&
القاهرة- إيلاف: في أول حوار له منذ 12 سنة لصحيفة عربية، قال الرئيس العراقي صدام حسين إن الولايات المتحدة تسعى لضرب كافة العواصم العربية انطلاقا من بغداد، وانها سوف تستهدف سوريا وايران والسعودية مباشرة بعد الانتهاء من العراق.
واضاف الرئيس العراقي ـ في حديث لصحيفة (الاسبوع) المصرية بعددها الذي يصدر غدا الاثنين ـ ان الولايات المتحدة تسعى لتدمير مراكز القوة في كل العالم العربي سواء كان هذا المركز فى القاهرة او دمشق او بغداد. مشيرا الى التحديات التي يواجهها العالم العربي حاليا في السودان والجزائر والصومال وفلسطين وممارسات شارون ضد الفلسطينيين وابعاد ذلك المخطط على الأمة العربية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن صحيفة (الأسبوع) مستقلة غير حكومية، ويرأس تحريرها الكاتب الصحافي مصطفى بكري، المعروف بتوجهاته القومية، وتولي الصحيفة منذ صدورها حتى اليوم اهتماماً خاصاً بالشأن العراقي، وتربطها ببغداد صلات متميزة، وهذا هو نص الحوار كاملاً كما تنشره الصحيفة المصرية وأجراه في بغداد موفدها سيد نصار :
بداية النص
ساعتان و14 دقيقة قضيتها في رحاب الرئيس العراقي صدام حسين بصحبة السيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي وعميد الدبلوماسية العربية منذ أكثر من نصف قرن .. قضيت كل هذا الوقت في أحد قصور الرئاسة بأطراف مدينة بغداد العريقة التي بناها أبو جعفر المنصور وأسس فيها مركز الخلافة الإسلامية العباسية في عصرها الأول والثاني الذهبي الأمين والمأمون وهارون الرشيد وحكمت المنطقة العربية لعدة مئات من السنين كانت مليئة بالعلم والازدهار والترجمة لأمهات الكتب والمراجع الفارسية والصينية والعالم القديم وكانت منارا للعلم .. في قصر محاط بالورود وليس الصواريخ.
العراق بلد القوميات المختلفة من عرب وأكراد وتركمان وكلدانيين وآشوريين ومذاهب شتي السنة والشيعة ومرقد الأئمة الاثني عشر للشيعة بدءا من سيدنا علي وابنيه الحسن والحسين وغيرهم من أئمة المسلمين أبو حنيفة النعمان وابن حنبل .. بلد العشرة ملايين نخلة ومئات الأصناف من أجود أنواع البلح .. مدينة فطاحل الشعراء العرب أمثال أبو النواس والمتنبي.
بغداد التي تحيط بها الحدائق وتمتليء بالمساحات الخضراء، وتحيط بها أكبر حديقة في العالم حديقة الزوراء .. بغداد التي تحرم بناء ناطحات السحاب الأسمنتية بها .. بغداد صديقة البيئة التي لا تستعمل المبيدات أبدا .. العراق مركز الخلافة الإسلامية العباسية في عصورها الذهبية! .. بلد العتبات المقدسة للشيعة.
تلقيت خبر اللقاء علي مراحل . تلقيت الخبر بداية من خلال مكالمة تليفونية قصيرة من شخص لا أعرفه يطلب لقائي خلال ربع ساعة في غرفتي بالفندق .. فندق قصر الرشيد بالطابق رقم 13، وجاءني وطلب مني أن أكون جاهزا ومستعدا للذهاب إلي اجتماع هام الساعة 30،8 صباحا! .. وفي الموعد المحدد جاءني من قدم نفسه بأنه يعمل برئاسة الجمهورية ليصحبني إلي ما توقعته من لقاء طوال الليل .. فمنذ تلقيت خبر الاستعداد في مساء اليوم السابق لأن أكون مستعدا للقاء مهم (غدا) ولم يوضح لي مع من يكون .. لم أفكر طويلا فقد عرفت انني علي وشك أن ألتقي بالرئيس العراقي الذي أحب أن ألقبه بالرئيس العربي بعد أن أصبح رمزا للرفض العربي للهيمنة الأمريكية .. وزاد من يقيني أنه الرئيس وليس غيره من انني قد التقيت قبل أيام نائب الرئيس طه ياسين رمضان . كما التقيت نائب رئيس الوزراء طارق عزيز والدكتور عدي صدام حسين النجل الأكبر للرئيس وقبلهم أقام لي صديقي العالم الفاضل الدكتور همام عبدالخالق وزير التعليم العالي الذي تتهمه أمريكا بأنه أبو القنبلة الذرية العراقية .. مأدبة عشاء علي شرفي حضرها وزير الإعلام الدكتور محمد الصحاف وعدد من الوزراء .. كما زارني صديقي القديم سمير النجم السفير العراقي الأسبق في القاهرة .. الذي أصبح الآن عضوا مهما بالقيادة القطرية لحزب البعث وبعده السفير السابق نبيل النجم الذي أصبح مستشارا للشئون العربية للسيد نائب رئيس الجمهورية.
