يحي أبوزكريا
&
أزيد من 100ألف قتيل وخسائر مادية قدرّت بملايير الدولارات تلك هي الحصيلة المبدئية للفتنة الجزائرية التي اندلعت بعد الغاء المسار الانتخابي واقالة الشاذلي بن جديد, ولم يجد صنّاع القرار وسيلة لحلحلة الأزمة القائمة غير الاكثار من الانتخابات والاستفتاءات وتغييرات بالجملة للدساتير, و محاولات الحلّ هذه كانت في مجملها ترقيعية لم تخرج من الاطار الشكلي, و الانتخابات الرئاسية المبكرة التي دعا اليها اليامين زروال والتي جرت في 15 أبريل - نيسان - 1999 تندرج في هذا السيّاق الأمر الذي لم يؤد الى تجاوز المحنة بشكل كامل. وعلى الرغم من أنّ الرئيس اليامين زروال قد عاد الى مسقط رأسه في باتنة بعد أن سلمّ المهام للرئيس الجديد عبد العزيز بوتفليقة, الاّ أنّ الكل في الجزائر يجمع على أنّ عهده كان عهد المجازر والمذابح الجماعية التي لم تعرف لها الجزائر مثيلا, وحتى الهدنة التي كان قد أعلنها الجيش الاسلامي للانقاذ من طرف واحد لم يعمل على استثمارها بل فضلّ أن يتولى الملف من يأتي بعده ويبدو أنّ كل الأمور كانت مرتبّة وأنّ فكرة الانتخابات كانت لزركشة الديكور.
وبمجرّد الاعلان عن فتح باب الترشح للرئاسة قدمّ أكثرمن 28 مرشحا ملفاتهم الى الدوائر المعنية ليبثّ فيها لاحقا المجلس الدستوري الذي كان يملك صلاحية تحديد ما اذا كان هذا المرشح للانتخابات الرئاسية أو ذاك يستوفي الشروط أو لا.
ومن الذين أقصاهم المجلس الدستوري عن الانتخابات ولم يقبل ترشيحه الشيخ محفوظ نحناح زعيم حركة مجتمع السلم - حمس -التي كانت تحمل اسم حركة المجتمع الاسلامي -حماس - قبل اقرار الدستور المعدّل في عهد اليامين زروال, هذا الدستور الذي منع قيام أحزاب على أساس ديني أو عرقي أو لغوي, والسبب الذي جعل المجلس الدستوري يرفض ترشّح محفوظ نحناح هو كونه لم يشارك في الثورة الجزائرية, وكان من شروط ترشّح الشخص للانتخابات الرئاسية أن يكون المرشّح قد شارك في ثورة التحرير الجزائرية. وقد احتجّ محفوظ نحناح وحركته على قرار المجلس الدستوري و حاول التأكيد على أنّه شارك في حرب التحرير وأنّ لديه شهادات بهذا الخصوص, الاّ أنّ المجلس الدستوري كان مصرّا على قراره ووجد نحناح نفسه خارج اللعبة, لكنّ نحناح لم يتوقف عند هذا بل راح يدعم مرشّح السلطة عبد العزيز بوتفليقة.
وبعد فرز كامل للملفات من قبل المجلس الدستوري أصدر هذا الأخير قراره بشأن من يحق لهم الترشح و مزاولة الحملة الانتخابيّة في وقتها و كانت القائمة تضمّ التالية أسماؤهم :
1- عبد العزيز بوتفليقة.
2- أحمد طالب الابراهيمي.
3- مولود حمروش.
4-& عبد الله جاب الله.
5-& حسين أيت أحمد.
6-& مقداد سيفي.
7-& يوسف الخطيب.
&
وقبل 15 نيسان - أبريل - 1999 موعد الانتخابات الرئاسية بثلاثة أسابيع انطلقت الحملة الانتخابية التي شارك فيها كل المرشحين بقوة ونشاط وحماس مما أوحى أن لا لعبة في الأفق, و أنّ الانتخابات ستأخذ مجراها الى الأخير بنفس الحماس. ودخل المرشحون حسين أيت أحمد ومولود حمروش وأحمد طالب الابراهيمي وعبد العزيز بوتفليقة ويوسف الخطيب وعبد الله جاب الله و مقداد سيفي في سباق ضدّ الساعة حتى يتمكنوا من زيارة كل ولايات القطر الجزائري التي تبلغ 48 ولاية. وركزّ كل المرشحين على موضوع المصالحة الوطنية وضرورة انقاذ البلاد والعباد واخراج الجزائر من أزمتها, وفي الوقت الذي اختار فيه كل مرشح ولاية معينة, فقد اختار عبد العزيز بوتفليقة ولاية قالمة مسقط رأس الرئيس الجزائري هواري بومدين الذي كان بوتفليقة في عهده في أوج تألقه.
