمجتمعات والمؤسسات.
فضلا عن ذلك فان حكام اسرائيل يستظلون العفو الاميركي عن جرائمهم المتعددة: طمست اميركا معالم صبرا وشاتيلا عبر المحاكم البلجيكية بما في ذلك اغتيال ايلي حبيقة، اذ اقفل ملف الاغتيال هذا في اسرع من البرق. ثم معالم جريمة جنين بالغاء لجنة تقصي الحقائق التي الفها كوفي عنان. وعارضت قيام محكمة عليا لتقصي جرائم الدول تعينها الامم المتحدة وذلك لتفادي كل ملاحقة للجيش الاميركي على ما اقترفه في افغانستان وللجيش الاسرائيلي في حملته على "الارهاب"، من جنين الى نابلس الى رام الله.
يقول مثل انكليزي شائع ان في وسع القانون ان يفعل كل شيء الا ان يحول الانثى ذكرا والذكر انثى. في وسع اميركا ان تفعل كل شيء حتى ان تقنع لجنة نوبل باعطاء شارون، مكافأة على افعاله في الضفة، جائزة السلام بعدما منحه بوش لقب "رجل السلام". الا ان اميركا مهما حاولت لا تستطيع ان تجعل من رجل الموت في صبرا وشاتيلا وجنين رجل المحبة والالفة والتفاهم بين العرب واسرائيل لأن الناس تعرف واوروبا تعرف والاسرائيليين الذين خرجوا للتظاهر باسم السلام والانسحاب من الضفة وغزة يعرفون، ان شارون يحمل على جبينه شعار الموت وليس غصن الزيتون وان لم يصرخ احيانا كما كان يفعل الجنرال اليميني في الحرب الاهلية الاسبانية عام :1936 VIVA LA MORTE اي عاش الموت.
بينما نحن ما زلنا نصرخ من اعماق صدورنا وقلوبنا، من مدريد الى باريس الى واشنطن الى جنين: عاشت الحياة، تحيا فلسطين.(النهار اللبنانية)
التعليقات