د. فاطمة حجازي

&
&
من الانجازات المحمودة للعراق الجديد اعادة الدور الحيوي للمرأة العراقية، ولا نقول اعطاء دور جديد للمرأة العراقية. فالمرأة العراقية قبل عهد مماليك البعث كان لها دورها الحيوي في بناء المجتمع العراقي، وما أُسند اليها وما أُعطي لها الآن، كان حقها الطبيعي المسلوب.
&فمنذ أيام الاستقلال الأولى 1920/1921 للعراق، بدأت المرأة العراقية تلعب دورها الاجتماعي والسياسي والثقافي في الحياة العراقية. وهذا يعود إلى اقبال المرأة على التعليم اقبالاً كبيراً في النصف الأول من القرن العشرين. واللافت للنظر في صعود المرأة العراقية، أن هذا الصعود لم يقتصر على المجال الاجتماعي والمجال التعليمي والتربوي والثقافي بشكل عام بقدر ما اشتمل على المجال السياسي ايضاً. ومن هنا نرى أن أكبر عدد من النساء العربيات المشتغلات في السياسة المرّة كنَّ من النساء العراقيات اللائي نشطن في التنظيمات الشيوعية واليسارية في العراق. فقد شهدت حقبة الخمسينات صعود ناشطات سياسيات في الحركة اليسارية العراقية من امثال بثينة شريف، ونعيمة الوكيل، ومنال يونس السامرائي وغيرهن. وكانت المرأة العراقية أول سجينة سياسية في تاريخ العرب الحديث. فدخلت نجية الساعدي السجن بوصفها شيوعية متزمتة عام 1952.
&اضافة إلى ذلك، فهناك الدور الثقافي الكبير الذي لعبته المرأة العراقية ومثاله الكبير الشاعرة العراقية نازك الملائكة التي تعتبر رائدة من رواد الشعر العربي الحديث. وإلى جانبها، تلك الأعداد الكبيرة من المثقفات العراقيات اللائي انخرطن في مجال التعليم الجامعي والتربوي. وهناك الدور الاجتماعي الذي تمثل في انشاء "رابطة الدفاع عن حقوق المرأة في العراق" عام 1950. كمااستطاعت المرأة العراقية في الخمسينات الوصول إلى منصب الوزير وكانت - على حد علمي - أول امرأة في العالم العربي تصل إلى هذا المنصب، حيث تم تعيين نزيهة الدليمي في منصب وزير.
ولكن الملاحظ أن شمعة المرأة العراقية قد انطفأت في الفترة (1970-2003) وتقلّص دورها في المجتمع العراقي كما تقلّص دور الذكر العراقي عموماً. وتلك واحدة من سيئات الحكم الشمولي الديكتاتوري.
فالحروب التي شنها صدام حسين على ايران وعلى جيرانه العرب، كان لها تأثير سلبي كبير على تموضع المرأة العراقية في المجتمع العراقي، ربما أكبر وأعمق من تأثيرها على الرجل نفسه.
وكان أبرز هذه التأثيرات السلبية:
1- من المعروف أن العراق في هذه الحروب المجانية قد فقد مئات الآلاف من الضحايا الذين ذهبوا نتيجة لهذه المغامرات العسكرية المجنونة، والتي نأمل أن لا تعاد مستقبلاً. كما أن قتل مئات الآلاف من الرجال العراقيين الذين راحوا ضحية الاعدامات والتهم السياسية المجانية قد عاد على المرأة العراقية بالنكبات الاجتماعية والمالية والاجتماعية كذلك. فمن جراء هذه الحروب وهذه المقابر الجماعية التي انتشرت في طول العراق وعرضه، وأفنت مئات الآلاف من الذكور، تمَّ تأنيث المجتمع العراقي. وغدت مئات الآلاف من النساء بدون ازواج أو مُعيلين، مما دفعهن إلى الخروج للعمل الشريف وغير الشريف على حساب كرامتهن وعفتهن وشرفهن. وفي عدة دراسات اجتماعية موثوقة تم الكشف عن زيادة نسبة الدعارة ومواخيرها السرية في العراق، وزيادة عدد المومسات وبائعات الهوى. كما ازداد عدد النساء اللائي يعملن في خدمات المنازل كخادمات أو عاملات. وانصرفت الكثير من البنات اللائي مات عائلهن عن الدراسة وبحثهن عن اعمال وضيعة لاعالة انفسهن واعالة عائلاتهن. فإذا كانت المجتمعات العربية الفقيرة كمصر والسودان وغيرهما قد تم تأنيثها نتيجة لفساد الحكم وتدهور الاقتصاد وندرة فرص العمل مما اضطر الذكور للهجرة منها إلى البلدان العربية البترولية، فإن المجتمع العراقي قد تم تأنيثه وهو الغني بالماء والبترول والخيرات الكثيرة، نتيجة للحروب المجانية التي قام بها النظام. وكلٌ في فساد يسبحون.
