&ليلى احمد الاحدب
&
&
&
هل رأيتم ماذا يراد لنا؟ وهل أدركتم أي ديمقراطية يريدون؟!
بهذه الكلمات أنهى مصطفى بكري مقاله الذي ذكر فيه بعض بنود التقرير الذي أعده كل من ستيفن مايكل وسيوارث فاننشتال، مستشاري البيت الأبيض، وتم إدخال التعديلات الجوهرية عليه من قبل بول وولفويتز نائب وزير الدفاع وريتشارد بيرل الرئيس السابق لمجلس سياسات الدفاع، بعد عرضه على الرئيس بوش ليتفق مع خطابه الأخير حول تسريع العملية الديموقراطية في الوطن العربي.
وليس من الغريب أن يعترض على خطاب الرئيس بوش بعض مزدوجي الشخصية الذين يحسنون القفز على حبلي الثقافة والسياسة كبهلوانات مدربة لينالوا رضا الحاكم العربي متصنعين الشفقة والرحمة على الشعوب العربية، ومن هؤلاء سيدة عرفت بولائها السياسي للحزب الحاكم في بلدها والذي أذاق العباد كل صنوف الهوان والذل، وكان مما اعترضت عليه هو أن الديموقراطية التي يعد بها بوش مرفوضة لأنها ستكون على نمط الديموقراطية في فرنسا التي تكره الفتيات على خلع غطاء الرأس في المدارس، وكأن هذه السيدة قد نسيت أن عقدا كاملا مر على بلدها، والفتيات يجبرن على خلع غطاء الرأس، فأين كانت هذه السيدة الحريصة على القيم الدينية وتقاليد الثقافة العربية آنذاك؟! وأين كانت حميتها الإسلامية عندما قال أحد "علوج" بلدها:( لماذا يذهب الناس إلى مكة ليطوفوا حول الكعبة؟ لماذا لا يأتوا ليطوفوا حول القائد الرمز؟)
وفي فرنسا أقام أب يهودي دعوى قضائية على مدرسة ابنتيه المسلمتين لأنها منعتهما من الحجاب، بينما قام وزير التعليم المصري بزيارة لإحدى مدارس الإسكندرية فوجد أن نسبة التلميذات المحجبات عالية فلم يرق له المنظر واتهم المشرفين بالتقصير. فأين حرية الممارسة الدينية في بلاد الإسلام ؟ وكيف يمكن التمييز بين دار الإسلام ودار الكفر، هذه المصطلحات التاريخية التي ما زال بعضنا يصر على التمسك بها؟! لست من هواة تكفير المجتمعات الإسلامية كما قد يفهم بعض القراء، لكنني أحبذ النظرة الواقعية إلى الأمور، ولذلك يستهويني وصف الدكتور علي شريعتي للمجتمعات الإسلامية بأنها أصبحت ككلمة الزرافة والتي يعبر عنها بالفارسية بـ شتر كاو بير أي جمل بقرة نمر، فلم يعد لمجتمعاتنا ذاتية ولا خصوصية، وإنما هي خليط غير متجانس من بشر لا يفهمون بعضهم بعضا كما الزرافة خليط من البقرة والنمر والجمل!
وعَوْداً إلى وصف الحالة المتردية في البلاد العربية نجد أن أسلوب القتل والقمع في الجزائر ما زال هو الطريقة الوحيدة للتفاهم بين السلطة والجماعات التكفيرية؛ وللتو انتهيت من رؤية فيلم وثائقي تدور أحداثه حول ثلة من الشباب الذين يعانون من البطالة ويحلمون بالهجرة إلى فرنسا أو الحصول على أي جنسية، ويقول أحدهم إن الدولة رغم أنها المسؤولة عن حل مشكلته فهي تعتبره إرهابيا لأنه عاطل عن العمل، بينما هو حقيقة يخاف أن تنتهي حياته على يد الملتحين الإرهابيين، فيعلق أحد أصدقائه أن هؤلاء الملتحين أرحم من أولئك الذين في يدهم مقاليد الحكم، فهم على الأقل سيطلبون منك أن تصلي خمس مرات في اليوم، أما من يحكم حاليا فهم يأمرونك أن تسجد لهم طوال اليوم!
