&
كتب نصـر المجالي: أثار اقتراح للجنة الوطنية المسماة (الأردن اولا) في شأن دور المرأة الأردنية في الحال البرلماني جدالا على مستوى كبير، والاقتراح الذي قدمته اللجنة، وبدأت الحكومة التي يرئسها المهندس علي ابو الراغب في درسها على نحو جدي قد يفضي الى قرار دستوري في شانها يشير الى امكان منح نساء المملكة الهاشمية حصة في البرلمان الآتي.
الحصة في حال الارقام تقول ان تعديلا على قانون الانتخابات سيعطي النساء الاردنيات ما عدده 12 مقعدا في البرلمان الذي قرر العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني ان ينتخب في الربيع المقبل (اما في ايار او حزيران من العام الجديد).
وتساؤلات المجادلين (الى اللحظة اعلاميا عبر الصحف وكتابات المحللين) تقول ان أي بلد متقدم ديمقراطي يعطي الحق لجميع فئاته بغض النظر عن الجنس والدين والانتماء العرقي والطائفي خوض المعركة الانتخابية ولوصول الى سدة البرلمان ممثلا او ممثلة للشعب.
ويعطي هؤلاء امثلة في الحال البرلماني الغربي حيث النساء ينافسن الرجال بالكفاءة والبرامج الانتخابية وصولا الى المقعد التمثيلي العتيد تحت قبة البرلمان من دون تحديد "حصص" تستند الى الجنس "والا عدنا الى العصور الغابرة في التمييز بين كائنين حيين على كل منهما تبعات والتزامت جنبا الى جنب".
وفي الاراء المقترحة لتعديل قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية فإن حصة لـ 12 امرأة اردنية في البرلمان المقبل ستغطي محافظات المملكة كافة "ليس على نهج حزبي او طائفي او عرقي"، ويقول المحللون الاردنيون "نساءنا لسن طائفة او عرقا آت من عالم آخر، وهن مرحب بهن لمنافسة نصفهن الآخر تحت قبة البرلمان".
يذكر انه منذ عودة الديموقراطية في العام 1989 ، فإن المراة الاردنية حازتعلى حق الترشيح والترشح والانتخاب للسلطة التشريعية فضلا عن انها نالت حقها في السلطة التنفيذية وكانت اول وزير عينت في الثمانينات هي ليلى شرف للاعلام ثم تلتها انعام المفتي للشؤون الاجتماعية وفي وزارة ابو الراغب الحالية والتي قبلها وزيرتان.
واذ ذاك، فان دور النصف الثاني من المجتمع في الحال الاردني بدأ عطاءاته وانجازاته منذ اكثر من نصف قرن من الزمان.
فهذا البلد الصغير الحجم والامكانيات الذي ظل وما يزال يعيش على شفير كل المخاطر السياسية في منطقة الشرق الاوسط الملتهبة قدم للعالم العربي ست من الملكات القادرات على انجاز مهماتهن في السنوات الخمسين الماضيات، اضافة الى اربعة من الملوك الهاشميين.
وهذه النسبة من الملوك والملكات في زمن قصير ومتسارع الاحداث في منطقة ساخنة تعبر عن استمرار وضع لم يكن يتسنى له البقاء في ممالك عريقة اخرى، عربيا او اوربيا حيث الديموقراطيات العريقة المتقدمة.
وملكات الاردن الست، حيث ليس لهن دور مكتوب او مرموق او مفعول في الدستور المصمم منذ العام 1952 ، لا بد من الاشارة والتذكير بهن واحدة واحدة، وهن حاولن القيام بمهماتهن حسب الظرف والواقع المتاح، وهن قدمن في اطار مسؤولياتهن ما مكن المراة الاردنية الآتية من خليط غير متناغم اقليميا وجهويا من نيل الحد الادنى من الحقوق التي هي غير متاحة في الجوار او جوار الجوار عربيا واسلاميا.
ولعل اول الملكات كانت الراحلة زين الشرف بنت ناصر، والدة الملك الراحل الحسين بن طلال، فهي شهدت مع زوجها الراحل الملك طلال بن عبد الله وضع اول دستور اردني في العام 1952 ، وهي ظلت السند الأكيد الداعم لولاية حكم نجلها الحسين حتى رحيلها في التسعينيات.
