&
ارتكب أرييل شارون أفظع جرائم الحرب التي عرفتها الإنسانية في التاريخ الحديث في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، من خلال حرب اجتياح وإعادة احتلال واسعة النطاق شهدتها الأراضي الفلسطينية على مدى أكثر من شهر، حاول خلالها شارون أن يفرض منطقه العدواني على الواقع العربي الذي بدا لا حول له ولا قوة.
ويمكن القول انه من مخاض هذه الحرب الشعواء حاول شارون أن يرتدي عباءة السلام ويدعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط!
وقد باركت الولايات المتحدة ـ بدون تردد ـ هذه الدعوة الغريبة، واستضافت العاصمة الأميركية واشنطن على عجل اجتماعا رباعيا غداة الغاء لجنة تقصي الحقائق الدولية التي كانت ستكشف حقيقة جرائم شارون، وشارك في المؤتمر الرباعي وزراء خارجية أميركا وروسيا وأسبانيا التي تمثل الاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة.
واتفقت الأطراف الأربعة على عقد هذا المؤتمر في أوائل هذا الصيف واستندوا إلى استراتيجية ذات أبعاد ثلاثة:
أولا: اتخاذ كل السبل لتكريس الأمن لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين مع (إعادة تشكيل جهاز الأمن الفلسطيني)!!
ثانيا: تقديم منح اقتصادية وإنسانية للشعب الفلسطيني مع (إعادة تشكيل مؤسساته السياسية بشكل ديمقراطي).
ثالثا: العودة الجدية السريعة لمائدة التفاوض بغية الوصول إلى تسوية سلمية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وإذا حاولنا قراءة ما بين السطور فيما تم ذكره سوف نكتشف على الفور أننا أقرب إلى ( المؤامرة) منها إلى (المؤتمر) حيث تدفع إسرائيل والولايات المتحدة لتوريط الأطراف الدولية الرئيسية في العالم حتى تأتي بتوقيع روسي وأوروبي وكذلك عربي.
وإذا حاولنا التوقف قليلا أمام الأبعاد الثلاثة المذكورة التي ظاهرها (الرحمة) وباطنها العذاب ربما تتضح الصورة أكثر!!
أولا: الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط يبحث في مقدمة (أجندته) القضايا الأمنية دون أن يربطها برؤية سياسية أشمل للصراع، لا شك أنها دعوة مغلوطة في تقديري لأنها تتجاهل ما تم الاتفاق عليه في مرجعيات السلام السابقة المتمثلة في مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو وكل الاتفاقيات والتعهدات التي تمت خلال السنوات العشر الأخيرة بالإضافة إلى قرارات الشرعية وتحديدا القرارين (242)، (338).
بعبارة أخرى إن هذا المؤتمر الغامض في أهدافه ومنطلقاته يضرب عرض الحائط بمبدأ متفق عليه بين الأطراف المعنية وهو (الأرض مقابل السلام).
وفي اعتقادي أن هذا التوجه سيعود بالمنطقة من جديد إلى نقطة الصفر واعتبار أن الأمن هو المقصد من أي تحرك دولي أو إقليمي مستقبلي، وليس السلام.
وعليه يصبح البحث عن الأمن بدون سلام عادل ودائم وشامل أمراً مشكوكاً في ضمانه.
ونلاحظ أن التركيز على إعادة تشكيل جهاز الأمن الفلسطيني يعني أن إسرائيل تريد جهازاً أمنياً فلسطينياً جديداً أقرب ما يكون من صنع إسرائيل ذاتها وظيفته خدمة المخططات الإسرائيلية. وتصبح مهمته الأساسية حماية أمن إسرائيل بعد فشل شارون في أن يضمنه ولو ليوم واحد لشعبه وإخفاقه فيما يسمى بخطة المائة يوم، ومن ثم يسعى شارون إلى الحصول على تعهدات دولية بإنشاء هذا الجهاز الذي يذكرنا بجيش لبنان الجنوبي المنحل إبان احتلال إسرائيل للجنوب اللبناني، بحيث تضمن إسرائيل ما يمكن تسميته بـ (فلسطنة) أي مواجهة مقبلة بحيث تكون المواجهة فلسطينية ـ فلسطينية.
وفي تصوري أن أي جهاز للأمن الوطني الفلسطيني يتكون من أبناء الوطن الواحد من الحماقة الاعتقاد أنه سوف يتناقض هذا الجهاز مع انتمائه، حيث إن مهمته هي حماية الأمن الفلسطيني وليس الأمن الإسرائيلي!
