رجاء النقاش
&
اعتقد ان أصل المحنة التي يتعرض لها الإخوان المسلمون منذ أكثر من خمسين سنة يعود الى ان الحياة السياسية العربية في العصر الحديث لا تقبل قيام أحزاب دينية وحركة الاخوان تحولت الى حزب سياسي حتى لو قال الاخوان غير ذلك ولعلهم الآن لا ينكرون انهم حزب سياسي والمجتمعات العربية الحديثة لا تستطيع تحمل الأحزاب القائمة على أساس ديني لأن هذه الأحزاب سرعان ما تنجح وتلقى قبولا واسعا بين الجماهير وتقضي على غيرها من الأحزاب القائمة على اساس سياسي خالص وهذا الوضع يؤدي الى شلل تام في الحياة السياسية وتجربة الجزائر مثال حي على ذلك فقد اكتسح الاسلاميون الانتخابات العامة سنة 1992 مما دفع الأحزاب السياسية الأخرى الى الارتباك الشديد ودفع الجيش الى التدخل والغاء نتائج الانتخابات وحظر النشاط السياسي للاسلاميين وفي كثير من البلدان العربية الأخرى يمكن ان تتكرر الظاهرة الجزائرية فلو دخل الاخوان المسلمون أي انتخابات حرةليس فيها قيود ولا ضغوط فإنهم سوف يكونون في المقدمة فاللغة الدينية مقبولة ومؤثرة جدا على سائر الجماهير وهناك محظور آخر خطير هو ان الأحزاب الدينية يمكن ان تخلق صراعات حادة داخل المجتمعات العربية فلو ظهر حزب شرعي باسم الاخوان المسلمين في مصر فإن هذا الحزب بالطبع لن يضم أحدا من الأقباط والأقباط في مصر يمثلون 10% من سكان البلاد على الأقل أي انهم يصلون الآن الى حوالي سبعة او ثمانية ملايين فماذا يكون الوضع السياسي لهؤلاء الأقباط إذا ما أقام الإخوان حزبا لهم ونجحوا في الانتخابات كما هو متوقع وأصبحوا هم الحزب السياسي الأول والأكبر في البلاد؟ ان من حق الأقباط في هذه الحالة ان يطالبوا بتأسيس حزب قبطي خاص بهم وسوف يؤدي مثل هذا الوضع الى اضطراب شديد جدا في المجتمع وسوف يكون ذلك احد أكبر عوامل تفتيت المجتمع الواحد المتماسك وهذا نفسه ما يمكن ان نقوله عن العراق فالعراق فيه سنة وشيعة ولو قام حزب للسنة وآخر للشيعة لكن ذلك مصدرا لصراع لا بد أن ينتهي بوقوع مشاكل معقدة لا حل لها وقد عانى العراق كثيرا من حزب ديني سري هو حزب الدعوة ولعل نشاط هذا الحزب كان من الأسباب القوية لاشتعال الحرب العراقية ــ الايرانية سنة 1980 وهي الحرب التي استمرت ثماني سنوات وراح ضحيتها من الجانبين مليونان على الأقل أما خسائرهما المادية فكانت بغير حدود وهذا هو نفسه ما يقال عن السودان فإن المشكلة المعقدة القائمة الآن في السودان سببها العلني هو محاولة إقامة حكومة دينية في الخرطوم على يد نميري ثم على يد حسن الترابي وما تزال آثار هذه ا لمشكلة قائمة الى اليوم رغم محاولات الرئيس البشير للتخفيف من الطابع الديني للحكومة السودانية والحكومة الدينية في السودان لا بد ان تنتهي بتقسيم السودان لأن جنوب السودان مسيحي في أغلبه وبعض ابنائه وثنيون والمسلمون فيه أقلية ولا مفر من الاعتراف بأن أي حكومة دينية في الخرطوم انما تعني انفصال جنوب السودان بصورة نهائية وهذه نتيجة سيئة جدا خاصة بعد ظهور البترول في السودان حيث يوجد في جنوب السودان جزء مهم من الاحتياطي البترولي والخلاصة ان فكرة الأحزاب الدينية في العالم العربي ليست فكرة مقبولة ولا تحتملها المجتمعات العربية والسماح بالأحزاب الدينية معناه فتح الباب واسعا أمام صراعات كبرى يصعب حلها وللحديث بقية فإلى الغد ان شاء الله
التعليقات