&
نبيل شـرف الدين
نأتي للملف الاقتصادي ، وهنا ندع الأرقام تتحدث عن طبيعة التعاطي العربي السائد للخلافات الاقتصادية البينية ، لتوضح حجم المشكلة وترسم أبعادها ، من خلال قراءة لنتائج دراسة اقتصادية أجراها مركز الدراسات الاقتصادية المصري ، قدرت حجم التجارة البينية للدول العربية العام الماضي بنحو 24 مليار دولار بنسبة لا تتجاوز 8% من إجمالى حجم تجارتها البالغة 297 مليار دولار ، مشيرة إلى أن الجانب الأكبر من التجارة العربية (273 مليار دولار ) يتجه لأسواق خارج حدود العالم العربي ، وأن الصادرات السلعية العربية الخارجية تقدر بحوالى 126 مليار دولار مقابل واردات بنحو 147 مليار دولار. وأن قيمة خدمة الدين العربى تكلف الخزانة العربية حوالي 151 مليار دولار سنويا بما يوازى 25.6% من اجمالى الناتج المحلي العربي .
وتمضي الدراسة في تحليلها للأوضاع الاقتصادية العربية التعاملات مع العالم الخارجى لتكشف أن الدول العربية تتعامل بشكل يفتقد إلى الجماعية وبدرجات متفاوته مع أغلب التجمعات الاقليمية والدولية حيث تبلغ نسبة التعامل 59.9% مع الدول الصناعية المتقدمة مقارنة بنحو 14.4% مع الدول النامية و25.9% مع باقى دول وتجمعات العالم المختلفة ، وهذه الأرقام تعبر عنها قرارات عشوائية لا يمكن أن تكون صادرة عن خبراء في الاقتصاد يضعون مصالح شعوبهم وأمتهم نصب أعينهم ، فمثلاً تتوتر العلاقة بين دولتين عربيتين ، فتقرر كلاهما أو إحداهما حظر استيراد السلع التي تنتجها الأخرى ، رغم أنه قد تكون هذه السلعة هي الأفضل والأرخص .
أما ملف العمالة العربية، فحدث ولا حرج. تكتظ أسواق العمل العربية بعمال من كل ملة وجنس، بينما توضع العراقيل دوماً أمام استقدام العمالة العربية، وهي بلا شك أفضل من عدة جوانب، فهي تنتمي لذات الثقافة والتقاليد، وكثيراً ما لجأت دول عربية إلى طرد عمال لا ناقة لهم ولا جمل في خلافات سياسية تنشب بين الدولتين، ولعل ما حدث إبان الخلاف القطري المصري أوضح دليل على هذا السلوك، فضلاً عما جرى من طرد للعاملين في الكويت الذين ينتمون لما اصطلح على تسميتهم بـ "دول الضد" ، وهي السودان واليمن والأردن وفلسطين.
وهكذا يتضح أنه لا يقام أي اعتبار حتى للنصوص التي يتضمنها ميثاق الجامعة العربية، ومعاهدة الوحدة الاقتصادية لعام 1957 والتي صادقت عليها خمس دول عربية، ومشروع السوق العربية المشترك لعام 1964 والذي كان يهدف إلى إقامة اتحاد جمركي بين الدول الأعضاء تتحرر فيه معاملاتها المشتركة من كافة الرسوم الجمركية ، والحاصل أن القليل جدا منها هو الذي تحقق على أرض الواقع، بينما بقيت غالبيتها مجرد حبر على ورق ، خلافاً لما يجري في كيانات إقليمية مماثلة كمنظمة "الآسيان" ، أو الاتحاد الأوروبي وغيره.
وقصارى القول أيضاً هو فشل الوضع الاقتصادي والاجتماعي العربي في إشباع العديد من الحاجات الأساسية للمواطنين تمثل في ازدياد معدلات الفقر في الوطن العربي وارتفاع نسبة البطالة، وتحويل هذه المجتمعات إلى مجتمعات استهلاكية غير منتجة، كما أن إنتاج واستيراد نسبة كبيرة من السلع والخدمات لتفي بحاجة الناس الأساسية زاد من تبعية الوطن العربي, تبعية في مجال الاقتصاد بشكل عام تمثلت في مديونية للخارج بلغت سنة 1995 حوالي 220 مليار دولار في الوقت الذي تقدر فيه رؤوس الأموال العربية المستثمرة في الخارج بحدود 750 مليار دولار على الأقل، وفقاً لنتائج ذات الدراسة المشار إليها.
&يتبع..
التعليقات