ثانيا: نلاحظ أن هذا المؤتمر المزمع عقده يتجنب الإشاره إلى إعلان الدولة الفلسطينية التي عاصمتها القدس الشريف، ويكتفي بالنظر إلى الشعب الفلسطيني على أنه شعب من اللاجئين يحتاج إلى مساعدات اقتصادية وإنسانية يتكرم بها العالم "المتحضر" عليه!
وفي التحليل الأخير نصل إلى أن القضية تبدو كأنها خلاف إسرائيلي فلسطيني حول (لقمة الخبز)..إذن هذا المؤتمر لن ينعقد مثلا لإيجاد حل لمشكلة عودة اللاجئين، ولكنه حسب البيان الصادر عن الاجتماع الرباعي المشار إليه سيحاول جمع تبرعات دولية للشعب الفلسطيني في شكل منح ومساعدات.
لكن اللافت للنظر أن فكرة المؤتمر تطرح موضوع القيادة الفلسطينية البديلة التي غلفت بعبارة ( إعادة تشكيل المؤسسات الفلسطينية بشكل ديمقراطي).
وكأن عرفات لم يأت إلى رأس السلطة الوطنية الفلسطينية باختيار الشعب الفلسطيني وأنه لا يعبر عن طموحاته وآماله، الأمر الذي يحتاج حسب التصور الإسرائيلي الأميركي إلى البحث عن وجوه ليس من المهم أن تكون باختيار الشعب الفلسطيني بقدر ما تتسم بالمرونة في التجاوب مع الضغوط الإسرائيلية الأميركية.
بعبارة أكثر وضوحا ان المؤتمر يهدف إلى إهمال إرادة الشعب الفلسطيني وينصب قيادة عميلة في مرحلة ما بعد هذا المؤتمر الذي ستحاك فيه خيوط لشيء ما قد يمثل شركا مستقبليا ينصب للجانب العربي عامة والفلسطيني خاصة.
ونقول ما أكثر الجرائم التي ترتكب باسم الديمقراطية وبخاصة عندما تأتي الدعوة من شارون نفسه، ليس لشيء سوى لكي يتهرب من إدانة العالم له كمجرم حرب يجب ملاحقته وتوقيفه وتقديمه للعداله الدولية إذا كان هذا العالم لديه شيء من الحق والإنصاف.
إن شارون يقتل ويدمر ويسعى جاهدا إلى إبادة الشعب الفلسطيني، ثم يدعو إلى السلام ويحث على عقد مؤتمر ينقذه ( شخصيا ) من العقاب ويبرر سياساته الوحشية وعدوانه الغاشم على الشعب الفلسطيني.
ثالثا: إن عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط قد يكون فكرة (مقبولة) إذا كان يستند إلى ما سبقه من جهد على طريق التسوية الشاملة ويتبنى الحقوق المشروعه للشعب العربي الفلسطيني ويدين العدوان الإسرائيلي، ويعاقب كل من تسبب في مقتل مئات الفلسطينيين في مجازر وحشية وقف العالم أمامها كأن الأمر لا يعنيه.
أما إذا كان المؤتمر لتنفيذ مخطط أميركي ـ إسرائيلي يهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة على أسس سياسية وجغرافية ( جيوبولتيكية ) جديدة تلتف حول الحقوق العربية وتقدم أشكالا خادعة تحمل مفاهيم مغلوطة للجانب العربي.. فهو سيمثل مأزقا خطيرا إذا وافق الجانب العربي على المشاركة فيه.
وفي هذه العجالة لا نملك غير تحذير النظام الرسمي العربي منه وندعو المجتمع المدني العربي إلى مناقشته وكشف حقيقته والإلتقاء بين الشعوب العربية ودوائر صنع القرار فيها من أجل الوقوف على حقائق الأمور قبل الانزلاق إلى ما لا يحمد عقباه.
نافلة القول.. إن من يستخف بقرارات الشرعية الدولية ولا يأبه بالرأي العام العالمي ويتحدي الإنسانية ويمارس أفظع الجرائم على النساء والأطفال والشيوخ بلا رادع أو مراجع ثم يقوم بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، إن من يقوم بذلك شخص لا يمكن الوثوق فيه مهما قدم تبريرات ووعد بالالتزام بأي تعهدات.
وإذا كنت لا أحبذ استخدام نظرية المؤامرة كمنهج في التحليل السياسي باستمرار من باب التسهيل عند تفسير السلوك السياسي لأي طرف من الأطراف إلا أنني عندما أتناول موضوع هذا المؤتمر أجد من الطبيعي إعمال هذه النظرية (المؤامرة) لأن شخصية مثل شارون لايمكن إلا أن يكون متآمراً.
ومن هنا ندق ناقوس الخطر من تلك المؤامرة المقبلة على الواقع العربي.
فهل يتجنب العرب الوقوع في الشرك؟
ـ كاتب مصري (البيان الإماراتية)