لم يبق إذن غيره .. الذي لم ألتقه حتي الآن .. كان الرئيس ومنذ حرب الخليج الثانية قبل اثني عشر عاما: لم يدل بحديث صحفي لأية مطبوعة عربية أو عالمية .. ليلتها لم أنم وبدأت أفكر طوال الليل وأتأمل من نافذة غرفتي بفندق قصر الرشيد وسط بغداد السابحة في الخضرة والأضواء.. قلت .. ماذا سأقول للرئيس الذي لم يلتق بصحفي عربي أو أجنبي منذ اثني عشر عاما .. وهأنا أفوز باللقاء الأول .. هل أكون متحدثا أم أكون مستمعا فقط .. وأيهما أفضل .. وهل أحدثه عن كل شيء أظن أو أشك انه لم يصل إلي مسامعه بحكم عطب عادة ما يصيب قنوات الاتصال التي قد تحيط بمعظم الرؤساء؟ .. أم استمع منه .. فيما يفكر في هذه اللحظات الخطيرة من تاريخ العراق والأمة العربية .. أم أكون مستمعا ومتحدثا معا؟
وأخيرا وقبل الفجر بقليل قررت الاختيار الثالث .. فالرئيس العراقي يملك الكثير الذي لم يفصح عنه بعد فقد آثر الصمت لمدة اثني عشر عاما وسط (ثرثرة) من أحاديث سوء الفهم من الآخرين لموقف العراق القومي ! .. موقنا أن الحقيقة سوف تفرض نفسها في نهاية المطاف وان العرب سوف يكتشفون انه قد ظلم العراق كثيرا وبالتالي قد ظلموا أنفسهم وان ما تدعيه الولايات المتحدة علي العراق ليس أكثر من بداية لمرحلة استعمارية جديدة علي الطريقة الكلاسيكية القديمة التي كانت تميزه في العصور الوسطي عندما كان يأتي بجنوده ودباباته ويفرض حاكما عسكريا علي من يستعمره .. ألم يرشح كولن باول 'تومي فرانكس' حاكما عسكريا للعراق بعد يأس بوش من المعارضة العراقية المخمورة والقابعة في فنادق الخمس نجوم في واشنطن ولندن والمصابة بالفساد المالي والأخلاقي والتي لا تخجل من الاعتراف بتعاونها مع أجهزة المخابرات الأجنبية لتدمير أرض الوطن، العراق!
روادتني كل هذه الأفكار خاصة انني لم ألتق بالرئيس منذ مدة طويلة مقدرا ظروفه وما يحيط به!
والآن أنا داخل سيارة مرسيدس سوداء تحمل أرقاما عادية علي نوافذها ستائر رمادية في الجزء الخلفي فقط مما اتاح لي فرصة رؤية الطريق الذي تسير فيه السيارة وبجوار السائق الذي لا تكاد تسمع صوت أنفاسه يجلس محدثي الذي جاءني بالأمس .. ولم يقل لي إلي أين نحن ذاهبون وقد احترمت رغبته في عدم الافصاح لي عن أكثر مما يعرف .. لكنني كنت بغريزة الصحفي أعرف إلي أين نحن ذاهبان.
أقل من ربع ساعة والصمت يلف ثلاثتنا توقفت السيارة أمام ÷يلا في أحد شوارع بغداد المملوءة بالمارة لتدخل إلي هذه الفيلا المتواضعة جدا لتقدم لنا القهوة العربية وبعدها مشروب الحامض وهو من ليمون محمص علي شمس البصرة الجافة.
