نضال حمد
&
&

& 11 أيلول 2001& /& 2003
&بينما كان العالم مشغولا بذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول،أي أحداث الثلاثاء العصيبة ،يوم انهارت الأبراج وتفجرت الطائرات بمن فيها من مختطفين وخاطفين، فقتل من قتل من مدنيين وأبرياء في الأماكن المستهدفة، وآخرين عسكريين في مبنى البنتاغون،وزارة الدفاع الأمريكية،واهتز العالم أجمع لأن الضربة ليست عادية والأهداف كانت فوق العادة.
&
&في نفس الزمان تقريبا قام أحد المجرمين& بمهاجمة الوزيرة السويدية آننا ليند المعروفة بمواقفها الشجاعة،الرافضة للهيمنة الأمريكية وللمنطق الأمريكي الأهوج والغبي. فقد قام هذا الشخص الإرهابي اليميني المتطرف بطعن ليند طعنات قاتلة أدت لوفاتها فجر يوم الحادي عشر من أيلول 2003،لتكون شهيدة الدفاع عن حقوق الشعوب والسلم والأمن الإخاء في العالم.
&
التحقت ليند بشهداء السلام والحرية والمساواة والتضامن العالمي،شهداء العقلية السلمية السويدية ، الكونت برنادوت مبعوث ووسيط السلام الدولي في فلسطين،الذي اغتالته عصابة صهيونية بقيادة رئيس وزراء اسرائيل السابق اسحق شامير،وذلك أثناء حرب النكبة سنة 1947. كذلك حصل ما حصل لرئيس وزراء السويد السابق أولاف بالمه الذي اغتيل برصاص مجهول في السويد، ويعتبر كل منهما من أنصار السلام والحلول العادلة برغم فارق الوقت بين زمنيهما المتباعدين. فبورنادوت دفع ثمن موقفه العادل والمبدئي، المدافع عن الشرعية الدولية وعن حقوق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة.أما بالمه فقد دفع ثمن مواقفه الرافضة للهيمنة الأمريكية والمؤيدة لقضايا التحرر والحرية في العالم،حيث كان أيضا صديقا و نصيرا للقضية الفلسطينية وللمهاجرين الأجانب في السويد،ولقضايا حقوق الإنسان والشعوب.و ليند الشجاعة،الجرئية والمجابهة، لم تحد أو تشذ عن تلك المسيرة وتلك الخطوط الإنسانية والمبدئية السويدية، ولم تكن لتخفي سخطها وغضبها من سياسة الإرهاب التي يقودها بوش في العالم، وشارون وجماعته في فلسطين المحتلة،وكانت شبه وحيدة في مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي العاجز والبائس،تواجه التدخل الأمريكي والهيمنة على أوروبا من خلال وزراء& منهم بعض العملاء و بعض الأجراء الذين يعملون كموظفين عند الإدارة الأمريكية.
&لقد استشهدت ليند في وقت عصيب لكنها ستبقى دوما منارة مضيئة في زمن الظلام الدامس الذي يخيم على السياستين الأوروبية والعالمية،كم كانت ليند تتمنى أن تعيش أكثر وهذه كانت آخر كلماتها التي قالتها للمواطنة السويدية،التي هرعت لمساعدتها فور وقوع الجريمة، لكن دعوتها لم تستجب& فذهبت شهيدة لترقد بجوار الشهداء من أبطال السلام العالمي الحقيقي. بفقدانها نستطيع القول أن الشعب الفلسطيني فقد أحد أهم أصدقاء قضيته في السويد وأسكندنافيا وأوروبا والعالم.
