أشرف عبد الفتاح عبد القادر
&

لقد كرم الله المرأة وأهانها الفقهاء المتأسلمون، وعندما ساوي الله بينهما (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) حتى أنه جعل لها سورة في القرآن تتحدث عن أحكام التعامل معها ونظم التعايش في ظلها وهي سورة النساء، بل وجعل الرجل يسكن إليها لتحقيق المودة والرحمة (وجعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) حتى أنه سمى سورة باسم امرأة إجلالاً لها هي سورة مريم، ولقد وضعها الرسول (ص) علي قائمة اهتماماته فقال:"خيركم خيركم لأهلة وأنا خيركم لأهلي" وأفرد لها في حجة الوداع وصية خاصة حيث قال:"استوصوا بالنساء خيراً" هذا ما قاله القرآن وما أتي به نبينا الكريم، لكن هذا الكلام لم يعجب المتطرفين، ونحن نعرف أن التطرف عدو للإسلام دين الوسطية، لأن التطرف يصور الدين علي أنه جامد وغير عملي بل غير معاصر لعصره ويحصره في مجرد شعائر تؤدي دون أن توظف فعلياً في سلوكيات الناس. فلقد حصر المتطرفون الدين الإسلامي في حلق الشارب وإسدال اللحية، وفي الحجاب والنقاب، وفي السواك والجلباب. هذا هو الدين كما يروه هم وكما يصورونه للناس. وهم لا يقدمون الدين الحقيقي حيث الوسطية والتسامح والإسلام بريء من كل ما يقولونه ويفعلونه. واكبر المتضررين من هذا التطرف هي "المرأة". ومن هي المرأة؟ هي أمي وأختي وابنتي وزوجتي. فما هو سر هذا العداء وهذه الكراهية للمرأة؟
بينت في مقال لي في "إيلاف" بعنوان [لا "الحجاب" ليس فريضة إسلامية 20/4/2003] استعراضاً لكتاب المستشار محمد سعيد العشماوي أن الحجاب دعوة سياسية وليس فريضة دينية وهنا أعرض كتابين يؤكدان علي أن الحجاب والنقاب ليسا من الدين. الكتاب الأول عن "النقاب" و هو للدكتور أحمد شوقي الفنجري "قضايا إسلامية: النقاب في التاريخ _ في الدين _ في علم الاجتماع" يقول د. الفنجري:" إن النقاب عادة قديمة جداً تعود إلى ما قبل الديانات كلها: يهودية ومسيحية وإسلامية. عرفه الآشوريين والبابليون والفرس والتركمان.. كما عرفه الإغريق الأولون والرومان. ولم يكن النقاب مقصوراً على النساء بل الرجال أيضاً. كان بعض الفرسان العرب في الجاهلية، والذين بينهم وبين القبائل الأخرى ثأر قديم، يلبس النقاب إذا حضر إلى سوق عكاظ حتى يخفي وجهه عن أعدائه. وحتى يومنا هذا نجد الشمال الإفريقي تتبرقع قبائله من الرجال.. وتسفر فيه النساء! ولم يكن الدافع إلى النقاب في تلك العصور دينياً، بل كان الهدف الرئيسي منه، إما الوقاية من الظروف المناخية، أو التخفي عن أعين الناس.
ولم تكن النساء في تلك الشعوب يلجأن إلى النقاب كنوع من العفة والخجل، كما قد يتصور البعض، بل تذكر كتب التاريخ أنه كان أكثر شيوعاً بين البغايا، لإخفاء وجوههن في الطرق وفي لقاء العشاق. وتطور المجتمع واتخذ النقاب اتجاهاً آخر. وذلك مع ظهور عصر الإقطاع. فكان الرجل الواحد يقتني الحريم بالمئات، وكلهن زوجاته، وكما كان الإقطاعي الكبير يسم غنمه وخيله وأبقاره على وجوههم بإشارة معينة حتى لا تسرق منه، وتضيع بين أملاك الآخرين، فكذلك كان يفعل مع نسائه، فكان النقاب في تلك العصور نوعاً من التملك والإقتناء.