بعد أقل من ربع ساعة جاءتني سيارة أخري مرسيدس سوداء أيضا لكن بسائق آخر .. لكن مع نفس المرافق لنذهب معا إلي مكان آخر وجدت فيه الأستاذ طارق عزيز نائب رئيس الوزراء والدبلوماسي العريق يجلس وبيده آخر تقرير عن اجتماعات مجلس الأمن والمشاورات التي تجري بداخله والصيغ الأولية لمشاريع القرارات الأمريكية والفرنسية والروسية وآخر مواقف الأطراف المختلفة علي المسألة العراقية .. وطارق عزيز مثل كل الوزراء العراقيين يعمل 18 ساعة يوميا وهو نفس ما يفعله نائب الرئيس طه ياسين رمضان الذي يتولي بنفسه مهمة رعاية المصريين بالعراق الذين بلغ عددهم يوما ما 4 ملايين مصري هناك.
وخلال جلستي والأستاذ طارق عزيز وبينما هو يوضح لي آخر أخبار اجتماعات ومداولات مجلس الأمن والمشاريع الثلاثة المقدمة والفروق فيما بينها .. جاء من يأخذني في سيارة ثالثة ليذهب بنا إلي مكان ثالث .. وهي أماكن كلها داخل كردون بغداد الجميلة .. وننزل أمام ÷يلا أخري وإذا بنا ونحن نتحدث أنا والأستاذ طارق عزيز أفاجأ بالرئيس صدام حسين واقفا وبدون أي برتوكول أو حراسة .. كان مرتديا بزة مدنية صيفية .. أتقدم نحوه ليحتضني وليعيدني أربعين سنة إلي الخلف عندما رأيته أول مرة في القاهرة خلال وجوده لاجئا سياسيا ومناضلا قوميا من أجل شعبه وأمته .. خلال الفترة من 61 إلي 1963 عندما عاد من جديد إلي بغداد بعد محاولة فاشلة من قبل لإزاحة الرئيس العراقي الأسبق عبدالكريم قاسم الذي كان يناصب مصر العداء .. ونصب المشانق للقوميين وأقام المحاكم الظالمة (محكمة المهداوي) للقضاء علي كل المناضلين العروبيين.
ويذكر جيلي ان مقاهي القاهرة في تلك الفترة كانت عبارة عن خلية للثوار والمناضلين العرب من طنجة إلي بغداد.
وسط هذه الظروف تربي جيلي من الصحفيين والكتاب وعاش نبض الشارع العربي ولم يعرف سوي العروبة ملجأ وملاذا ووعاء للقومية العربية .. كان وقتها الشاب صدام حسين واحدا من هؤلاء المناضلين وبقي في القاهرة ثلاث سنوات انتهي فيها بالحصول علي الثانوية العامة وليلتحق بكلية الحقوق .. ليعود من جديد الي بغداد عام 1963 .. ويبقي بها إما مسجونا معتقلا كسياسي معارض وإما حاكما!
كنت مقررا لنفسي ألا أبقي أكثر من نصف ساعة مقدرا ظروفه ومشاغله .. لكنني بقيت ساعتين و14 دقيقة طارحا تساؤلاتي مرة ومستمعا ومدونا للإجابات مرات طوال، فماذا قال الرئيس العراقي طوال هاتين الساعتين و14 دقيقة؟!
هناك ما يجب ان يقال وهناك مالا يجب ان يقال .. فليس كل ما يسمعه الصحفي يقال، وإنما ما يقال هو المباح المتاح الذي لا يضر بالأمن القومي العربي .. لذلك ليعذرني القارئ لإخفاء بعض من الحديث .. ولكن قبل أن أبدأ بطرح سؤالي الأول بادرني الرئيس مرحبا بي في بلدي الثاني العراق . وقال: ياسيد نصار .. الشعب العراقي يحبك جدا .. ونحن فخورون بك .. وبانتمائك العربي القومي ودفاعك عن العراق وأقول لك إن الشعب العراقي يكن لك كل تقدير .. ثم سألني الرئيس عن أسرتي فردا فردا وبالاسم وحملني تحياته لهم جميعا!
صدام أثناء الحوار..

قلت للرئيس صدام أود أن أسألك بداية كيف تقٌيمون الموقف العربي من قضية العراق وما يواجهه من حصار وتهديد بالعدوان والحرب؟!