&
&
منتصف أيلول 1982 / أيلول 2003
&
في منتصف أيلول من كل عام يحيي شعب فلسطين ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا الرهيبة،التي قادها الجنرال الدموي أرييل شارون،وزير دفاع الكيان الإسرائيلي آنذاك، ورئيس وزراء كيان الإرهاب الأصولي اليهودي هذه الأيام. لم يكن شارون وحده في معمعان الدم والذبح والتقتيل ودفن الناس أحياءً ،بل كان يشاركه في المذبحة قادة من القوات اللبنانية اليمينية الفاشية بقيادة الثنائي الدموي أيلي حبيقة ( قتل العام الماضي في عملية اغتيال) و سمير جعجع المسجون عند الدولة اللبنانية، بتهم عدة لكن ليس بتهمة المجزرة المذكورة،وهذا كله يؤكد أن المجزرة كانت معدة سلفا وبخطة إسرائيلية كتائبية مشتركة.
&
&في صبيحة السادس عشر من ايلول 1982 وبعد مقتل بشير الجميل يوم الرابع عشر من الشهر نفسه نتيجة انفجار ضخم هز بيروت الشرقية، تقدمت وحدات من القوات اللبنانية الكتائبية، وجيش العميل سعد حداد (جيش لحد لاحقا) بمرافقة وحماية ومساندة ومساعدة الجيش الإسرائيلي برا وبحرا وجوا،باتجاه مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت الغربية، حيث كان الهدف ارتكاب مجزرة صامتة تكون نتيجتها ذبح أهالي المخيمين المذكورين في مجزرة كبيرة. لكن الأمور لم تسر تماما كما أرادها السفاحون الجدد والقدامى،فشارون كان يريد تجديد أعماله الإرهابية والإجرامية عبر تجديد المجازر،فقد قام بدوره أيام صباه وشبابه،عبر المشاركة في عدد كبير من المجازر والمذابح التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في النكبة والنكسة وما بينهما وبعدهما من سنوات،على أيدي العصابات المسلحة الصهيونية التي أقامت كيان اسرائيل على أنقاض الوطن الفلسطيني، ولازالت تحكم ذاك الكيان الصهيوني الدخيل والغريب. تحكمه بنفس العقلية وبنفس الطرق والوسائل التي اتبعتها في بداية نشاطها،مع تعديلات على شكل وطبيعة ساديتهم لكي يكونوا عبرها مواكبين للعصر ومستجداته السادية.
&
خلال يومان ونصف تقريبا من أعمال الإجرام والقتل والذبح والنحر وبقر بطون الحوامل، ودفن الناس أحياء، أو تقطيعهم وفصل رؤوسهم عن أجسادهم،وإعدامهم على الجدران في مجموعات صغيرة وأخرى كبيرة،وبعد عدة عمليات اغتصاب للفتيات والنساء، نهض العالم في اليوم الثاني للمجزرة على مذبحة رهيبة أودت بحياة حوالي 3000 فلسطيني ولبناني في المخيمين المذكورين.
بعد كل تلك السنين من المذبحة الرهيبة التي ترقى لمصافي المذابح النازية ضد اليهود أنفسهم في الحرب العالمية الثانية،أجد نفسي اليوم،أقول نفسي لأنني شخصيا من الذين عاشوا المذبحة والمجزرة لليلة واحدة وعدة ساعات،حيث أصبت فجر اليوم الثاني من المجزرة إصابات خطيرة ومميتة وتوفي صديقي بنفس اللحظة نتيجة إصابته ايضا،كان ذلك يوم 17-09-2003 وأذكر كيف تم قنصنا من قبل دبابة إسرائيلية أطلقت علينا صاروخا أو قذيفة،وذلك على مدخل مخيم صبرا من جهة الفاكهاني والمدينة الرياضية،كان ذلك تمام الساعة العاشرة والربع صباح يوم الجمعة الموافق التاريخ المذكور أعلاه.
&
&بعد إصابتنا تم نقلي وصديقي الشهيد بسيارة أحد المارة إلى مستشفى غزة داخل المخيم،وهناك أجريت لي عملية عاجلة،سمتها الدكتورة الإنكليزية من أصل ماليزي "& " ،عملية إنقاذ حياة،لأنه لم يكن في المستشفى لا ماء ولا كهرباء ولا أي شيء آخر، بل كانت هناك فقط روائح الدم والموت و مخاطر الذبح والنحر في أية لحظة.
