رجاء النقاش
&
بعض الحديث قد يفقد قيمته وتأثيره عندما يكون توقيته غير مناسب او عندما يكون قد فات أوانه والحديث الآن عن أخلاق المسلمين كما ينبغي ان تكون عليه في الأزمات الكبيرة قد يكون من هذا النوع الذي يقال في الوقت غير المناسب وبعد فوات الأوان ومع ذلك فلا بد من تكرار القول إن الأخلاق الاسلامية خاصة في اوقات الأزمات الكبيرة هي أخلاق قائمة على التسامح وسعة الصدر فعندما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة لم يتعرض أهل مكة للقتل والذبح بسيوف المسلمين وقال الرسول الكريم لأهل مكة الذين حاربوه حربا عنيفة متواصلة وسعوا الى قتله والقضاء على دعوته ورسالته اذهبوا فأنتم الطلقاء بل ان الرسول قال أكثر من ذلك ان من يدخل بيت أبي سفيان فهو آمن ومن هو أبو سفيان؟ لقد كان هذا الرجل هو العدو الأول للرسول وكان هو المخطط الدائم للحرب على الاسلام والمسلمين قبل فتح مكة ولكنأبا سفيان كان زعيما كبيرا من زعماء قريش وكان رجلا له جاه ومال ونفوذ واسع في الجاهلية وقد راعى النبي العظيم ذلك كله فلم يفكر في الانتقام من أبي سفيان بعد هزيمته وانتصار المسلمين عليه وعلى سائر المشركين السابقين ولم ينصب النبي محاكم لعقاب الذين اخطأوا في حقه وحق رسالته رغم ان بعض اخطائهم قد وصلت الى حد القتل والتآمر وسفك الدماء ومصادرة الأموال مما كان يمكن للرسول ان يحاسب عليه ويفرض عقوبات قوية ومناسبة للجرائم التي تم ارتكابها في السابق ان الرسول العظيم هنا يقدم لنا نموذجا رائعا في سعة الصدر والتسامح فيعفو عفوا صادقا شاملا لا شبهة منه ولا رياء وكان موقف الرسول فيه بعد نظر كبير جدا فلو ان المسلمين أقاموا المذابح لأهل مكة بعد أن فتحها الله عليهم لكان المسلمون الى وقت طويل جدا لا يعلم مداه إلا الله في حرب وقتال لأن أهل مكة كانوا سوف يطوون أنفسهم على نية واحدة هي الثأر والانتقام ولكن موقف الرسول من أهل مكة شرح قلوب الناس للإسلام فدخلوا في دين الله أفواجا وأصبح أهل مكة بعد ذلك من أكبر المدافعين عن الدين الجديد وكانوا في مقدمة الذين حملوا راية هذا الدين الى شتى انحاء العالم هذه قصة معروفة للجميع منذ فجر الاسلام الى اليوم وهي قصة معروفة لكل المسلمين بل ولغير المسلمين من الذين يقومون بدراسة الاسلام في انصاف وسعي صادق الى معرفة الحقيقة وموقف الرسول بعد فتح مكة هو درس كبير جدا للمسلمين جميعا بل هو درس للإنسانية كلها لانه يدل على ان التسامح وسعة الصدر والتفكير المتأني في المستقبل وإزالة أسباب التوتر الذي تتولد عنه أي رغبة في الثأر والانتقام كل هذا هو مفتاح النجاح والتقدم وبناء المجتمعات على أسس قوية راسخة فأين نحن من درس فتح مكة وهو درس تاريخي وانساني عظيم؟ ان المسلمين عليهم ان يدركوا مغزى هذا الدرس فالقوي منهم لا يجوز له أبدا ان يستغل الأزمات التي يتعرض لها إخوانه فيحاسبهم على أخطاء سابقة وقعوا فيها من قبل فالأزمة على العكس ينبغي ان تصحب معها تسامحا وسعة صدر من القادرين نحو الذين يتعرضون للمحنة أما استغلال المحنة بتصفية حسابات قديمة والعقاب على اخطاء سابقة فهو لن يجر على أصحابه إلا مشاكل تنفجر كالألغام في المستقبل ولا أريد ان افصح أكثر من هذا فأظن ان الأقوياء والقادرين في العالم العربي الآن معروفون والذين هم في محنة كبرى يعرفون أيضا
التعليقات