نجاح يوسف
&
اندفع عقرب الساعة متخطيا حاجز الواحدة فجرا.&وعيني ما زالت مسمرة على شاشة الكومبيوتر تتابع الأخبار وتنتقل من موقع إلى آخر, تتلقف الخبر والحدث, لعلها تجد بين ثناياهما حزمة نور تشق عتمة الأحداث التي تعصف بالعراق وشعبه. وفجأة سمعت صوت زوجتي تحذرني من مغبة السهر طويلا. فهناك عمل شاق ينتظرني صباحا, وبالطبع أصغيت لتحذيرها! وحالما إستراح رأسي على وسادتي, غلبني النعاس.& وحلمت. .
&&
بغداد... مدينتي الجميلة بأزقتها الضيقة, وشوارعها, ودجلتها, ونؤاسها, وناسها, وباراتها. فتحت ذراعيها تستقبلني ومعي الملايين الذين عادوا معي من المنفى... انا الذي غادرها مرغما قبل أكثر من عقدين! ظننتها لا تعرفني, أو لا أعرفها. نعم لقد هرمنا كلانا. وبانت التجاعيد على وجوهنا.&وكدنا نبكي من الفرح. أو الغضب. أو من الزمن العاثر الذي فرقنا. أخذتني بيدها تدلني إلى بيوت الأحبة الذين فارقتهم. وإلى المقابر التي تحفظ رفات الآخرين.& وهم كثر. بعدها إنتقلنا من الرصافة إلى الكرخ, وركبنا باص المصلحة ذو الطابقين, وشاهدت الكثير الكثير... أو هكذا ترأى لي. إلتفتت أخيرا إلي وقالت: كيف تجدني بعد هذا الفراق؟ إنك ما زلت جميلة ولم اجد اجمل منك رغم تجاعيدك البارزة! ألا يقال بأنك سترجعين شابة واجمل من السابق عندما تلتقين بأبنائك الذين فارقوك؟
&
نعم هذا صحيح. ولكن يجب أن أكون حرة وكل أبنائي أحرارا. هل تستطيع العيش دون حرية؟ اليس هذا كان سبب غيابك طيلة هذه السنين؟
&
أنظري لا أجد صور الطاغية هنا كما في السابق.. لقد غسل شعبك بالمسك جميع الجدران والساحات ولم يعد هنلك أثر منه, او من حاشيته! إبتسمي قليلا. ما ذا دهاك. ألا يكفيك هذا؟ ألست حرة الآن؟
&
إنك ما زلت لا تفهم يا ولدي... أنظر حولك جيدا. تمعن في وجوه إخوتك. واستمع إلى آهاتهم.&وانظر مليا في الشوارع والساحات. فماذا تجد؟&
&
لا أجد غير دبابات أصدقائنا الأمريكان. قولي الحق يا بغدادي.. أليست أجمل من دبابات هذا الملعون صدام؟ لقد صرفوا مئات البلايين من الدولارات, وفرطوا بسلامة ابنائهم من أجل تخليصك من صدام.. ولا تريدين لهم ان يتنعموا قليلا, أو ان نقدم لهم على الأقل آداب الضيافة؟! إنك حقا جاحدة يا بغداد! ألم يخذلك أبناؤك جميعا وتركوكي تحت رحمة هذا المجرم وزبانيته طيلة هذه السنين العجاف,& ولم يستطع أحد منهم تخليصك من براثنه؟ تكلمي. أنطقي.
&
ظننتك يا ولدي, وبعد ان عشت طويلا في بلاد الحرية أن تأتي إلي وأنت محمل بأفكار ترسخ مبادئ الحرية عندنا. لا أن تتعلم الحرية منها وتطبق العبودية عندنا! ثم من قال لك قد خذلني أبنائي؟ كنت منزعجة من تصرفات بعضهم ولكني أحبهم كلهم وقدموا الكثير من أجلي. ولكن راجع التأريخ وافهم من ساهم إلى جانب صدام وزمرته في بقائي مكبلة, ومن هم الذين ساعدوه على التسلط والتجبر وارتكاب الجرائم بحق أخوتك واخواتك العراقيين؟؟ لا تنسى التأريخ يا بني وتعلم منه... لا تنس التأريخ يا بني!
&
ورن جرس المنبه الملعون وافقت من حلمي الذي لم يكتمل بعد.