السويد - كوردة امين: لا يعرف طعم مرارة الابعاد عن الوطن, الا من تذوق الكأس التي اجترعها المنفي عن وطنه, ومن اجل ان يبقى الوطن في داخله , يمده بالقوة, حمل الانسان الكوردي ارثه الموغل في القدم معه الى منفاه .
بهذه الكلمات عبر كاتبنا عوني الداوودي عما يختلج في دواخل المغترب من معاني الشوق والحنين للوطن، ويبدأ رحلته في ذاكرة التاريخ متوجها إلى مدينته الكوردستانية كركوك حاملا معه ذكريات الطفولة والشباب عن وجوه ناسها الطيبين، حاراتها العتيقة، شوارعها، محلاتها التجارية مكتباتها شارعها الرئيسي الجمهورية وعن قلعتها الشهيرة نارها الأزلية. وغيرها من الذكريات التي لم تستطع سنين الغربة أن تقتلعها من وجدانه. وإن كان هو قد غادر المدينة مرغماً فإنها لم تغادره وظلت ساكنة بين جنبات أضلعه. حاله في ذلك حال أبناء هذه المدينة المنكوبة الذين اضطرتهم سطوة الاستبداد ورياح الشوفينية للهجرة صوب المنافي، ومن أبى الرحيل أقتلع عنوة، ولكن بقيت روحه وجوارحه هناك ملتصقة بأرض الآباء والأجداد...!
الكتاب الذي نحن بصدده الآن "كركوك ـ رحلة في ذاكرة التاريخ" صدر حديثا في السويد عن مطبعة(نينا) في مدينة أوبسالا وهو من إعداد وترجمة عوني الداوودي، ومراجعة وتقديم الدكتور نوري طالباني. عدد صفحات الكتاب 109 صفحة، استهلها الكاتب بمقدمة معبرة ولكنه اثر استبدال تسميتها بـ (بدلا من المقدمة)، شملت وصفا لذكريات الكاتب عن مدينته كركوك وحملات التعريب التي تعرضت لها هذه المدينة القديمة. وتضمنت (بدلا من المقدمة) أيضاً تعريفاً بمحتويات الكتاب الذي ضم عدد من البحوث القيمة لنخبة من الباحثين ومن هذه البحوث:
-& انصفوا شعبا ناصركم دوما، وهو يتعرض اليوم للابادة - للدكتور نوري طالباني .
- كركوك وسياسة التعريب - لمعد ومترجم الكتاب عوني الداوودي.
- التركيب الاثني لسكان كركوك خلال قرن ( 1850 - 1958) - للدكتور جبار قادر.
- كوردية كركوك في ظل الحقائق التاريخية - الجغرافية - للدكتور& البروفيسور خليل اسماعيل& محمد.

ثم تضمن الكتاب ريبورتاجا حمل عنوان الكتاب وهو" كركوك ــ رحلة في ذاكرة التاريخ".&قام فيه الكاتب بترجمة وإعداد مداخلات قيمة لعدد من الشخصيات الأكاديمية والسياسية المعروفة ومن مختلف القوميات الكوردية والعربية والتركمانية, شاركت في برنامج وثائقي عن سياسة التعريب لمدينة كركوك أعده السيد سيروان رحيم وبث من، القناة الفضايئة الكورديةMEDYA في خمس حلقات. وقد تناول هذا البرنامج& إلقاء الضوء على كل ما يخص هذه المدينة والمراحل الهامة التي مرت بها تاريخيا والمنازعات التي جرت حولها وأبعاد سياسة التعريب المقيتة التي مارستها جميع الأنظمة العراقية المتعاقبة على حكم العراق سواء في العهد الملكي أم لاحقا في العهد الجمهوري. ومن الشخصيات التي شاركت في هذه المداخلات والمناقشات وحسب التسلسل الذي ورد في الكتاب كل من الأساتذة الأفاضل: نوشيروان مصطفى, الدكتور نوري الطالباني, حسين غلام, سيروان رحيم, الدكتور جبار قادر, عرفان كركوكلي, الدكتور محمود عثمان, الدكتور فؤاد معصوم, الدكتور السيد محمد بحر العلوم, مشعان الجبوري, الدكتور مبدر الويس, شورش حقي, الدكتور الان درويش, مصطفى جاو ره ش, علي زه نكنة, رفعت عبدالله, الدكتور كوران الطالباني,LORD AVEBUY, عوني الداوودي, الدكتور ازاد شيخاني& وآمانج كركوكلي.