الرئيس: نحن لا نطلب من الزعماء العرب أكثر مما هم قادرون علي إعطائه .. نحن نقدر ظروف كل دولة وموقعها علي الخارطة السياسية وقدرتها علي العطاء، فالعطاء نسبة وتناسب .. وهو نتيجة ظروف تاريخية وقدرات شخصية ورؤي خاصة بزعيم كل دولة .. لكننا نحن مرتاحون عموما علي أية حال .. فالإيجابيات تزداد والسلبيات تتراجع .. والموقف يتحسن لصالح العراق عموما.
دعني أقل لك بصراحة نحن نركز علي الإيجابيات ونترك السلبيات لتنسحب أو تتلاشي من تلقاء ذاتها بوضوح الرؤي الصحيحة .. عندما تفرض نفسها علي المسرح السياسي.
لكن سيادة الرئيس لابد وان لك ملاحظة هنا أو هناك علي مواقف بعض الدول العربية من المسألة العراقية .. فنحن ندرك ان هناك بعض القصور في مساندة العراق!
الرئيس: أنا لا أهتم إلا بالإيجابيات وكما قلت ان السلبيات سوف تنسحب من تلقاء ذاتها عندما يتأكد للجميع صدق نوايانا .. ودقة ظروفنا .. وما يدبر لنا ولهم .. فالعراق ليس هو البلد العربي الوحيد الذي توجه المؤامرات ضده .. الولايات المتحدة تريد ان تفرض هيمنتها علي المنطقة وهي في سبيل تحقيق ذلك لابد وأن توجه عداءها للدول العربية وخاصة الدول المفصلية الرئيسة وكل هذا يصب لصالح الكيان الإسرائيلي والصهيونية العالمية.
سيادة الرئيس ماذا تريد الولايات المتحدة من العراق تحديدا؟
الرئيس: الولايات المتحدة تريد تدمير مراكز القوي في كل الوطن العربي .. سواء كان هذا المركز موجودا في القاهرة أو دمشق أو بغداد!
انظر حولك لتري ما يحدث في المنطقة .. تأمل ما يجري ويحدث في جنوب السودان من محاولات لفصل الجنوب عن الشمال وتأثير ذلك علي الشقيقة الكبري مصر وأمنها القومي والأمن القومي العربي عموما!!
انظر إلي ما يجري في الجزائر وانظر إلي ما جري ويجري في الصومال وكل (دول القرن) الافريقي .. انظر الي ما يحدث في فلسطين المحتلة وما فعله شارون بأشقائنا الفلسطينيين .. كل ذلك يكشف أبعاد المخطط الذي يحاك ضد أمتنا العربية.
سيادة الرئيس إذا ما تركنا التعميم واقتربنا من التخصيص .. ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية من العراق تحديدا؟
الرئيس: الولايات المتحدة تريد ان تفرض هيمنتها علي الوطن العربي وكمقدمة تريد السيطرة علي بغداد وضرب العواصم المتمردة والرافضة لهذه الهيمنة، ومن بغداد المسيطر عليها عسكريا تضرب دمشق وطهران ويجري تقسيمهما وتخلق مشاكل كبري للسعودية وتحاول خلق كيانات صغيرة ليحكمها خفراء وحراس يعملون لصالح الولايات المتحدة بحيث لا تكون هناك دولة أكبر من إسرائيل كما وكيفا، ويكون البترول العربي تحت سيطرتها، وتصبح المنطقة وخاصة منابع البترول بعد تدمير أفغانستان تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية كاملة .. وكلها أمور تصب في صالح إسرائيل، والهدف هو ان تتحول إسرائيل في ظل هذه الاستراتيجية إلي امبراطورية كبري في المنطقة.
إن مشكلة العراق في كل هذا أنها تتصدي لكل هذه المخططات دون ان يدرك الآخرون اننا ندافع بالنيابة عنهم وليعلم الجميع ان أحدا لن ينجو مما يحاك حاليا للعراق، فالجميع في نظر الولايات المتحدة وإسرائيل سواء وما يجري لنا أو يدبر لنا اليوم سوف يجري ويحدث لغيرنا غدا.