وقد ذكر النقاب في كتب العهد القديم، وكتب العهد الجديد. ولكن ذكره جاء كإشارة إلى حقيقة واقعة في حياة الناس، ولم يرد كأمر في الدين بارتدائه.وعندما جاء الإسلام، كان النقاب معروفاً في جزيرة العرب، ولكن الإسلام لم يأمر به.ولم يجعله فرضاً تأثم من تتركه. والنقاب كان معروفاً لدي نساء العرب قبل الإسلام ولكن الإسلام لم يفرضه. وأن نساء المسلمين لم يكن يغطين وجوههن في حضرة الرسول الكريم (ص) ولا في مجلسه، ولا في حضور درس للدين. بل كن يجالسن النبي ويتحدثن إليه وهن سافرات. وظلت المرأة على هذه الحال طوال عهد الرسول وخلفائه الراشدين. وظل الحال كذلك طوال العصر الأموي ثم العباسي.
ولم يظهر النقاب في العالم الإسلامي إلا مع بداية انهيار الدولة الإسلامية وعندما ضعف الحكم العباسي وابتدأ عصر المماليك. فقد بدأ الخلفاء العباسيون يستبعدون العنصر العربي من حولهم. واشتروا المماليك لحراستهم وقيادة جيوشهم. واشتد نفوذ هؤلاء المماليك وبدأوا يعيثون فساداً في العواصم الإسلامية..والمدن الآمنة..فإذا شاهدوا امرأة جميلة في الطريق خطفوها واعتدوا عليها. فلزمت النساء بيوتهن. ومن كانت تضطر إلى الخروج كانت تلبس اليشمك أو البرقع، وهي مسميات تركية دخيلة. وهكذا توارث الناس العادة جيلاً بعد جيل حتى ظن أكثرهم أنها من تعاليم الإسلام.
وبعد فترة الحكم العباسي ظهر الأتراك العثمانيون وحكموا البلاد العربية باسم الدين والخلافة أربعة قرون متوالية. وكان الخلفاء ينزلون أبشع أنواع العقاب البدني بمن يخالف تقاليدهم. ومن الوثائق المعروفة في التاريخ ذلك الفرمان الذي أصدره السلطان سليمان بن سليم في القرن 16 (1517م) بأنه أصبح الملك الحر لكل أرض مصر والفلاحون (أصحاب الأرض) هم الأجراء. وقرر أن كل امرأة تسير كاشفة وجهها في الطريق بغير نقاب تعاقب بقض شعرها بالشفرة (الموسى) وتمتطي حماراً بالمقلوب وتعرض في الأسواق العامة بين تصفيق الصبية وصياح المتفرجين. وإن النقاب لم يفرض على المسلمين بتشريع إسلامي، بل فرض عليهم بفرمان تركي وأن القصد منه لم يكن عفة المرأة وصيانتها ولكن القصد منه إذلال الأمة ممثلة في نسائها!
أما حكم الدين في النقاب فإنه وفقاً لما قاله رسول الله (ص):"ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته. فإن الله لم يكن لينسي شيئاً وتلا ( وما كان ربك نسيا). وقال (ص)"إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحدد حدوداً فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها.وسكت عن أشاء رحمة بكم غير نسيان.. فلا تبحثوا عنها". ولا يوجد في القرآن الكريم كله أو الحديث النبوي أمر يفرض النقاب. وقد حاول بعض المعسرين تفسير قوله تعالي"وليضربن بخمرهن على جيوبهن" بأن هذا يعني أن المرأة تدلي بخمارها ليغطي وجهها. وهو خطأ لغوى وفقهي، فالأمر هنا ينص على غطاء الجيب، أي فتحة الصدر بطرف الخمار، ولا يعني أبداً غطاء الوجه وهذا أمر متفق عليه في جميع التفاسير المعتمدة.
وفي نفس الوقت لا نجد حديثاً واحداً يأمر بالنقاب. وأننا نجد أحاديث كثيرة تنص على كشف الوجه مثل قول الرسول (ص):" إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفه).
