لكي لا يقع العرب في فخ السامية - الإسرائيلين ليسوا بساميين المنطق الرياضي يثبت أن ذوبان الجليد (فوران التنور) ادي الي غرق قوم نوح فقط ماهي الحكمة في ترك سيدنا ابراهيم زوجته و ذريته بواد غير ذي ذرع؟


اختلف فقهاء المسلمين في كون فيضان نوح «عليه السلام» عاما ام خاصا بالقوم الذين ارسل اليهم. و الحقيقة ان القائلين بانه كان عاما قد تأثروا بما ورد في التوراة في سفر التكوين Genesis ؛ فسياق آيات القرآن يؤكد أن هذا الفيضان إقتصر فقط علي المكذبين من قوم نوح ؛ إذ ورد في الآية 64 من سورة الاعراف «و اغرقنا الذين كذبوا بآياتنا» و تؤكد الآية 73 من سورة يونس إقتصار الفيضان علي كفار قوم نوح «و جعاناهم خلائف و اغرقنا الذين كذبوا بآياتنا». هذا الي جانب مبدأ العدل اللإلهي المنبثق من القاعدة العدلية «و لا تزر وازرة وزر اخري» و اضف اي ذلك ان الحفريات الاثرية اثبتت ان هنالك حضارات عاصرت و سبقت فيضان نوح و آثارها لا توحي بأن اهلها هلكوا بفيضان عام شمل الارض كلها.
و العلم الحديث يقول بأن الارض مرت بعصر جليدي انحسرت فيه مياه المحيطات و البحار و يعلل فيضان نوح بأن قومه كانوا يسكنون بالقرب من بحيرة (بتركيا الحاليه) كانت في وقت ما علي اتصال بالبحر الابيض المتوسط الذي انفصل عنها بفعل تقلص المياه الناجم عن العصر الجليدي. و المتأمل في الآية 40 من سورة هود «حتي اذا جاء أمرنا و فار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين»، و الآية 27 من سورة المؤمنون «فإذا جاء امرنا و فار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين»، لا يخفي عليه ان النبي نوح قام بجمع الحيوانات بعد ذوبان جليد ذلك العصر الجليدي و قبل انكسار الحاجز الذي كان يفصل بين البحر الابيض المتوسط و البحيرة التي صارت فيما بعد البحر الاسود. و المنطق الرياضي يقول بأن حجم الماء الناتج من ذوبان الجليد (فوران التنور) لا يعقل ان يكون كافيا لكي يغرق الارض كلها و يغمر حتي الجبل الذي التجاء اليه ابن نوح و لذا اقتصر علي المنطقة التي يشغل جزء منها البحر الاسود الحالي لانخفاضها اصلا عن مستوي البحر. ولكي يتضح الحل بالمثال اقول بأننا نجد ان بعض العلماء اليوم يتحدثون عن احتمال غرق اجزاء من مدينة نيويورك (بأخص جزيرة مانهاتن) فضلا عن بقاع من ولاية فلوريدا الامريكية في حاله ازدياد معدل ذوبان جليد القطبين الشمالي و الجنوبي نتيجة للتسخين الذي يعاني منه كولب الارض. و الجدير بالذكر ان التحذير القرآني، لبني البشر، بأن «لا تطغوا في الميزان» ما فهمه العلماء الا حديثا، اذ ان التقدم العلمي الحديث اعطي الانسان المقدرة علي التاثير السلبي علي التوازن البيئي الدقيق الذي تقوم عليه نواميس هذا البسيطة (لا حظ ان القرآن يتحدث عن ايفاء الكيل عندما يتطرق الي ما نتعارف عليه خطأ في لغتنا العامية بالميزان. فالصواب ان الميزان مقصود به في هذه الآية نواميس الكون و ليس كيل البيع و الشراء).
و الحديث عن فيضان نوح يقودنا الي التطرق الي مصطلح السامية (بنوة سام بن نوح) ؛ و هو مصطلح ابتدعه علماء التوراة خلال القرنين الماضيين و هو قائم علي ما ورد في سفر التكوين الذي يُصور فيضان نوح «عليه السلام» علي انه اغراق شامل لكل الارض و يدّعي بان البشرية اعيد تكوينها من سلالة سيدنا نوح. و من المعلوم ان الإسرائيلين اتوا من صلب ابراهيم الخليل «عليه السلام» عبر ابنه يعقوب «و الذي سُمي باسرائيل» ؛ و كذلك انحدرت العرب المستعربة من اسماعيل الابن الاكبر لإبراهيم. و بنو اسرائيل، بحسب الآية 3 من سورة الإسراء، هم من «ذرية من حملنا مع نوح». أي الحقيقة هي ان الإسرائيلون ليسوا بساميين و كذلك ابناء عمومتهم العرب المستعربة.
و قد وردت في الاصحاح التاسع من سفر التكوين Genesis، يمكن للقارئ الباحث مراجعة التوراة
، قصة قد تخدش حياء بعض المسلمين المعتادين علي الادب الرفيع الذي يُمّيز آيات القرآن الكريم. و اود ان اذكر فحواها لأنني اعتقد انه ينبغي علي عامة المسلمين الالمام بهذه الاشياء في دنيا اليوم التي يتحتم فيها السعي لمعرفة طريقة تفكير الآخر. و القصة باختصار: ان اسماء ابناء نوح الذين خرجوا معه من الفلك هي سام، حام و يافث. و تدعي التوراة ان نوحا شرب النبيذ و نام و اتي ابنه الاصغر حام و اطلع علي ابيه نائما و عورته بائنة فذهب و اخطر اخويه اللذين قاما باخذ رداء و مشيا القهقري و قاما بتغطية عورة والدهما. ثم استيقظ نوح من سكرته و عرف ماجري فلعن حاما (و ابنائه كنعان) و داعا ان يكون و ذريته عبيدا لسام و ذريته (و لذا يقال ان حام صار اسودا و تسمي بعض القبائل الافريقية خطاء بالحامية). و من الطريف ان بعض غلاة المسيحيين في الولايات المتحدة الامريكية يقومون بتعليم ابناءهم في المنازل لانهم لا يريدون لهم ان يحتكوا بالسود ابناء حام اللعين!.
