يحي أبوزكريا
&
بعد قطيعة ديبلوماسية و سياسيّة أستمرّت قرابة عشر سنوات عادت الميّاه الى مجاريها بين الجزائر وطهران وأتت الاتصالات السريّة بين رسميين من ايران والجزائر في كواليس بعض العواصم العربية والغربية ثمارها الى درجة أنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وخلال الندوة الصحفيّة المشتركة مع الرئيس الفنزويلي لدى زيارته التي قام بها الى الجزائر في وقت سابق, أعلن أنّ الجزائر مستعدة أن تستقبل الرئيس محمد خاتمي في الجزائر, وأستطرد قائلا أنّ الذي يجمع بين الجزائر وايران هو الايمان والاسلام والثقافة والمصير الواحد, وذكر بوتفليقة في المؤتمر الصحفي أنّ الاتصالات قطعت شوطا كبيرا وبقيت بعض الملفات الأمنية العالقة التي هي في طريقها للمعالجة.
وقد مرّت العلاقات الجزائرية - الايرانية بمحطات تألقّت تارة و تدهورت باستمرار ذلك أنّ ايران بمشروعها الاسلامي لم تتحوّل الى غول يخيف المشرق العربي و دول الخليج العربي, بل تحولّت ايران لدى انتصار ثورتها الى غول يخيف حتى الدول المغاربية, الى درجة أنّ العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني و في خطاب متلفز رفع صورة الامام الخميني مؤسّس الجمهورية الاسلاميّة وعلقّ بقوله أنّ صاحب هذه الصورة هو المشكلة, في اشارة الى الاضطرابات الطلابيّة في الثانويات والجامعات في المدن المغربيّة.
والى وقت قريب كانت العلاقات الديبلوماسية بين ايران ودول المغرب العربي مقطوعة
(تونس, الجزائر, المغرب) فيما ظلّت ليبيا وموريتانيا تحتفظان بعلاقات ديبلوماسية عادية مع ايران, وقد تمكنّت تونس في وقت مبكّر وقبل رجحان الكفة لصالح التيار الاصلاحي والتنويري في ايران من استئناف علاقاتها مع ايران وتمّ تبادل السفراء بين العاصمتين. كما أنّ المغرب عالجت معضلتها مع ايران في عهد العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني, وبقيت العلاقات الجزائرية - الايرانية مجمدّة لأسباب ترتبط مباشرة بالوضع السياسي والأمني في الجزائر.
وقد كانت العلاقات الجزائرية - الايرانيّة في عهد الشاه رضا بهلوي عادية ولم ترق الى مستوى العلاقات المتميّزة والسبب في ذلك يعود الى كون الجزائر في ذلك الوقت كانت محسوبة على المحور الاشتراكي اليساري, فيما كانت ايران قاعدة أمريكية, وقاعدة متقدمة للغاية خصوصا وأنّ الاتحاد السوفياتي السابق كان على مرمى حجر من ايران, وهذا الاختلاف في موالاة المرجعيات الدولية تاريخئذ لم يحل دون التنسيق بين الجزائر وايران في مسائل أسعار النفط وقضايا سياسية أخرى تهمّ البلدين, وفي سنة 1975 استطاعت الجزائر في عهد هواري بومدين أن تجمع بين شاه ايران ونائب الرئيس العراقي في ذلك الوقت صدّام حسين وكانت النتيجة اتفاقيّة الجزائر التي وضعت حدّا للخلاف الحدودي بين العراق وايران. وربما هذه العلاقات الديبلوماسية هي التي أدّت بالجزائر الى رفض طلب الامام الخميني بالاقامة في الجزائر بعد أن جرى طرده من النجف في العراق, وبعد أن رفضت الجزائر طلب لجوئه توجّه الى العاصمة الفرنسية باريس وذلك بعد رفض الكويت استقباله أيضا.
وبعد انتصار الثورة الايرانية في شباط 1979, تخوفّت الدوائر الجزائريّة من مشروع الثورة الاسلامية واصرار المسؤولين الجدد في ايران على تصدير ثورتهم الى العالم العربي والاسلامي, وأزداد تخوف الدوائر الجزائرية من المارد الايراني الاسلامي بعد تجاوب الشارع الجزائري مع الثورة الايرانية, وبعد الاشادات الايرانية المتكررة بالثورة الجزائرية التي طردت الحلف الأطلسي من الجزائر, وبعد الاشادات بالحالة الاسلامية الجزائرية التي كانت مؤهّلة في زعم الايرانيين أن تحققّ المعجزة الاسلامية في المغرب العربي.