وهل يمتد مخطط التقسيم إلي المملكة العربية السعودية ودول الخليج؟
الرئيس: أنا لست مع الرأي القائل إن السعودية مثلا سوف تقسم لصالح اليمن أو عïمان أو أن هناك احتمالا لاختفاء المشيخات أو بعض إمارات الخليج .. بالعكس انني اتصور أن نموذج المشيخات والامارات الصغيرة سوف ينتشر في المنطقة، وبناء علي ذلك فإن كل الدول الكبيرة مثل العراق أوسوريا أو السعودية سوف تقسم إلي إمارات صغيرة وأن توضع مناطق البترول ومنابعه في ايدي هذه الدويلات الصغيرة كحارس وليس كحاكم علي هذه المنابع، وهذا يسخر كل شيء لصالح الولايات المتحدة لتصبح مسيطرة بالكامل علي مناطق البترول ابتداء من الجزائر الي دول بحر قزوين بعد أن هيمنت علي افغانستان وهي الآن بصدد الإعداد للهيمنة علي العراق وايران وسوريا.
سيادة الرئيس .. الأسبوع قبل الماضي اعترفت كوريا الشمالية او لنقل انها أعلنت دون أي ضغط عليها .. أن لديها برنامجا نوويا .. ومع ذلك لم نسمع او نر أي رد فعل عدائي من الولايات المتحدة الأمريكية مماثل لرد الفعل الذي تواجه به الولايات المتحدة العراق برغم ما أعلنه العراق من خلوه من وجود مثل اسلحة الدمار الشامل كما أعلن وأيده في هذا المفتشون الدوليون .. ومع ذلك تركز الولايات المتحدة الأمريكية حملتها ضد العراق وحده وتترك كوريا الشمالية التي تعترف بذلك لماذا هذا الموقف في تقديركم؟
الرئيس: باختصار .. لأن كوريا الشمالية ليس لديها بترول هذا أولا، وثانيا .. لأن كوريا ليست عدوا لإسرائيل ولا هي قريبة منها.
سيادة الرئيس أريد أن أسأل عن شيء أعرفه لكنني أريد أن اتأكد اكثر .. هل لديكم أسري كويتيون لم تفرجوا عنهم بعد .. مع ملاحظة أن الكويت تشترط للمصالحة ضرورة أن تفرجوا عن هؤلاء الأسري؟
الرئيس: أنت تعلم والكل يعلم أننا قد اصدرنا قرارنا بالإفراج عن كل المساجين سواء كانوا سياسيين أو جنائيين ومنهم العرب وليس العراقيون فقط واستثنينا من ذلك الجواسيس لصالح اسرائيل والولايات المتحدة .. حتي القتلة أفرجنا عنهم بشرط الاتفاق بين أهل القاتل والمقتول والعفو بناء علي رغبة الطرفين .. واصبحت السجون العراقية هي السجون الوحيدة علي مستوي العالم ­ولأول مرة في التاريخ­ بلا نزلاء.
­ وتدخلت لأقول: ولأن الحراس في مأزق يا سيادة الرئيس لأنهم اصبحوا يبحثون عن عمل بعد أن خلت السجون من نزلائها؟! فعاد الرئيس ليقول سوف نحولها إلي ملاجيء للأطفال اليتامي من ضحايا القصف الأمريكي بالصورايخ يوميا علي جنوب البلاد وشمالها.. وضواحي بغداد دون أن يتحرك ضمير العالم الأسبوع': سيادة الرئيس هل تتوقعون العدوان قريبا..؟
الرئيس : نحن نستعد وكأن الحرب سوف تقع بعد ساعة .. ونحن مهيئون نفسيا لذلك، والولايات المتحدة باعتداءاتها اليومية ومحاولات استنزافنا وقتل المدنيين يوميا بصواريخ طائراتها وطلقاتها من قواعدها في دول الجوار .. جعلتنا وكأننا في حرب مستمرة وهي لم تتوقف منذ يناير 1991 .. نحن اذن مهيئون للحرب .. لكن ابدا لن تكون العراق مثل افغانستان، وهذا لايعني أننا اقوي من الولايات المتحدة ،فهي تملك الأساطيل وتملك الصواريخ البعيدة المدي لكننا نحن نملك الإيمان بالله وبالوطن وبالشعب العراقي وكذلك وهذا مهم الإيمان بالشعب العربي، ولن نجعلها نزهة للجنود الأمريكيين أو البريطانيين أبدا ..! والأرض تحارب مع أهلها دائما ..