ومارست زين الشرف دورا انسانيا واجتماعيا اخذ بيد "الحريم" الاردنيات الى مواقع متقدمة في القرار الاردني مع الحفاظ على الصيغة الشرعية الدينية والبدوية للحال القائم من دون اختراق. هذا فضلا عن دورها السياسي الذي ابقى على استمرار مملكة نجلها الحسين الراحل وسط اعاصير وعواصف كثيرة لأربعين عاما متواصلة.
الثانية في الملكات كانت دينا عبد الحميد وهي الزوجة الاولى للملك الحسين وهو تزوجها في العام 1955 وكان في عمر تجاوز تجاوز المراهقة الشبابية بقليل، وهي وقفت الى جانبه في اعتى الاعاصير على الرغم من خلافهما السياسي العميق الذي ادى أخيرا الى انفصامهما بعد سنتين من الزواج.
دينا عبد الحميد كانت ابنة عم العاهل الاردني الراحل الحسين بن طلال وهي تتحدر من اصول شريفية رغبت المنفى المصري على البقاء في الحجاز في مطلع القرن الماضي حيث التصادم كان بين ابناء العمومة على شرافة مكة والمدينة تحت المظلة العثمانية.
وهي اعطت الملك الراحل اكبر كريماته وهي الاميرة عالية بنت الحسين التي لا زالت في اربعينياتها تعطي دورا اجتماعيا وانسانيا ورياضيا (خصوصا الخيول الاصيلة) على الساح الاردني.
واذ عاش الحسين بن طلال ملكا عازبا من بعد الانفصال عن الملكة دينا عبد الحميد لسنوات يصارع اشباح السياسات الدموية في الشرق الاوسط وما بينهما مقتل ابناء العمومة العائلة الملكية في العراق ومصرع رئيس وزرائه الوفي هزاع المجالي على يد مخابرات الحاكم السوري عبد الحميد السراج المدعوم من الرئيس جمال عبد الناصر الذي ظل مناوئا جميع انظمة الحكم الملكية في الشرق العربي تحت شعارات قومية خسرت كثيرا.
فإنه في العام 1962 قرر حاله الاجتماعي واختار نصفه الآخر من البريطانية الآنسة المذيعة في اذاعة القدس حيث كانت العاصمة الثانية للهاشميين، انطوانيت غاردينرز، وحيث تزوجا على شريعة الله الاسلامية السمحة، فإنها اسميت منى الحسين وهي ام الملك الهاشمي الراهن عبد الله الثاني ابن الحسين وشقيقه الامير الطيار فيصل والتوأمين زين وعائشة.
وفي مطلع السبعينات الفائتة حصل الفراق مجددا، وللمصادفة فأنه قرار جاء من بعد عواصف دموية وعاصفة على الساحة الاردنية، وغادرت الاميرة (الملكة) منى الحسين، الى حين الزواج الثالث للحسين.
الزواج الثالث، جاء من بعد تلك العواصف، فلسطينيا واردنيا، فكانت علياء طوقان، اول من جلس على عرش الاستقرار، وهي ابنة دبلوماسي اردني عريق متحدر من اصول فلسطينية هو الراحل بهاء الدين طوقان.
الملكة علياء في سنواتها القصيرة عمرا وجهدا في القصر الهاشمي قدمت الكثير لشعبها الذي احبته واحبها، ولا يزال يذكرها بالدموع والذكريات المحفورة رغم قصر المدة بينهما، واذ هي قضت في حادث طائرة من بعد اداء مهمة انسانية في منطقة اردنية نائية، فإن الاردنيين لا زالوا يذكرون ملكتهم الراحلة مديرة العلاقات العامة السابقة في شركة طيرانهم الوطنية (عالية) بالدمع قبل كل شيء.
والراحلة علياء، هي ام الامير علي رئيس اللجنة الوطنية الاولومبية ورئيس اتحاد كرة القدم والمرافق العسكري راهنا للملك الشقيق. وكذلك هي ام الأميرة الفارسة هيا الحسين بطلة سباقات الخيول في عواصم عالمية عديدة.
ومنذ العام 1978 الى العام 1999 وهو عام رحيل ثالث عاهل هاشمي في الاردن الحديث، فإن الملكة نور تربعت على عرش القرار والسلطة ليس محليا، وانما كانت معها انطلاقة فتحت آفاقا كثيرة عالميا وخصوصا في الغرب وتحديدا في الولايات المتحدة.