وبناءا عليه أحيطت السفارة الايرانية في الجزائر العاصمة بسياج أمني محكم و بات كل جزائري أو جزائرية يترددّ على السفارة الايرانية للحصول على كتيبّات زعماء الثورة الاسلامية في ايران أو المنشورات الايرانية عرضة للاعتقال وكان هؤلاء يعتقلون فور خروجهم من السفارة الايرانية مباشرة, ويتمّ اقتيادهم الى دوائر الأمن حيث يجري استجوابهم كما كان زائرو ايران من الجزائريين الذين يريدون معرفة ماذا يجري هناك يتعرضون للاعتقال بعد عودتهم الى الجزائر.
وعندما تأسسّت الجبهة الاسلامية للانقاذ وفوزها في الانتخابات البلدية والتشريعية في وقت لاحق دعمت ايران سياسيا واعلاميا خطّ الجبهة الاسلامية السياسي, وحظيّ الدكتور عباسي مدني زعيم الجبهة الاسلامية للانقاذ باستقبال رسمي في ايران لدى زيارته لها, كما حظيّ باستقبال حار من مرشد الثورة الايرانية علي خامنئ, وهذا ما جعل الدوائر الجزائرية تتخوفّ من العلاقة الناشئة بين الحركة الاسلامية الجزائرية والثورة الاسلامية في ايران, وعندما ألغت السلطة الجزائرية الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الاسلامية للانقاذ أحتجّت ايران احتجاجا كبيرا على هذه المسلكية الطاغوتية كما سمتها طهران, كما أنّ طهران أعتبرت اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف بأنّه اغتيال طاغية, كما صرحّ بذلك أية الله جنتي في خطبة الجمعة في جامعة طهران عقب اغتيال بوضياف مباشرة في أواخر حزيران - يونيو سنة 1992 .
وقد أعتبرت الجزائر هذا وغيره تدخلا سافرا في القضايا الداخلية الجزائرية وقطعت علاقاتها الديبلوماسية مع ايران وطردت الديبلوماسيين الايرانيين من الجزائر, وخصوصا بعد أن ألقت المخابرات الجزائرية القبض على وزير جزائري كان يسرّب ملفات الى السفارة الايرانية في العاصمة الجزائرية. وبعد اندلاع الفتنة الجزائرية العمياء ظلّت الجزائر تتهمّ ايران والسودان بتقديم الدعم للجماعات الاسلامية المسلحة في الجزائر, لكنّ السلطات الجزائرية لم تكن تملك أدلة بهذا الخصوص, بل كانت تتلقّى ملفات جاهزة من المخابرات المصرية والتونسية وبعض الأجهزة الغربية.
و كانت الجزائر الرسمية تعتبر طهران أهم حليف لخصمها اللذوذ الحركة الاسلامية الجزائرية ولذلك كانت ترجئ باستمرار اعادة النظر في موقفها من طهران.
ومع انتقال ايران من الثورة الى الدولة, و بداية تغليب لغة المصالح على لغة الايديولوجيا, ومع ترميم العلاقات الايرانية مع مختلف الدول العربية, بدأت الجزائر تراجع حساباتها وتستجيب لرسائل الرئيس الايراني محمد خاتمي, و نتيجة هذه الاتصالات الكواليسية لقاء تمّ بين عبد العزيز بوتفليقة ومحمد خامي في نيورك بعد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة, و أعقب اللقاء سلسلة انفراجات في العلاقات الثنائية بين الجزائر وايران أنهت قطيعة ديبلوماسيّة دامت 10 سنوات. والرسميون الجزائريون يعتبرون أنّ الايرانيين هم الذين بدأوا بتجاوز الخطوط الحمراء مغلبّين منطق الثورة على منطق الدولة, وهم الذين بدأوا في التدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية, علما أنّه وكما يقول الرسميون الجزائريون فانّ الجزائر ساهمت في حلحلة الخلاف العراقي - الايراني في سنة 1975, وساهمت في حلحلة أزمة الرهائن الأمريكان في طهران بالشكل الذي جنبّ ايران ضربة أمريكية قاضية كما كان يخططّ لها بريجنسكي, وساهمت في دعم حكومة مهدي بزركان بعد الثورة الايرانية. ونظرا لهذه المواقف المستجدّة فقد أرسلت طهران سفيرها الى الجزائر كما فعلت الجزائر الشيئ نفسه و من المتوقّع أن تؤديّ زيارة خاتمي الى الجزائر الى اذابة كل الخلافات بين البلدين وبداية مرحلة جديدة, فايران تبحث عن أبواب عربية تلجها والجزائر تبحث عن شرعية اقدامها على نحر الاسلاميين من العالم الاسلامي وللأسف فانّ ايران التي كانت في طليعة المدافعين عن المستضعفين في الجزائر, باتت في طليعة البحث عن فتح قنوات مع المستكبرين.
واذا كان مابين السعودية وايران قد ذاب بسرعة فمن باب أولى أن يذوب مابين الجزائر وايران كما يقول العارفون بالشأن الجزائري الذين يصرّون على القول أيضا أنّ زمن الايديولوجيا ولىّ و زمن العولمة حلّ !