والجزء الأخير من الكتاب احتوى بعض الملاحق المهمة التي تتعلق بواقع المدينة والرسائل السرية التي تمت بين القادة العسكريين ومديرية الاستخبارات العسكرية بعد ثورة 14 تموز عام 1958 والتي تشير بوضوح إلى الأهداف المرسومة التي تستهدف تعريب مدينة كركوك. وإضافة إلى هذه الملاحق تضمن الكتاب أيضا في خاتمته بعض الخرائط الهامة والقديمة للعراق والتي تبين حدوده الإدارية مثل خرائط العراق للمقدسي, وللاصخري, ولابن حوقل، وللبلخي. وجاءت كلمة الغلاف الأخير للشاعر الكوردي محمد عفيف الحسيني:
&المكان يتألم؛
المكان هو الحنين لأهله الغائبين.
من اختلق بدعة الحنين، جادل خلائقه العتيقة، الذكرى الممكنة على مدينة تُشوه بعمد؟ الممكنات المأمورة في المنفى: أية مدينة في علوم تشكّلها الكردي القلق؟ أية علوم في شهقة ابنها، لايستطيع أن يستقدمها إلا في أقاليم بزوغ الله على قميص خياله القديم.
حروف الله الصحابية على كركوك؛ حروف الكورد في مصادفاتهم غير المكتملة، وغير المخضبة، وغير الشجية، وغير الخضراء، حروف الله على النبت المجدول في جرح قلعة كركوك، في غِلالة الحيوات الندية للتاريخ الكوردي البطيء أبداً في أن يكون تاريخاً يليق بأربع ضفاف نورانية منذ نشأتها، وإلى أبدها الملغز.
المكان، هو لغز أهله، وارتكابات أهله الخاسرين: يبتعدون عنه، فيتألم. المكان خسارات الأرض لبنيها. من ابتدع الأبناء؟ من ابتدع قلعة كركوك ونيرانها الأزلية، واستقدم كل هذا الشجن الكوردي؟.
يقيناً، الحجر الباقي ـ مالونه؟ ـ، يتذكر مختصريه اللغويين، بحبر أشواقهم، وموازين أناقتهم، وهم يتناوبون على تدوين هذا الحجر على برهة، هي برهة كوردية صرفة عارية منكوبة مجروحة دائخة ذاهلة نقية؛ أبداً هي نقية، البرهة المشدوهة إلى سلاسة النضوج الديني والأثني أسفل كركوك.
بدءاً منها، وانتهاء بـ برهة "عامودا".
أكتب عن كركوك، فأعني عامودا كذلك. المدن، المدن.. هي أهلوها، هي أشواق عجولة طائرة إلى غائبيها المستوحشين في يقين منافيهم".
ان كتاب كركوك رحلة في ذاكرة التاريخ كتاب قيم وجدير بالقراءة، لما يحتويه من معلومات هامة قد تكون غائبة عن الكثير منا . وخاصة ما يتعلق بالنواحي التاريخية، وسياسات التتريك ومن ثم التعريب والتهجير والتوطين التي مورست وتمارس ضدها وبحق سكانها الكورد بهدف تغيير واقعها القومي والديمغرافي. أنه كتاب مفيد للباحث عن الحقيقة ويهتم بها. للاتصال بمؤلف الكتاب: [email protected]
&
كوردة أمين