وكانت وزارة الداخلية الجزائرية قد خصصّت مبلغ 2,410مليار دينار للتكفل بحملة المرشحين, كما حددت الأطر النظامية لسير الحملة الانتخابية داعية كل المرشحين الى منافسة سياسية سليمة, وحثت المرشحين السبعة على تفادي استعمال اللغات الأجنبية أو تقديم برنامج غير البرنامج الذي تمّ ايداعه لدى مصالح وزارة الداخلية.
وكان لافتا أثناء الحملة الانتخابية وقوف كافة الجمعيات والأحزاب والمؤسسات القريبة من السلطة أو التي تسبح في فلكها الى جانب عبد العزيز بوتفليقة الأمر الذي أثار حفيظة المرشحين الباقين والذين اتهموا السلطة بأنهّا وضعت ثقلها كل ثقلها لانجاح عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية المقبلة..
ورغم هذه المخاوف استمرّت الحملة الانتخابية ساخنة فاتحة كل ملفات الفتنة الجزائرية وأليات معالجتها, وقد أجمع كل المرشحين على ضرورة طيّ صفحة الماضي وتكريس مشروع المصالحة الوطنية, ووعد أحمد طالب الابراهيمي باطلاق سراح قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ والسماح لهم بمعاودة العمل السياسي, ونفس الوعد تبنّاه عبد الله جاب الله علما أنّ مثل هذا الطرح من شأنه أن يغضب العسكر الذين يملكون وحدهم منح تأشيرة المرور باتجاه قصر المرادية - قصر الرئاسة الجزائرية -.
أمّا المرشح القبائلي حسين أيت أحمد فقد طالب السلطة الجزائرية باستحضار مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات درءا للشبهات و لقطع الطريق عن تزوير هذه الانتخابات خصوصا و أنّ هناك جو عام بدأ يتبلور ويدلّ على أنّ هناك لعبة في الأفق.
وكان ردّ السلطة على حسين أيت أحمد بأنّه لا داعي للمراقبين الدوليين مادامت الحكومة قد شكلّت مايسمى بلجنة مراقبة الانتخابات وعهدت رئاستها الى القاضي الجزائري الدولي محمد بجاوي أحد أعضاء محكمة لاهاي الدولية.
وكانت الطبقة السياسية تتخوّف من التلاعب في أصوات الجاليّة الجزائرية في الخارج والذي يقدّر عددها بمليوني صوت, حيث بقيت الصناديق الانتخابية ثلاثة ايّام في مقّار القنصليات الجزائرية في الخارج قبل فرزها, وكذلك الأمر بالنسبة لأصوات الجنود و رجال الأمن والعاملين في هذه الدوائر.
وبعد أن تأكدّ للمرشحين أحمد طالب الابراهيمي ومولود حمروش وعبد الله جاب الله و مقداد سيفي ويوسف الخطيب وحسي أيت أحمد أنّ هناك قرارا من صقور المؤسسة العسكرية بايصال عبد العزيز بوتفليقة الى سدّة الرئاسة قرروا وبشكل جماعي الانسحاب من الحلبة بحجة أنّ الانتخابات المبدئية التي جرت في المراكز الانتخابية التي خصصت لافراد الجيش والقوى الأمنية وكذلك المكاتب المتنقلة في المناطق البعيدة وفي السفارات الجزائرية في الخارج قد وقع فيها تزوير فاضح وأنّ ممثلي المرشحين معوا من الاشراف ومراقبة عملية الاقتراع في هذه الأماكن.