2- ونتيجة للحروب البهلوانية التي قادها صدام حسين، ونتيجة للحصار الاقتصادي الذي وقع تحته العراق طيلة أكثر من عشر سنوات، مما أفقر العراق، بحيث أصبح دخل الفرد السنوي فيه لا يتجاوز ستمائة دولار، انحطَّ مستوى الخدمات التعليمية والصحية للمرأة كما انحطَّ بالنسبة للرجل كذلك. ولكني الأنثى العراقية كانت هي المتضرر الأكبر من كل هذا. لأن العادات والتقاليد القبلية والدينية في المجتمع العربي تقتضي إذا كان لديك قرش واحد فقط فإنه يُعطي للذكر أولاً وليس للأنثى. وفي زمن العُسرة يتقدم الذكر دائماً على الأنثى. ومن هنا فقد حُرمت المرأة العراقية من كثير من الخدمات التعليمية والصحية أثناء الحصار الاقتصادي، وتمَّ اعطاء الافضلية في الخدمات الفقيرة المتوفرة للذكر دون الانثى، التي تم قهرها أكثر فأكثر، من خلال حرمانها من كثير من فرص التعليم والرعاية الصحية.
3- جُرّدت المرأة العراقية من دورها الاجتماعي بتجريدها من الرجل الذي قُتل في الحروب المجانية. كما تم تجريد المرأة من مالها عندما دعا صدام حسين "الماجدات" العراقيات، المضحوك على ذقونهن، والمخدوعات بالشعارات الزائفة، والمجبرات بالقهر والظلم والطغيان عن التخلي عن آخر ما يملكن وهو مجوهراتهن ومكنوزاتهن وحليهن التي كنَّ يدخرانها لليوم الأسود. وما أكثر الأيام السوداء للمرأة العراقية في عهد الطواغيت. وبدلاً من أن تذهب هذه المكنوزات والمجوهرات إلى المجهود الحربي المجاني ذهبت إلى جيوب المسؤولين وعلى رأسهم (أزلام) النظام وأفراد عائلات النظام.
4- وهكذا أصبحت المرأة العراقية في عهد "مماليك البعث" مخلوقاً دونياً وأصبح الرجل مخلوقاً علوياً. ومما زاد في علوية الرجل العراقي هذه الصورة المزيفة التي كان شخص صدام حسين يظهر بها في المناسبات المختلفة كأسطورة ذكورية، نافخاً صدره، يمشي تيهاً وألقاً سينمائياً مزيفاً، كأجمل طاووس، ولكن& من ورق، وقد أحاط نفسه بمجموعة من الذكور المساعدين ذوي الشوارب الكثة (لا مسؤول عراقياً كان بلا شارب) وهم يرتدون الملابس العسكرية بشكل دائم (بما فيهم المرأة الوحيدة في القيادة، هدى عماش) اشارة إلى مزيد من تكريس ذكورية المجتمع، حيث الجيش ومظاهره في العالم الثالث من علامات الذكورية المتفوقة.
وهكذا تم قهر النساء العراقيات من خلال كل هذا.
وإذا كانت "حملة الربيع" على العراق قد أعادت للرجل العراقي كرامته وحريته، وزرعت الأمل في نفسه لمستقبل عراقي جديد، فإن هذه "الحملة" أيضاً أعادت للمرأة حقها المسلوب ايام حكم الطاغية. وكان من ظواهر اعادة حق المرأة المسلوب هذا، تعيين ثلاث نساء في مجلس الحكم الانتقالي، اضافة إلى تعيين أول وكيلة في وزارة الداخلية لشؤون التخطيط في تاريخ العراق، وهي هالة شاكر سليم.
ولعل عقيلة ورجاء وشنكول (عضوات مجلس الحكم) وهالة معهن، سوف يكونّن الرد الأولي المفحم، والثأر الحضاري لقهر صدام حسين للنساء العراقيات الذي لقبهن بـ "الماجدات"، وما كنَّ من "الماجدات"، ولكنهن كنَّ من "الساجدات" لأصنامه المقهورات بأفعاله، كبعولتهن من الرجال الساجدين المقهورين الذين عُلقوا على أعمدة المشانق، ونُثروا في المقابر الجماعية. ولكن فات على صدام حسين أن يخفي هذه المقابر بطحن عظامها ونثرها على صفحة دجلة والفرات، كما فعل جيرانه من العرب الذين طحنوا العظام ونثروها في البادية، استباقاً لما هو آتٍ، فيما يقوله لنا نزار نيوف، وفيما تدافع عنه بثينة شعبان.