يحي أبوزكريا
&
تعتبر الجزائر الدولة العربيّة الوحيدة التي قطفت وبسرعة ثمار تعاملها الأمني والمعلوماتي المكثّف مع واشنطن عقب أحداث الحادي عشر من أيلول - سبتمبر التي عصفت بالولايّات المتحدة الأمريكيّة, وكانت الجزائر قد قدمّت حصيلة كبيرة من المعلومات عن عناصر جزائريّة يعتقد أنّها تنتمي إلى تنظيم القاعدة وتنشط في عواصم غربيّة عديدة, والكمّ الهائل من المعلومات الجزائريّة المقدمّة لواشنطن جعل هذه الأخيرة تدعو إلى تشكيل لجنة أمنيّة مشتركة أمريكيّة - جزائريّة, كما أنّ الخطوط الهاتفيّة و الاتصالات بين واشنطن والجزائر كانت ساخنة إلى أبعد الحدود, فجورج بوش أجرى اتصالا هاتفيّا بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أثناء الغارة الأمريكيّة على أفغانستان حيث وضعه في صورة السيناريو الأمريكي في أفغانستان, وأعقب هذه المكالمة اتصالات واسعة بين البلدين, كان أخرها الزيارة التي قام بها وليّام بيرنز كاتب الدولة الأمريكي المكلّف بشؤون الشرق الأوسط الأسبوع الماضي. وقد لعبت واشنطن دورا كبيرا في تمهيد الطريق للجزائر لتوقيع اتفاقيّة أمنيّة واسعة مع حلف الشمال الأطلس - الناتو - و التوقيع على معاهدة الشراكة الجزائريّة -الأوروبيّة أثناء زيارة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الأولى إلى العاصمة البلجيكيّة بروكسل, علما أنّ الاتحاد الأوروبي كان يرفض جملة وتفصيلا ادخال الجزائر في الشراكة الأوروبيّة وقد رفض هذا الموضوع في سنة 1996 إلى جانب رفض الطلب السوري بالانضمام إلىالشراكة الأوروبيّة, و كان الاتحاد الأوروبي يعترض على انتهاك حقوق الإنسان في الجزائر و مافتئ يعلن عن عدم أهليّة الجزائر في الانضمام الى الشراكة مع أوروبا. وقد تبددّت كل الاعتراضات الأوروبيّة وتلاشت كل المآخذ التي كان يأخذها الاتحّاد الأوروبي على الجزائر في مجالات حقوق الانسان و وضع المعتقلين و المفقودين بالاضافة الى حرمان الأحزاب السيّاسية من التداول على السلطة. غير أنّ دخول واشنطن على الخط أدّى الى قبول الجزائر شريكا للاتحّاد الأوروبي وحليفا أمنيّا واستراتيجيّا لحلف الناتو, واللقاء الذي جمع بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والأمين العام لحلف الشمال الأطلسي - الناتو - جورج روبرستون أفضى الى وضع رؤيّة مشتركة بين الجزائر والناتو وانتهت بالتوقيع على اتفاقيّة أمنيّة متكاملة قد تؤدّي الى فتح الجغرافيّا الجزائريّة أمام القوّات الأطلسيّة فيما لو تطورّت الأوضاع الأمنيّة بشكل سلبي في الجزائر. و قد أعلن الأمين العام لحلف الناتو أنّ الجزائر هي من المحاور الجغرافيّة التي تهمّ حلف الناتو, ومصدر الاهتمام يعود الى ضمان تدفّق الغاز والنفط الجزائريين الى كل أوروبا وتحديدا فيما لو انهار الوضع الأمني في الجزائر والاتفاق الجزائري - الأطلسي يخصّ امكانيّات المحافظة على الوثائق التي سيتبادلها مستقبلا الجيش الجزائري والحلف الأطلسي. ويهدف حلف الناتو من خلال التحالف الأمني مع الجزائر الى ضمان استقرار