والخلاصة ان مسالة السامية هذه تدور كلها حول العنصرية التي يروج لها الكلم المحرف من التوراة. و لا يخفي علي عاقل ان المولي جلّ و علا أمر سيدنا ابراهيم بان يسكن ابنه بواد غير ذي ذرع لانه اراد لخاتم الانبياء (صلي الله عليه و سلم) ان يكون من امة العرب التي، بالرغم من علات مجتمع جاهليتها، كانت علي درجة عالية من نبل الخُلق و النقاء الفطري الذين كانت تفتقدهما الدولتين العظمتين حينها (الرومان و الفرس) ؛ و ما اشبه الليلة بالبارحة و اللبيب بالاشارة يفهم. فقد خطط رب الارباب لأن تنحدر الديانات اليهودية، المسيحية و الاسلامية من ذرية سيدنا ابراهيم كعامل توحيد لما نراه اليوم من عالم متشابك تتلاشي الفواصل بينه كل يوم. فالقرآن الكريم، بحسب الآية 48 من سورة المائدة (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)، لم ينزل ليلغي المسيحية و اليهودية و انما لتصحيحهما عبر هيمنة القرآن التصحيحية علي كتب اهل الكتاب و ليس الغائها. و تؤكد الحديث عن ان المسيحية و اليهودية ديانتان مقبولتان من رب الارباب و ان هنالك مؤمنين من أهل الكتاب الآيات 113 الي 115 من سورة آل عمران (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) و الآية 199 من السورة نفسها (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ). أيضا حري بأن نذكر في هذا الصدد الآية 13 من سورة الشوري (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ). و نجد ان القرآن يتحدث عن تبيين بعض ما اختلف فيه اهل الكتاب و يضرب الامثال (ليستقن الذين أوتوا الكتاب) المدثر 31. ايضا ينبغي ان نذكر ان الرسول الكريم (صلي الله عليه وسلم) وصف النجاشي بالمسلم، و صلي عليه عندما اخطره الوحي بوفاته، هذا بالرغم من ان النجاشي بقي علي عقيدته المسيحية. و بالرغم عن هذا تجد البعض يتمسك بالاجتهاد الخاطئ الذي يجعل من ديار الدول المسيحية دور حرب رغما عن إيواء المسيحيين الاحباش للمسلمين و وصف القرآن لأهل مارية القبطية و أخوال ابن الرسول (صلي الله عليه وسلم) ابراهيم بأنهم اقرب الناس مودة للذين آمنوا.
و نجد ان الآية 78 من سورة الحج تصف الإسلام بكونه (ٍمِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا) ؛ إي أن كلمة الإسلام لاتقتصر علي ديانتنا المحمدية فقط و إنما تشمل الديانات الإبراهيمية الاخري بشرط الإيمان بوحدانية الله جّل وعلا. فمثلا الآيات 1 و 6 من سورة البينه تتحدث عن (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ و "مِنْ" التبعيضية هذه تدل علي أن هنالك طوائف مؤمنة من أهل الكتاب ؛ و الآيات 17، 72 و 73 من سورة المائدة تُكفر فقط من النصاري (الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) و (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ). و تاكيدا لهذا المنحي القرآني فقد وّرد علي لسان المسيح عليه السلام، في الآية 9 من الإصحاح 15 من إنجيل "متي" Mathews 15:9، (وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس "But in vain they do worship me، teaching for doctrine the commandments of men." و الآية 46 من سورة العنكبوت توصي ب (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
و من المؤسف ان بعض فقهاء المسلمين قد وقعوا فريسة للاسرائليات التي تصور ام اسماعيل هاجر الصابرة كضحية للغيرة التي اعترت سارة الطاهرة (راجع عدد مجلة التايم رقم الصادر يوم 30 سبتمبر 2002، عنوان غلافة إبراهيم
، و الذي يصف ما ورد في التوراة بصدد هاجر بال soap opera اي يشبهه بالمبتذل من القصص). فابراهيم لم يترك ابنه اسماعيل و امه هاجر بل كان علي اتصال دائم بهما فقد كان خليل الرحمن، بالرغم من تقدمه في السن، يوزع اقامته بين فلسطين و مكة المكرمة. و هذا الامر تؤكده الاحاديث الشريفة و يُؤمن عليه القرآن الكريم الذي تحدث عن الرؤيا بذبح اسماعيل (الصبي) و اعانة اسماعيل (الشاب) للابيه في رفع قواعد الكعبة المشرفة. و حتي التوراة، بحسب الفقرة 9 من الاصحاح 25 من سفر التكوين، تعترف بان اسماعيلا كان حاضرا لمراسيم تشييع جثمان ابيه. و لتوضيح انه لم تكن هنالك عداوة بين هاتين المرأتين المؤمنتين اقول بأن التوراه تتحدث عن زيجات تمت بين احفادهما و من الجدير بالذكر ان اليهود ما زالوا يتخذون من هاجر اسما لبناتهم. و كفي هاجرا، و المرأة المسلمه عبر شخصحها، تكريما بان جعل الله سبحانه و تعالي سعيها بين الصفا و المروة عبادة يُتعبد بها الي يوم قيام الساعة.