وشكلّ انسحاب الستة المرشحين صدمة كبيرة على المؤسسة العسكرية وعلى الرئيس اليامين زروال الذي وعد باجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفّافة و كانت أول ردّة فعل لزروال أنّه ألقى خطابا موجها الى الشعب الجزائري بثّه التلفزيون الجزائري جاء فيه أنّ الانتخابات ستتواصل, ولا يمكن لأيّ كان أن يعرقلها أو يؤدي بالبلاد الى طريق مسدود. وردّ المرشحون المنسحبون بقولهم أنّهم لن يعترفوا بشرعية هذه الانتخابات المزورّة لصالح مرشح السلطة عبد العزيز بوتفليقة. وكان الرئيس زروال قد رفض استقبال المرشحين الستة قبل اتخاذهم لقرار الانسحاب, كما رفض السماع لهم بوجود اختراقات خطيرة في صيرورة العملية الانتخابية.
وكان الرئيس اليامين زروال رفض استقبال المنسحبين من الانتخابات الرئاسية لعلمه بل لتأكدّه أنّه لن يكون في وسعه أن يفعل شيئا لهم لأنّ السيناريو المرسوم يجب أن يأخذ مجراه الى الأخير,وبناءا عليه اتهمّ المنسحبون الرئيس زروال ورئيس هيئة الأركان محمد العماري بعدم احترام تعهداتهم باجراء انتخابات نزيهة.
أمّا عبد العزيز بوتفليقة الذي كان أكبر المحرجين فقد تهجمّ على المنسحبين وأعتبرهم خارجين عن القانون وخصوصا عندما توالت تصريحات المنسحبين ضدّ عبد العزيز بوتفليقة, فيوسف الخطيب أحد المرشحين المنسحبين كان يعتبر بوتفليقة مرشح العسكر, ووقف ضدّ اختيار قيادة الجيش لبوتفليقة ليكون رئيسا للجزائر عام 1994 خلفا للمجلس الأعلى للدولة.
وقد أصدر المنسحبون الستة من الانتخابات الرئاسية وهم : مولود حمروش وأحمد طالب الابراهيمي و عبد الله جاب الله ويوسف الخطيب وحسين أيت أحمد ومقداد سيفي بيانا جاء فيه : بعد تجاهل رئاسة الجمهورية لمسعانا المشترك الوارد في بيان 13 أبريل نسجل :
1- نسجل اصرار السلطة على نكران حقّ المواطنين والمواطنات في تقرير مصيرهم واختيار رئيسهم وتحملها المسؤولية المترتبة عن ذلك.
2-& نؤكّد أنّ الالتزامات التي تعهدّ بها كل من رئيس الجمهورية وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي لضمان تنظيم انتخابات حرّة وشفافة لم تجسّد ميدانيا.
3- نقررّ انسحابنا الجماعي من الانتخابات الرئاسية الجارية وعدم الاعتراف بشرعية نتائجها وندعو ممثلينا الى الانسحاب من مكاتب ومراكز التصويت وجميع لجان المراقبة في كل المستويات.
4-& نقررّ الاستمرار في تجنيد وتعبئة حركة المواطنين والمواطنات لفرض احترام حقهم في القرار والاختيار الحر.
5-& نقررّ استمرار العمل التنسيقي فيما بيننا لمواجهة كل المستجدات.
&
وأبدى بعض الرسميين استغرابهم من الخطوة الخطيرة التي أقدم عليها المرشحون الستة وقد أكدّ هؤلاء الرسميون أنّ هؤلاء المرشحين كانوا قد قدمّوا وعودا للجيش بعدم اعادة الجبهة الاسلامية للانقاذ الى العمل السياسي وعدم فتح ملفات الرشوة وألتزموا أيضا بابقاء أساليب تسيير عائدات النفط على ما هي عليه.
أمّا بوتفليقة الذي بقيّ وحده في السباق فقد قررّ أن يواصل اللعبة, وأستمرّ في كيل المديح والثناء للمؤسسة العسكرية ولطالما كان يرددّ بأنّه مدين للجيش لأنّه أنقذ الدولة ومابقيّ من سمعة الدولة ولأنّه أي الجيش كان محرك الديموقراطية.
ولم تكثرت مؤسسات الدولة الجزائرية بانسحاب المرشحين الستة, فالمؤسسة العسكرية لم تعبأ بأحد, واليامين زروال الذي جاءت به المؤسسة العسكرية تبرأّ من المرشحين الستة وأعلن الذهاب بالانتخابات الى أخرها, ووزارة الداخلية أعتبرت أنّ ما أقدم عليه المرشحون الستة يندرج في سياق زرع الشك حول نزاهة الدولة.