الجبهة الجنوبيّة لحوض المتوسّط وتأمين الواجهة المقابلة للجناح الجنوبي للناتو كما صرحّ بذلك مسؤول قسم التعاون والأمن الاقليمي لحلف الناتو العقيد فرانكو لي. كما أنّ معاهدة الشراكة الجزائريّة - الأوروبّية تتضمنّ فيما تتضمنّ بنودا مشتركة لمكافحة الارهاب, وفي الوقت الذي كانت فيه كل البنود الموجودة في المعاهدة مستقبليّة من قبيل اعداد الاقتصاد الجزائري ليصل الى نفس مستوى الاقتصاد الأوروبي سنة 2010 واقامة سوق حرّة بين الجزائر ودول أوروبا واعادة تأهيل المجالات الاجتماعية والاعلاميّة والسياسيّة الاّ أنّ التوافق الأمني ساري المفعول منذ اليوم الأوّل للتوقيع على المعاهدة, وقد استطاعت الجزائر أن تحصل على تطمينات من رئيس المفوضيّة الأوروبيّة رومانو برودي بأنّ الدول الأوروبيّة مجتمعة ستلاحق الشبكات الجزائريّة العاملة فوق الأراضي الأوروبيّة والتي تتهمّها الجزائر بأنّها شبكات دعم وامداد للجماعات الاسلاميّة المسلحّة في الداخل الجزائري . وقبل التوقيع على معاهدة الشراكة الجزائريّة - الأوروبيّة مع رئيس المفوضيّة الأوروبيّة رومانو برودي في بروكسل, كانت للرئيس الجزائري لقاءات متعدّدة مع كبار الرسميين في بلجيكا, كما التقى الرئيس الجزائري بأعضاء الجاليّة الجزائريّة, حيث كان البعض متحفظّا على هذه المعاهدة التي لن تعود بالنفع الاّ على أوروبا باعتبار أنّ الاقتصاد الجزائري يعتمد بالدرجة الأولى على النفط والغاز ولن يرقى المنتوج الجزائري الأخر الى منافسة المنتوج الأوروبي الذي يبدو مسيطرا على الأسواق الجزائريّة دون اتفاق شراكة, والاستفادة الطفيفة التي قد تجنيها الجزائر من شراكتها مع أوروبا هو حصولها على بعض الأموال لدعم بعض البرامج والقطاعات التي ترى المجموعة الأوروبيّة أنّه يجب على الجزائر تطويرها, وفي الأغلب فانّ مثل هذه المساعدات محدودة ولا ترقى إلىمستوى النهوض باقتصاد مريض كالاقتصاد الجزائري. وواشنطن التي ساهمت في جعل حلف الناتو والاتحّاد الأوروبي يغضّ الطرف عن المسلكيّة السياسية للنظام الجزائري والتي كانا يعترضان عليها في أوقات سابقة يهمّها أن تستثمر ذلك في سبيل تفعيل مصالحها في الجزائر, خصوصا بعد أنّ أكدّت الدراسات الأمريكية أنّ الصحراء الجزائريّة التي تحتل مساحة مليونين كيلومتر مربّع من أصل مليونين وثلاثمائة ألف كيلومتر مربّع هي مجمل المساحة الجزائريّة تحتوي على مخزون نفطي هائل, ولم يستثمر منه الاّ عشرين بالمائة, ومعروف أنّ الجزائر هي ثالث دولة مصدرّة للغاز بعد روسيا وكندا و ثاني مصدّر للغاز الطبيعي السائل بعد أندونسيّا, و في سنة 2000 وحدها كانت عائدات الجزائر من النفط في حدود 22 مليار دولار أمريكي, و عندما كانت الفتنة الجزائريّة مشتعلة قال أحد المحلليّن الأمريكان في الهيرالد تريبيون : فليتقاتل الجزائريون فيما بينهم و المهم أن لا يصل حريقهم الى آبار النفط والغاز في الصحراء الجزائريّة, وقد نسيّ هذا المحللّ أن يقول هذه الأبار التي يشرئبّ اليها العنق الأمريكي الطويل والطويل جدّا!
&
&
&