يحي أبوزكريا&
&
تدور في المغرب العربي حرب خفيّة وباردة الى حدّ ما بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والتي بدأت تنعكس على العلاقات الفرنسية -المغاربية بشكل عام مؤشرة الى أن اللاعب الأمريكي استطاع بجدارة التسلل الى الملعب المغاربي والذي ما فتئت فرنسا تؤكد أنه من صلاحياتها دون غيرها, وفرنسا الرسمية التي تشن تصريحات يفهم منها عدم رضاها على وضعية حقوق الانسان في تونس وموريتانيا والجزائر والمغرب وليبيا,ترفض الجهر بامتعاضها من التسهيلات التي بدأت تعطيها بعض هذه الدول المغاربية لأمريكا وموضوع حقوق الانسان في المغرب العربي الذي تثيره فرنسا هو مجرّد لهو حديث لأن الكلاب الفرنسية أفضل حالا من المهاجرين من المغرب العربي في فرنسا.&ومخاوف فرنسا من فقدها للمغرب العربي متشعبّة منها السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الجيوسياسية.
&الى وقت قريب كانت فرنسا هي المحتكر الوحيد للأسواق المغاربية تمدها بكل صغيرة وكبيرة وحتى تبقي على هذا الاحتكار كانت تقدم مساعدات لبعض الدول المغاربية لابقائها دوما في الدائرة الفرنسية, فعلى سبيل المثال قدمت فرنسا منذ 1994 مساعدات كمنح لموريتانيا قدرت بمبلغ 900 مليون فرنك, لكنّ هذه المساعدات تقلصت بعد بداية التقارب الموريتاني- الأمريكي وفتح واشنطن أبوابها لنواكشوط عقب استئناف علاقاتها مع الدولة العبرية, صحيح أن واشنطن تبحث عن المواقع التي فيها موارد أولية لكن موريتانيا تتمتع بموقع استراتييجي مهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكيية.
و في تقرير سابق كان قد كتبه أحد المستشارين للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران جاء فيه أن كل فرنك تدفعه فرنسا لافريقيا - والمقصود هنا شمال افريقيا أيضا أي المغرب العربي -تسترجع مقابله فرنسا عشر فرنكات! وذلك في اشارة الى حجم الأرباح التي تجنيها فرنسا من إفريقيا.& وحتى الموارد الطبيعية كالنفط والغاز فان الشركات الفرنسية هي التي كانت مسيطرة عليها تنقيبا وتسويقا واحتكارا. أما الان فالشركات الأمريكية باتت الأكثر حضورا في مواقع النفط والغاز وعلى الأخص في الجزائر.
وعلى الصعيد الثقافي فان اللغة الأنجليزية باتت تنافس اللغة الفرنسية التي كانت سيدة الموقف وبلا منازع ولأجل هذا تحركت الدوائر الفرنسية ومنها منظمة الفرانكفونية العالمية لاعادة الاعتبار للغة الفرنسية ووقف الزحف اللغوي الأنجليزي للمغرب العربي.
وفرنسا التي حظرت اللغة العربية في المدارس الفرنسية تطالب دول المغرب العرب بضرورة اعطاء تسهيلات للغة الفرنسية في المغرب العربي وجاءها الرد هذه المرة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي قال أن على فرنسا أن تتصالح مع اللغة العربية في مدارسها وبعد ذلك تطالبنا بتسهيلات للغة الفرنسية.
وعلى الصعيد الجيوسياسي فان فرنسا تعتبر المغرب العربي هو بوابتها على افريقيا التي فقدت فيها فرنسا كل أو بالأحرى جل مواقعها و اخراجها من هذا الحزام هو بمثابة انهاء وجودها التاريخي العريق في افريقيا.