&
مرشح الأقوياء
&
كل الأحزاب والجمعيات والحركات النسوية وغيرها التي كان تسبح في فلك السلطة وقفت الى جانب عبد العزيز بوتفليقة, فالتجمع الوطني الديموقراطي الذي عينّ على رأسه رئيس الحكومة في عهد اليامين زروال أحمد أويحي خلفا لابن بعيبش الذي عارض وقوف حزبه الذي كان يعرف باسم حزب السلطة الى جانب عبد العزيز بوتفليقة وقد تحدثّ بن بعيبش عن ضغوط من قادة الجيش للوقوف مع عبد العزيز بوتفليقة, وكانت النتيجة الاطاحة به وتعيين أحمد أويحي على رأس التجمع الوطني الديموقراطي, وتجدر الاشارة الى أنّ الحزب الديموقراطي الوطني الذي خلقته السلطة ليكون بديلا عن الجبهة الاسلامية للانقاذ وحزب جبهة التحرير الوطني يحتل 156 مقعدا في البرلمان والذي هو من أصل 380 مقعدا, كما يحتل معظم المقاعد الوزارية. وبالاضافة الى هذا الحزب فانّ التعليمات صدرت الى الجنود والعاملين في الأجهزة الأمنية باختيار بوتفليقة, واستطاع بوتفليقة أن يجمع تحت مظلته كل المتناقضات من حركة مجتمع السلم وحركة النهضة التي نجحت السلطة في الاطاحة بزعيمها عبد الله جاب الله الذي أسسّ حركة الاصلاح الوطني, والاتحاد العام للعمّال الجزائريين و جمعية عائلات ضحايا الارهاب و الجمعيات التجارية.
وكان بوتفليقة عندما يتوجه الى ولاية معينة في سياق حملته الانتخابية كانت الدوائر الرسمية تعطّل ليتسنى للجميع حضور مهرجانه الخطابي وهذا ما لم يحدث مع أيّ من المرشحين الباقين.وحتى وسائل الاعلام العمومية المرئية والمسموعة والمكتوبة وقفت وقفة غير طبيعية مع عبد العزيز بوتفليقة, وكل هذه المؤشرات وغيرها كشفت عن وجود لعبة مدروسة ودقيقة والهدف منها ايصال بوتفليقة الى قصر المرادية.
ووسط هذه الأجواء المفعمة بالشكوك انطلقت الانتخابات الرئاسية يوم الخميس 15 نيسان - أبريل - 1999, وكان المنضمّون الى المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وسكان المناطق الصحراوية النائية قد أدلوا بأصواتهم قبل ثلاثة أيام من التاريخ المذكور. ولم تتأخر وزارة الداخلية في الاعلان عن نتائج الانتخابات كما لم يتأخر المجلس الدستوري في الاقرار بنزاهتها وقد جاءت على الشكل التالي :
1- عبد العزيز بوتفليقة&& 7.442.139 صوتا أي 73.79 بالمائة من الأصوات المعبّر عنها.
2- أحمد طالب الابراهيمي 1.264.094 صوتا أي 12,53 بالمائة من الأصوات المعبّر عنها.
3- عبد الله جاب الله 398.416 صوتا أي 3.95 بالمائة من الأصوات.
&4- حسين أيت أحمد 319,523& صوتا أي 3.17 بالمائة من الأصوات.
6- مولود حمروش 311.908 صوتا أي 3.09 بالمائة من الأصوات.
7-& مقداد سيفي 122.826 صوتا أي 1.22بالمائة من الأصوات.
8-& يوسف الخطيب 122.826 صوتا أي 1.22 بالمائة من الأصوات.
وكان عدد الناخبين المسجلين يقدّر ب : 17.494,136, و قدرّ عدد المصوتين ب: 10.536.751, وقد بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ودائما حسب تقديرات السلطة 60.25 بالمائة. وكان أول الفرحين بنتائئج الانتخابات عبد العزيز بوتفليقة الذي أعلن عن قبوله لنتائج الانتخابات واستعداده ليكون رئيسا لكل الجزائريين, وكان وزير الداخلية عبد المالك سلال قد أعلن أن سبعة ملايين جزائري قد أختاروا المرشح الوحيد عبد العزيز بوتفليقة.
