&
فجر الاعتداء على المطران غريغوار حداد مطران الروم الكاثوليك من جانب شابين مسيحيين يتهمانه بالتطرف في التسامح، ملف إعادة انتاج معارك وحروب طائفية جديدة، وخلق الأجواء التي فجرت حرب السبعة عشر عاماً بعد أن تعافى لبنان منها، ودخل مرحلة السلم الأهلي.
ويربط مراقبون بين حادث الاعتداء على حداد وحوادث اخرها اغتيال ايلي حبيقة، وخطف واغتيال ناشط القوات اللبنانية المنحلة رمزي عيراني، ويضعونها في سياق اثارة ملف التيار العوني وكثرة المطالبات بعودة العماد ميشال عون من منفاه في باريس، تدليلاً على مصداقية محاولات تنشيط عملية التحضير للأجواء الطائفية المقيتة.
تالياً، تقرير يرصد أهم المحطات في عمليات اعادة انتاج حرب أهلية جديدة في لبنان: في البداية يكشف ضابط كبير في المخابرات العسكرية اللبنانية ان بعض الرعايا الأجانب المقيمين في لبنان تلقوا مؤخراً نصائح غير مباشرة بأن يسارعوا بمغادرة لبنان وقضاء عطلة الصيف خارجه.
ويوضح الضابط المقرب من رئيس الجمهورية اميل لحود ان الحكومات الأجنبية التي نصحت رعاياها بذلك تتحدث عن معلومات تملكها حول أحداث مسلحة داخلية ستحصل في لبنان قريباً، محذرة من ان "بعض أجهزة المخابرات العربية والأجنبية التي نسقت لتفجير الحرب الأهلية بدءاً من 13 ابريل 1975، والتي تواصلت حوالي 17 عاماً، نجحت مؤخراً في إعادة انتاج الأجواء والأسباب والاستعدادات التي أفرخت الحرب".
من جملة هذه الأجواء، يبرز تصاعد ظاهرة قمع المعتدلين المسيحيين، وتصاعد ظاهرة التطرف على سبيل المثال، النائب الحالي وأحد المرشحين الأساسيين للرئاسة المقبلة للجمهورية ومن الموالين الأشد لسوريا وزير الصحة سليمان طوني فرنجية، كان في السجن قبل حوالي الشهر بتهمة أكثر خطراً من الجنح التقليدية كالسرقة وهتك العرض وما شابه، وهي اثارة النعرات الطائفية، اذ كان يرفض أن يتعلم مسلمو طرابلس في مدارس زغرتا الرسمية. ولما لم ينصع أحد لرفضه، عمد هو إلى تنفيذه عبر التعرض لعدد من هؤلاء الطلاب بالضرب، فارضاً عليهم عدم العودة الى مدارسهم.
هكذا يتحرك الأصوليون المسيحيون الآن، كما تحركوا قبل فتنة 75، وكانوا أحد أبرز أسبابها، وكان المطران حداد نفسه صاحب قصة مماثلة ومعبرة آنذاك. فقد كان معظم المسيحيين يسمونه ب"المطران الأحمر" أي ـ الشيوعي ـ عشية اندلاع الحرب ذلك العام، على الرغم من قرار صدر عن الكرسي الرسولي الفاتيكاني بتبرئته من اتهام الكنيسة في لبنان له بالهرطقة.
ويربط المراقبون بين اغتيال ايلي حبيقة ودوره ضد التيار العوني ويشيرون الى انه كان يعمل عشية اغتياله وبتنسيق ظاهر بدءاً من أغسطس الماضي، وبالتفاهم مع فريق رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، على استنهاض تيار ضمن الساحة المسيحية يكون مناوئاً لتيارات سياسية أخرى مثل "تيار ميشال عون والقوات اللبنانية والقاعدة الكتائبية" ويدللون على دعمه لوصول كريم بقرادوني لرئاسة حزب الكتائب.
ويضيف المراقبون الى جملة اصطناع الأجواء الطائفية حادث خطف واغتيال رمزي عيراني، ورغم ان ملف القضية مازال مطروحاً أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت حاتم ماضي، إلا ان ثمة مسلمات باتت مؤكدة، ومنها ان المهندس عيراني كان عاملاً رئيسياً في تهدئة الحركة الطالبية المعارضة تجاه سوريا، والسلطة اللبنانية، وكان مساهماً أساسياً في إبراز تباينات كبيرة بين "القوات" و"التيار العوني".
وبدا ان نجاح النهج الذي كان يعتمده عشية اغتياله، سيؤدي الى طرح تساؤلات ضمن "الخزان المعارض"، مما يؤدي الى تبديد تحركات هذا "الخزان" مهما كانت خاصة.
ولكن جاء خطفه، ثم قتله، لا ليشد فقط عصب الحركة الطالبية، وانما الشارع المسيحي على امتداده. ويؤجج الشائعات التي تنخر في جسد الثوابت الوطنية، وتنال من جهود ترسيخ أسس الوحدة الوطنية.
ويصب في قناة النفخ في نيران الفتنة محاولات تشويه وجه الدولة وتسميم الأجواء السياسية عبر ملفات ملغومة هي: ـ استمرار بقاء القائد السابق ل"القوات اللبنانية" سمير جعجع في السجن الانفرادي في وزارة الدفاع باليرزة.
ـ رفض الدولة التي تعبر عنه بأشكال مختلفة، وبمناسبات عدة، لعودة القائد السابق للجيش اللبناني الجنرال ميشال عون من المنفى الاختياري الذي قرره في فرنسا الى وطنه.
ـ عدم احترام الدولة للرئيس الأسبق للجمهورية أمين الجميل، والتعامل معه، منذ عودته الى لبنان قبل أشهر، كما يقول: "وفق لياقات دبلوماسية وبروتوكولية انسيابية، وتغييبه عن الكثير من المناسبات الوطنية التي من حقه كرئيس أسبق للجمهورية أن يكون في طليعة المشاركين فيها".
ثمة ما يمكن اضافته الى تلك القضايا الثلاث خاصة بالنسبة الى تحول رفض التوطين الفلسطيني من المبدأ المؤيد لحق الفلسطينيين في العودة الى وطنهم، الى ممارسة نظرة عنصرية من قبل بعض اللبنانيين ضدهم.(البيان الإماراتية)