فاليزابيث (الاميركية الجنسية، السورية الأصل البعيد) هي كريمة نجيب حلبي الذي كان من اعمدة صناعة الطيران في اميركا، وهي ايضا لدى شركة الطيران الاردنية الوطنية التي صار اسمها لاحقا (الملكية الاردنية) كمهندسة ديكور.
من هناك عرفها الملك الراحل واتى بها لاعادة ديكورات قصور الحكم، عاملة ثم زوجة، ثم اصبحت ملكة الأردن الجديدة مع اسم (نور الحسين) وهي انجبت له من البنين ولي العهد الحالي الامير حمزة وشقيقه الضابط الملتزم هاشم، ثم الاميرتين ايمان وراية.
نور الحسين، ادت قسطها للعلا في الحال الاردني المحليـ، وهي اشاعت في البلاد ليس الدور الوزاري والبرلماني لمرأة الاردنية بل المشاركة في البناء والتصميم الاجتماعي والاغاثي والبنائي، فهي على سبيل مثل واحد حققت قيام اهم جمعية انتاجية عند قبائل بني حميدة القوية في وسط البلاد، وغيرها الكثير من المنجزات سياسيا وثقافيا.
ومع عهد المملكة الرابعة مع عبد الله الثاني، مضت الملكة تجوب ارجاء الارض لمهمات انسانية اخرى لعل اهمها نزع الغام كل الحروب القاتلة السابقة في اماكن عديدة من عالمنا الراهن سواء في افريقيا او بلاد البلقان.
واذ ذاك، فانه مع العهد الهاشمي الجديد وولاية لملك شاب جديد، فإنه طرح الى شعبه ملكته الجديدة رانيا العبدالله.
رانيا العبدالله المولودة في الكويت، المتحدرة من اصول فلسطينية، شبابية التفكير والتوجه والانجاز، وهي مؤمنة الى جانب "سيد الاردنيين الشاب" في حال الاتصالات والمعلومات والطرق السريعة اليها، فنحن نعيش عالم العولمة بكل سلبياته وايجابياته.
ومنذ تتويجها ملكة سادسة في عرين الهاشميين في عمان، فإن الملكة الشابة تجوب البوادي والمدن والاصقاع والمخيمات على الساحة الاردنية محاولة تأصيل وضع يرتبط بها ومعها وباسمها.
والى جانب وقوفها مع الملك وهو صاحب كل القرارات جميعا في حال دستوري كراس للسلطات الثلاث التشريعي منها والتنفيذي والقضائي، فإن المهمات التي تلتقي على كتف الملك الشاب تستعي عزما وجهدا آخر في العطاء والبناء والقرار سواء بسواء.
من هنا تأتي خطورة ادوار الملكة رانيا العبدالله، واذ هي اعطت الهاشميين الامير الحسين بن عبد الله ابنا والاميرتين الصغيرتين ايمان وسلمى، فإن اهم ما تقدمه هو اسناد دور المراة الأردنية في تعاملها مع الواقع والطموح لبناء اردن المستقبل المستريح.
وحين قرر العاهل الاردني الزوج مشروع خلواته في الاجتماعات الاقتصادية والسياسية والفكرية مع ابناء الوطن الشباب البناة، فإن الملكة الزوجة الشابة هي الأخرى مشت على طريقه في خلوات مماثلة للنصف الاخر من مداميك المجتمع.
وأخيرا، ومن هنا فإن الجدال عن دور للمرأة الأردنية على خلفية (الكوتا ) في البرلمان الآتي في الربيع له شرعية قائمة كونه يرتكز على خلفية صراع الملكة الجديدة في تأكيد الدور العملي لكل فتاة وسيدة قادرة على العطاء في بلد يخطط لتفعيل قراره محليا واقليميا وعالميا رغم شح الامكانيات الاقتصادية تحت شعار "الانسان هو اعز ما نملك، وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم، ثم .. الاردن اولا لنفسه وأخيرا لأمته".
الاردن هو كما يقول الملك الرابع والملكة السادسة ليس للأردنيين وحدهم وانما للجميع وهذه ميزة بقائه واستمراره.
&