وفي الوقت الذي حولّت فيه السلطة الجزائرية يوم فوز بوتفليقة الى يوم وطني شبيه بذكرى استقلال الجزائر, فانّ المنسحبين الستة دعوا الى تنظيم مسيرة احتجاجية وسط الجزائر العاصمة, وقد منعت قوات الأمن الجزائرية التظاهر وقطعت كل الطرق التي كان المتظاهرون ينوون التجمهر فيه.
ورغم ذلك لم يتأخر عبد العزيز بوتفليقة في استلام مهامه التي بدأت باجراء مراسيم تسليم وتسلّم من زروال في قصر الشعب ودام اللقاء بين زروال وبوتفليقة عشرين دقيقة, وأعقبها بعد ذلك أداء القسم الدستوري في قصر الأمم بحضور وطني ودولي مكثّف, وفي أثنائها ألقى الرئيس الجديد عبد العزيز بوتفليقة خطابا اتسمّ باعادة التذكير أنّ الدولة الجزائرية مازالت قائمة وسوف تسخّر هذه الدولة كل ماتملكه من وسائل لدحر العنف وقطع دابره والاقتصاص من مسببيه طبقا لقوانين الجمهورية أو كما قال الرئيس الجديد.&وركزّ في خطابه على أمرين بالغي الأهمية وهما الأمن وكيفية تحقيقه والاقتصاد الجزائري وكيفية انعاشه. لكنّ السلطة التي أرادت أن تصنع من عبد العزيز بوتفليقة الرجل المنقذ و الحلّ الضروري للجزائر لم تستطع أن تقرن الفعل بالقول, وبدأ بوتفليقة يتنصل من كثير من وعوده وأقواله أيضا.
&
لم يدر في خلد عبد العزيز بوتفليقة وهو يؤبّن صديقه الرئيس الراحل هواري بومدين في مقبرة العالية عشية وفاة هواري بومدين أنّه يؤبّن مسيرته السياسية أيضا. فلقد تنكرّ له العهد الجديد ولم يكلفّه بأي مهمة على الاطلاق رغم تجربته الواسعة في مجال السياسة الخارجية وقد فهم بما يملكه من حنكة ودهاء أنّ الذين بدأوا يحتلون المواقع الأمامية في المؤسسة العسكرية ودوائر القرار لا يرغبون فيه, وأنّه لا ينسجم معهم بل لا ينسجم بتاتا مع المرحلة العالمية الجديدة التي بدأت تتسم ببدايات زوال الحرب الباردة, ويبدو أنّ بوتفليقة كان يشعر أنّه أخذ حقّه وزيادة من المسؤولية,ومعروف أنّه قال غداة فوزه في الانتخابات الرئاسية : كنت أصغر ضابط في جيش التحرير الوطني, وأصغر وزير خارجية في العالم ورأست الجمعية العامة للأمم المتحدة وأقمت علاقات مع عظماء العالم.
وبعد وفاة هواري بومدين فتح ملف عبد العزيز بوتفليقة المالي فأختار مغادرة الجزائر الى بعض الدول الخليجية على المكوث في الجزائر ومواجهة المجهول, ولأنّه أثر الصمت فقد ظلّ ملفه مغلقا تفتح صفحة منه أو صفحتان بين الحين والأخر دون فتح السجلات كلها بالتفاصيل.
وبعد خريف الغضب تشرين الأول - أكتوبر -1988 عاد الى الجزائر ووقعّ مع بعض السياسيين الجزائريين بيانا دعيّ ببيان السبعة عشر وفيه طالب هؤلاء السياسيون الشاذلي بن جديد بفتح الباب أمام الديموقراطية ولو بشكل محدود, وفي سنة 1994 عرضت عليه المؤسسة العسكرية رئاسة الدولة فأدىّ الاختلاف بين بوتفليقة وبعض الجنرالات الى اقصائه منها وتعيين الجنرال اليامين زروال رئيسا للدولة. وبعد 15 نيسان - أبريل - 1999 وجد نفسه رئيسا بنفس شروط المؤسسة العسكرية ولكن بسيناريو مختلف غير الذي كان مقررا في سنة 1994
أنتهى
&