وتخشى الدوائر الفرنسية أن يؤدي تدفق الشركات الأمريكية على المغرب العربي الى نكسة للاقتصاد الفرنسي الذي يعوّل كثيرا على الأسواق المغاربية ومعروف أن هذه الأسواق تستورد كل صغيرة وكبيرة من المواد الغذائية والزراعية والأدوات الكهربائية و السيارات وغيرها من فرنسا. وقد بات مألوفا بين المغاربيين النكتة التي تقول أن البواخر الفرنسية المحملة بالحنطة لو تأخرت يوما واحدا في الوصول الى الموانئ المغاربية فان الشعوب المغاربية لن تجد ما تخبزه وبالتالي ما تأكله, وهذا التداخل بين فرنسا واقتصاديات الدول المغاربية أفرز طبقة رسمية متنفذة تقتات من السمسرة والعمولات المقدمة من الشركات الفرنسية الى درجة أن بعض المسؤولين في بعض الدول المغاربية يرفضون شراء بضائع معروضة عليهم من دول غير فرنسا بأثمان زهيدة لكن العروض تهمل نظرا لأنّ المعنيين بالاستيراد لا يرجون عمولة مزجاة من الدول العارضة وهؤلاء تربطهم بالدوائر الفرنسية أوشج العلاقات ولديهم في باريس حسابات يسهل الضخ فيها بعيدا عن أعين المواطنين المسحوقين في المغرب العربي.
وفي الوقت الذي تسعى فيه باريس لتجذير مصالحها الاقتصادية والثقافية في المغرب العربي, فانّ لواشنطن بعدا أخر غير هذين البعدين - وان كانت عينها جاحظة على الموارد الطبيعية الغنية في الشمال الافريقي - وهو البعد الاستراتييجي حيث تشير بعض الدراسات الأمريكية ومجلة فرين أفرز الأمريكية المتخصصة في القضايا الدولية أن منطقة المغرب العربي حساسة لدوائر القرار الأمريكية التي وضعت دراسة برمتها في كيفية زحزحة فرنسا عنها, ويرى بعض المراقبين في المغرب العربي أن الفترة المغاربية المقبلة ستكون أمريكية خصوصا وأن الرئيس التونسي الحالي زين العابدين بن علي علاقته بالأمريكان أقوى منه بالفرنسيين فهو أكمل تكوينه العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية ولدى عودته من هناك بدأ نجمه السياسي يسطع وبدأ نجم بورقيبة الفرانكفوني -الفرنسي- يخفت, والملك محمد السادس كما أبوه علاقته بالأمريكان أمتن الى درجة أن الكونغرس الأمريكي اعتبر المغرب بلدا نموذجيا في الوقت الذي تتهم فيه وسائل الاعلام الفرنسية الرباط بأنها تنحر حقوق الانسان جهارا نهارا, وعبد العزيز بوتفليقة يحظى بدعم أمريكي مباشر الى درجة أن المناورات العسكرية البحرية بين القوات الأمريكية والجزائرية على السواحل الجزائرية قد تكثفّت بشكل ملحوظ في المدة الأخيرة,والتطبيع بين واشنطن ونواكشوط يضطرد بسرعة الأمر الذي أغاظ باريس وجعلها تعتقل بعض المسؤولين الموريتانيين على أراضيها بدعوى انتهاك حقوق الانسان في موريتانيا, أما ليبيا فهي وجدانيا أقرب الى واشنطن منه الى باريس وقد بدأت دوائر أمريكية تكشف عن محطات تعاون بين الأجهزة الأمنية في تل أبيب وطرابلس الغرب وتقديم هذه الأخيرة لمعلومات تتعلق بتنظيمات فلسطينية كانت تحظى بالدعم الليبي في يوم من الأيام, والزحف الأمريكي باتجاه المغرب العربي يتم بسرية مغلقة وتامة الى درجة أن باريس كلما تستيقظ صباحا تجد أن ضفتها الجنوبية -المغرب العربي - تنزاح بهدوء باتجاه الهوى والهواء الأمريكيين,وهذا ما يجعل فرنسا متحمسة لفكرة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدول المغاربية لكن مالم تحققه باريس في مواقع أخرى من العالم لا يمكن أن تحققه في المغرب العربي!