عبدالله الحكيم: في كل يوم تحمل ناقلات النفط العملاقة ما لا يقل عن 8 ملايين برميل من النفط السعودي الخام لكي تتوزع في نهاية المطاف حصيلة هذه البراميل على معامل تكرير النفط في مختلف العالم.
ولكن بعد تفجيرات الرياض، برزت مخاوف افتراضية في ذاكرة الأجندة الأمريكية من أن تعيق تفجيرات على هكذا نحو حالة الاستقرار التي تواكب خروج الناقلات بأمان وهي تحمل النفط السعودي لتغذية معامل التكرير.
والآن ونحن نقترب من فصل الشتاء، فقد دأب الامريكيون على التزود بالوقود ، وهم أكثر قلقا نتيجة ارتفاع اسعار التدفئة مع دخول الشتاء، ناهيك عن كون احد مصادر النفط العملاقة تساوره شكوك أمريكية افتراضية من عدم استقرار موارد الطاقة.
لقد أقفل سعر النفط الامريكي من غرب تكساس عند نقطة تتجاوز ال 32 دولارا للبرميل الواحد الاسبوع الماضي، وهو يمثل المنعطف الاكثر ارتفاعا في السعر منذ شهر اكتوبر الماضي، ناهيك عن كون السعر في مثل هذا الوقت من السنة الماضية قد وصل الى حدود 25 دولارا للبرميل الواحد.
وفيما يبدو فان الشيئ المخيف الذي يدفع بالسعر فوق حاجز 25 دولارا، كما يقرأ ذلك خبراء السوق الامريكية والمراقبون،
هو الخوف من النشاط الارهابي متمثلا بتهديداته وهجماته وخلقه تورمات من الذعر وما يواكب ذلك من توقعات منذرة وترقب& للاحداث.
بالأمس القريب كتب دينيس جارتمان، وهو أحد كبار الناشرين لمطبوعة امريكية مؤثرة في حقل الاقتصاد والاعمال قائلا لجريدة الكريستيان ساينس مونيتور في رده على سؤال لها حول الاسعار بأن الاسعار السائدة حاليا للنفط هي اسعار عالية، اذا ما استثنينا من الموقف التجاري عامل النشاط المتزايد للارهابيين.
وعلى اية حال تأتي قراءة الامدادات النفطية في وقت يستعد فيه الكونجرس الامريكي للتصويت على مشروع قانون للطاقة، حيث وافق معظم الجمهوريين على المشروع الاسبوع الماضي، ولم يبق لهم سوى اقرار القانون للمضي قدما في الاعتماد على منتجي الايثانول على اعتبار أنه سوف يكون عاملا يساعد في تقليص الاستيراد الامريكي للنفط.
ويقترح جرانتمان بالنسبة للموقف الراهن الذي تعتمد فيه امريكا على النفط السعودي بشكل اساسي بأنه يتعين لانجاز ترتيبات شحن النفط أن يتولى السعوديون ممارسة مهام نقل النفط الى محطات نهائية، على اعتبار أن خطوط الامداد طويلة ومعرضة للخطر بمجرد توغلها عبر الصحراء. ويعلل جرانتمان رأيه لاعتبارات منها أنه لا يكترث بمدى يقظة واحتراس الموقف الأمريكي لرعاية مصالحه، فهناك كما يقول جرانتمان أماكن في الصحراء لن يتمكن الامريكيون من توفير غطاء حمائي لها
وعلى أية حال فافتراضات جرانتمان سابقة لاوانها، لأن آخر هدف للارهابيين كان يتمثل في مجمع سكني بغرب الرياض ولا علاقة له بمناطق انتاج نفطية أو محطات شحن للوقود. ومع ذلك كله لا زال محللو الطاقة يتخذون أهدافا مشابهة في اعتبارهم لدى تدول الرؤى عن تأمين امدادات النفط القادم من الاراضي السعودية.
انهم يعتقدون أن خسائرهم سوف تكون كبيرة، اذا طالها الارهاب، وسوف تتعرض المصالح الامريكية للخطر لأن المملكة العربية السعودية لاعب اساسي في حقل الانتاج، فهي تمثل ثاني أكبر مصدر نفطي بالنسبة لامريكا، كما تمثل ثقلا نفطيا يعادل ثلث انتاج اوبيك.
وفي هذا الصدد فان آخر هجمات للارهابيين على مجمع المحيا في الرياض لا زالت تثير عددا من الاسئلة والاحتمالات داخل الأجندة الأمريكية، فقد ذكر يوم امس الأول نائب رئيس مجلس ادارة شركة ساخ الدولية ومقرها نيويورك أن تجدد مشاكل الارهاب جدير أن يذكر الامريكيين بمدى اعتمادهم على النفط السعودي بشكل& أساسي.
ولذلك فمن الواضح أن يتركز الاهتمام الأمريكي على ضمان دولة سعودية مستقرة، لأنه ثبت من خلال مواقف لسنا ببعيدين عنها أن الأستقرار السعودي عامل أساسي لدواعي الأمن الأمريكي.
ففي العام الماضي مثلا& عبرت المملكة العربية السعودية على جدية مواقفها في العمل على استقرار اسعار النفط عندما زادت من انتاجها لتغطية ازمة& كانت على وشك التفاعل عندما أعاق الاضراب الفنزويلي تدفق امدادات النفط من فنزويلا.
لقد ساعد الموقف السعودي على تحرير الاسعار من التهاب ممكن نتيجة الظرف الفنزويلي، وهكذا فبدون السعوديين ربما ضاعت فرصة تلافي الصدمة
في الوقت الصحيح.
ومن هنا فقد بات محللون سياسيون على صلة بالأجندة الامريكية يتحدثون
من نواح أخرى عن أهمية تخفيف الضغوط ورفع الاحراج عن الموقف السعودي، فقبل يومين مثلا تحدث أحدهم عن الجهود السعودية في حرب السعودية على الارهاب، حيث أشار في مقال له عن اعتقال حوالي 600 شخص ومصادرة ثكنات أسلحة كان مليشيوين سعوديون يخططون لاستخدامها في هز الاستقرار الداخلي للسعودية، ناهيك عن وعود صناع القرار السعودي باجراء اصلاحات داخلية.
وفي الوقت نفسه فان انسحاب الامريكيين من قاعدة الأمير سلطان الجوية يزيل أحد مناطق الالتهاب التي يتخذ منها مليشيويون سعوديون ذريعة للمتاجرة بالاستقرار السعودي في الداخل، وربما يفسح المجال عن فضاء آخر تستطيع من خلاله الحكومة السعودية اجراء بعض الاصلاحات.
غير أنه لا أحد يعلم على وجه التحديد حدود ووزن ومدى هذه الاصلاحات، فالرئيس الامريكي مثلا في خطابه الأخير، حول أهمية الاصلاحات الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، لم يشر الى ذكر السعودية، فيما لا تزال حدود الاصلاحات السعودية في الداخل تقف عند مستويات زيادة نفقات التعليم والرعاية الصحية اللذين ربما يساهمان حاليا في رفع تضخم في حجم الموازنة العامة للدولة السعودية.