سيادة الرئيس نعود إلي ما بدأنا به من تساؤل هل أنت راض عن اداء بعض الدول العربية نحو العراق والوقوف معه ضد المخططات العدوانية الأمريكية والبريطانية.. الاتري أن هناك تقصيرا واضحا؟
الرئيس: انا راض بكل جهد يصب في العمل علي دعم موقف الصمود العربي في العراق وفلسطين، فالقضية لم تعد قضية العراق وحده وانما قضية الأمة العربية كلها من طنجة إلي بغداد .. فالمصير هو مصير واحد، وهو يكتب الآن بدماء الشهداء .. واذا كان هناك من لايزال يعتقد ان العراق كانت له مشاكل مع الكويت، فكل الأقطار العربية لها مشاكل مع من يجاورها من أقطار عربية .. ونحن نومن بأن كل نجاح يحققه أي شعب عربي بما فيها شعب الكويت العربي هو نجاح لنا ويصب في خانة الإيجابيات ..فالشعب الكويتي شعب عربي يؤمن بقوميته والحادث الأخير ضد القاعدة الأمريكية يؤكد ذلك ..
نحن نعول كثيرا علي الشعب العربي .. فالشعب العربي ليس كما يظن البعض يغط في نوم عميق، فالمظاهرات التي نراها في العالم العربي والغربي عموما تضم مئات الألوف من انصار السلام وضد الحرب والعدوان علي الشعب العراقي وهي تتحدي رغبة اليمين الصهيوني المتطرف في واشنطن لتدمير العراق.
سيادة الرئيس .. هل تظن أن الوقت في صالحك أم ضدك؟
الرئيس: بالتأكيد الوقت في صالحنا وعلينا أن نشتري مزيدا من الوقت، فقد يتفكك التحالف الأمريكي البريطاني لأسباب داخلية وضغط الرأي العام في الشارع الأمريكي والبريطاني، فالشعوب تعرف الحقيقة والشعوب اكثر قدرة علي الفهم من الحكام الضالعين في المخططات الصهيونية التي تخطط أجهزة الاعلام لصالح تحقيقها فتعمي ابصارهم ..؟
سيادة الرئيس نعود مرة أخري الي ما بدأنا به من تساؤل: ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا من العراق..؟
الرئيس: تريد عراقا يسلم بالهيمنة الأمريكية علي الثروات العربية جغرافيا وسياسيا .. كما تريد عراقا معترفا بالوجود الصهيوني وسيطرته علي فلسطين .. وتريد اكثر عراقا خاليا من الفكر القومي وتريد عراقا يوافق علي تدمير الجامعة العربية وخلق منظمة شرق أوسطية .. وتريد عراقا شعوبيا غير عربي.
سيادة الرئيس .. هل انت قلق من المعارضة العراقية التي تجتمع وتتحالف مع واشنطن ولندن .. وهل يمكن لهذه المعارضة ان تكون بديلا للحكم في بغداد..؟
الرئيس: أولا: ليس هناك معارضة حقيقية عراقية حتي نقلق ولو أن هناك معارضة، فالأولي بها أن تناضل من الداخل للاستيلاء علي الحكم وليس من الخارج وعلي بعد عشرة آلاف ميل .. ثم ان ما نسمع عنهم ولانراهم ولايعرفهم شعبنا من معارضة هم مجموعة بعضهم حوكم قضائيا في جرائم مالية والبعض حوكم بجرائم اخلاقية ثم إن ما نسمع عنهم كمعارضين ليس لديهم أي ذكاء فهم لايخفون انهم عملاء للمخابرات الامريكية والبريطانية وانهم يتلقون الأموال منهما وأنهم متهمون بسرقة وتبديد هذه الأموال .. ثم انهم في نهاية المطاف مجموعة يستوعبهم احد باصات بغداد ولايزيدون علي ذلك
سيادة الرئيس قبل ايام جري استفتاء لمدة حكم جديدة تبلغ سبع سنوات، ولكن البعض يتساءل ماذا يعني حصولكم علي نسبة 100 % خاصة وأن ثقافة الغرب لاتستوعب هذه النسبة..؟
الرئيس: يعني الكثير .. يعني هذا انني علي حق وصدق مع شعبي .. كما يعني للآخرين مما يدعون أنني لا أمثل شعبي أنني أمثله بالفعل وهذه هي نتيجة استفتاء حر حضره مراقبون ومراسلون وصحفيون عرب واجانب وهو مؤشر علي كذب مايرددون بشأن وجود معارضة للنظام في العراق.