&المهم أجريت لي عملية إنقاذ الحياة،وبفضلها لازلت على قيد الحياة،لكني عدت بعد العملية للحياة بدون صديقي وبدون ساقي اليسرى كاملة،وبجراح عدة في ساقي اليمنى وفي أنحاء مختلفة من جسدي. طبعا الفضل في ذلك لله أولا وأخيرا، وثم للدكتورة التي خاطرت بحياتها من أجل إنقاذ حياتي وحياة جرحى آخرين من المخيمين المنتكبين بمجزرة شارون ومذبحة حبيقة وحداد وجعجع وغيرهم من وحوش الحرب الأهلية اللبنانية والجبهة الانعزالية.
&
بعد كل هذه الأعوام من المجزرة لازال المسئولين عنها محليا وصهيونيا أحرار طلقاء،لم توجه لهم مذكرات توقيف أو اتهام أو اعتقال ، بل هناك& من صار وطنيا وأصبح وزيرا محميا بشعارات المرحلة،لأنه ركب الموجة القومية، كما هناك منهم من يعيش حياته بهدوء في لبنان أو خارجه،ومنهم من هو بالسجن لجرائم أخرى لكنه لم يواجه بملف صبرا وشاتيلا.
&أما الصهاينة فخير مثال عنهم شارون نفسه الذي كوفئ على مشاركته في المذابح وقيادته لمجزرة صبرا وشاتيلا& بتعينه& في مناصب وزارية عدة،ثم بانتخابه رئيسا للوزراء،وتتويجه ملكا دمويا جديدا على عرش اسرائيل.
&كما وتم استقباله استقبالا كبيرا من قبل قادة أمريكا وأوروبا والعالم بمن فيهم بعض العرب. كأنهم أيضا يكافئونه أو أرادوا مكافئته على جرائمه،فجورج بوش الابن،المجرم مثل شارون تماما،قال في حفل استقبال شارون في البيت الأبيض أن شارون رجل سلام وصديق للولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل مكن أجل السلام،لكن الصحيح أنه لا الولايات المتحدة تعمل من أجل السلام ولا شارون كما بوش رجل سلام...
&
&أما بلجيكا فاضطرت تحت وطأة التهديد والوعيد من أمريكا وإسرائيل واللوبي اليهودي العالمي لإلغاء قرارات وقوانين بلجيكية خاصة تمكن بموجبها محاكمة مجرمي الحرب من دول أخرى في بلجيكا،كل ذلك من أجلب إفشال وإبطال الدعوة التي وجهت ضد شارون في المحاكم البلجيكية، بهذا يكون القانون الدولي العاجز خسر آخر قلاعه الديمقراطية والقانونية التي كانت ممثلة بالقانون البلجيكي المذكور.
&لكن حتى وإن استطاع شارون التملص من هذه المحكمة وتدجينها كما غيرها فأن محاكم الشعوب سوف تأخذ حقها بيدها،ولن يفلت شارون وغيره من السفاحين الإسرائيليين& من العقاب والمحاسبة،وسوف يصيبهم ما أصاب السفاحون من النازيين اللذين دفعوا أو لازالوا يدفعون ثمن جرائمهم بحق البشرية.
&
ما بين 11 و17 أيلول من كل عام أيام شديدة الوطأة على الذين عاشوا تلك المصائب وشاهدوا الأهوال والمآسي،ولازالوا يشاهدون حتى هذه اللحظات كيف أن ما يطبق من القانون الدولي على الآخرين، لا يطبق على& المجرمين من الإسرائيليين والأمريكان، وبالأخص الذين ارتكبوا أو اتهموا بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان وغيرهم من البلدان، وهذا العجز القانوني والدولي في محاسبة هؤلاء القتلة والمجرمين،قد يعطينا بعض الأجوبة والتفسيرات،كما أنه بحد ذاته يساهم في تفسير ظاهرة و طبيعة وأهداف وغاية الاعتداءات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من أيلول سنة 2001،أيلول الذي كان من المفترض أن يأتي اصفرا لكنه تحول لشهر السواد.