كذلك تري المذاهب الفقهية (السنة والشيعة) أن وجه المرأة وكفها ليسا بعورة، سواء في الصلاة أو خارجها. وأن النقاب ليس فرضاً عليها وإذا حضرت إلى الصلاة في المسجد كاشفة وجهها ويديها فلا تفسد صلاتها أو صلاة أحد من المصلين.
أما فيما يتعلق بمن يحاولون تفسير ما جاء في آية الحجاب وأنها تعني غطاء الوجه والتي تقول:" وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب"(الأحزاب 53)فكلمة الحجاب هنا لا تعني النقاب ولا حتى الحجاب كغطاء للرأس. ولكنها تعني وجود ساتر أو فاصل. ويفسرها القرآن الكريم في آية أخرى بقوله تعالي"وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب".[لمزيد من الإيضاح حول آيات الحجاب وتفسيرها الخاطئ وأنها نزلت في نساء النبي فقط الرجاء العودة لمقالنا في "إيلاف" في الملحق بكتاب إيلاف بعنوان: لا "الحجاب" ليس فريضة إسلامية ].
هل النقاب محرم في الإسلام؟
يجيبنا الدكتور الفنجري قائلاً:" كلا لم يرد نص في القرآن أو السنة على تحريمه إلا في الحج والعمرة.. والشهادة أمام القاضي.. والخطوبة.
وبرغم خصوصية مسألة النقاب إلا أن ذلك لم يرض المتطرفين.. ولم ترضهم حدود الله. ومنهم من يقول إن المرأة كلها عورة من قمة رأسها إلى أخمص قدمها. ووجهها عورة وجب ستره. ولا يكفيهم أن يكون النقاب طبقة واحدة بل جعلوه أسود قاتماً لا يبين،وحددوه بثلاث طبقات. واعتبروا عينيها عورة، وإن سارت في الطريق فعليها أن تغمض عينيها لدرجة أن بعض النساء يتحايلن على هذا الأمر في عصرنا هذا ويلبسن النظارات السوداء فوق الحجاب ليلاً ونهاراً. ومنهم من لا يكتفي بهذا النقاب خارج البيت بل يأمرون نساءهم بلبس النقاب داخل البيت. لماذا؟ حتى لا تراهم الملائكة فتكون فتنة لهم!!! كما أن يد المرأة عورة وعليها أن تخفيها بقفازات، ويشترطون في العباءة أن تكون فضفاضة جداً وطويلة جداً تجرجر على الأرض حتى تخفي القدم وتزيل آثار وقعها على الأرض.
ويخلص الدكتور الفنجري بأنه لا يختلف اثنان في أن النقاب يلغي شخصية المرأة إلغاءً كاملاً. وأن وجه الإنسان هو أكرم مكان في جسمه. وهو الذي كرمه الله به على الحيوان. ويقول: في نظرنا أن من يحاول إلغاء وجه إنسان أسوأ ممن يحاول قتله. والنقاب ليس إلغاء لوجه المرأة وحسب ولكنه إلغاء تام لآدميتها ولعقلها. وإلغاء لدورها في المجتمع كإنسان. وإذا كان بعض المتشدقين بالنقاب يدعي أن دور المرأة الرئيسي في الحياة هو رسالتها كزوجة وأم تربي جيلاً وترعي أسرة. فإن النقاب لا يجعلها صالحة لهذه الرسالة بالذات. إن تربية جيل جديد يحتاج إلى امرأة ذات شخصية وقدرة تربوية وقيادية. فكيف بالله تستطيع امرأة ألغيت شخصيتها أن تكون ذات تأثير وعطاء في المجتمع وهي مهتزة وغير واثقة من نفسها ومن قرارها، ففاقد الشيء لا يعطيه.
&
&نظراً لطول المقال سأعرض في مقالي التالي كتاب عن "الحجاب" للأستاذ جمال البنا.
SAHRAF 3 @ WANADOO. FR