سيادة الرئيس: فتحتم السجون وأفرجتم عن كل المساجين ومنهم السياسيون بصفة خاصة لماذا هذا القرار وماذا يعني؟
الرئيس: يعني ثقة القيادة بهذا الشعب العظيم والتحامها به .. واعتقد انك قد زرت كل السجون اثناء وجودك ولم تر سجنا لم يفتح ابوابه للإفراج عن كل نزلائه بمن فيهم المساجين السياسيون .. وهذا يعني أن حقوق الانسان في العراق بخير اكثر مما هي في الولايات المتحدة نفسها.
سيادة الرئيس اداؤك اخيرا للأزمة كان مختلفا عن ادائك لها في العام 1991 .. هل كان ذلك نتيجة دراسة للواقع الراهن ام للماضي والحاضر معا .. ومن الدروس المستفادة..؟
الرئيس : السياسة علم ككل العلوم خاضع للتجريب ورجل السياسة هو تلميذ دائما وابدا وهو يستفيد من تجاربه الشخصية ومن تجارب الآخرين ونحن من المؤمنين بأهمية الرأي العام وتأثيره ونأخذ من تجربتنا العبرة .. فالخطأ والصواب .. فعل انساني قابل للتطوير للأفضل .. وليس بيننا من لايخطئ .. فالكمال لله وحده سبحانه ..
ألم تتأثر مواقف بعض الدول العربية ضد نظامك .. ألم يهز ذلك من ايمانك بعروبتك وقوميتك ..؟
الرئيس: علي العكس لقد ثبت ذلك من إيماني بقوميتي، وإدراكك لأهمية ان نكون قوميا عربيا يجعلك علي ثقة بالنصر وان طال الزمن .. فليست القومية العربية مجرد ثوبي نرتديه اليوم ونخلعه غدا.
سيادة الرئيس اشقاؤنا الأكراد في الشمال ألم يحن الوقت للمصالحة الوطنية معهم ..؟
الرئيس: أنت تعلم أن العراق أعطاهم مالم يعطه لهم الآخرون وعرفت أنك كنت أول صحفي عربي التقي بالملا مصطفي البرزاني عام 1966 وسمعت وعرفت منه أن اقصي ما يتمناه هو ماقدمه العراق من حكم ذاتي .. ولم يعد بعد ذلك سوي الانفصال وهو ما نرفضه ويرفضه كذلك العقلاء من اشقائنا الأكراد .. ونحن علي ثقة لو أن الولايات المتحدة وبريطانيا رفعتا يدهما عن الشمال العراقي وتركتنا بلا تدخل فسوف نقرر بملء حريتنا مصيرنا دون تدخل منها ولا نصلح حال البلاد والعباد.

الأسبوع: سيادة الرئيس كان كل املي أن أبقي في رحابك نصف ساعة فإذا بي اجلس معك اكثر من ساعتين، فطلبت الإذن بالانصراف فإذا به يحملني ذات الرسالة التي يحرص عليها دائما بقوله تحياتي إلي الشعب المصري العريق تحياتي الحبيبة. وتحياتي إلي البسطاء الذين كانوا يعيشون هنا في العراق من المصريين، أرجو أن تبلغهم أن بغداد سوف تكون دوما فاتحة ذراعيها وباسطة يدها لتستقبلهم دائما بالأحضان في أي وقت يشاءون .. أبلغهم انهم في عقلنا وفكرنا وقلبنا .. فمصر ليست مجرد قطر عربي عادي بالنسبة لنا .. انما هي قطر يعيش في وجداننا ويملأ مشاعرنا بالفخر والحب وكرم الضيافة لكل المناضلين العرب .. ابلغ تحياتي الي الشعب المصري العربي القومي والي الرئيس حسني مبارك .
انتهي الحوار وغادرت بغداد تلاحقني وسائل الاعلام والتليفزيونات العالمية إلا أن اجابتي كانت واضحة هذا حديث خاص للأسبوع اجريته بوصفي أحد كتابها، وبعد النشر في 'الأسبوع' تستطيعون إعادة نشره كله أو بعضه منسوبا إلي الصحيفة صاحبة السبق الأول الذي لم يحدث منذ اكثر من اثني عشر عاما.
نهاية النص
نقلاً عن صحيفة (الأسبوع) المصرية