وفي المغرب يصل أحد نشطاء حقوق الإنسان إلى منصب وزير حقوق الإنسان، لكن الكرسي ينسي، فنجده يتبع الثقافة الغربية في كل شيء إلا في السعي لحرية المواطن، فهنا برأيه يجب أن نتمسك بثقافتنا الإسلامية! ويقول صراحة أن تعاليمنا الدينية تتنافى مع الديموقراطية الغربية، وكأن الإسلام جاء ليكرس عبودية الناس لبعضهم بعضا وليس كما قال ربعي بن عامر لرستم كبير الفرس:( جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله)، وليس كما قال أحدهم للخليفة الراشدي عمر: لو اعوججت لقوّمناك بسيوفنا!
وفي المغرب أيضا اعتقل صحفي فرنسي من أصل مغربي، لأنه تجرأ وانتقد الذات الملكية، هكذا ورد الخبر، وكنت أظنه مس جلال الذات الإلهية! بينما يكون جزاء كثير من الصحفيين في بلاد عربية بالمنع من الكتابة لأنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء مع أن رؤساء التحرير لم يروا في المقالات أي خلل بدليل أنهم سمحوا بنشرها، ومع ذلك فهؤلاء الصحفيين أسعد حظا من غيرهم في بلاد عربية أخرى حيث تمنع الصحيفة أو المجلة من أن ترى النور وليس المقال فقط، وكذلك هم أسعد حظا من زملائهم في بعض البلاد الإسلامية التي يسيطر فيها الإكليروس الديني، فيكون جزاء الصحفي أو الكاتب إما التكفير والخروج من الملة أو الجلد المهين أمام الناس، علما بأنه لا يوجد إكليروس ديني في الإسلام، ولكن الشبه موجود بين تلك البلاد وبين أوربا في العصور الوسطى، عندما كانت الكنيسة تمسح الملوك بالزيت وتوهمهم أن سلطتهم يستمدونها من السماء مما يسهل عليهم استعباد الشعوب في الأرض.
هذه أمثلة من أحادية الرأي والاستبداد على المستوى السياسي، أما على مستوى الأسرة فإنه مما لا شك فيه أن الاستبداد السياسي يؤدي للاستبداد الاجتماعي؛ وفي سؤال وجه لي كمستشارة اجتماعية في مشاكل الشباب والأسرة حول أسباب تفشي التحرش الجنسي وزنا المحارم، كان جوابي أن الأب المستبد في العائلة هو مثال مصغر للحاكم المستبد، (والناس على دين ملوكهم)، والأخ في العائلة يتقمص شخصية والده، ويرى استبداد الأب بالأم وكيف يهينها فيتعلم أن من حقه أن يهين أخته فيتحرش بها، وهي ترى والدتها لا تعترض على الظلم الذي يقع عليها فتتعلم منها ألا تعترض على تحرش أخيها، وبذلك تصبح الأنثى مرتعًا خصبًا لنزعات الذكور العدوانية أو متاعًا مهانًا لإخراج نزواتهم الجنسية. وتشجع الأجواء الديكتاتورية الفاسدة على نمو الإباحية تحت مسمى الحرية الخادع، حيث لا يكون الفرد حرًّا إلا بقدر ما يرضي شهوته وغرائزه فيَسهُل استعباده، وبينما ينشأ الفرد على الخوف والكبت والقمع يُسمح له باقتناص اللذة المحرمة بأي شكل، ففي جو مريض كهذا ونفسية معلولة كتلك، يمكن للرغبات أن تعربد في أي اتجاه، وبالطبع فإن الاتجاه الأسهل والفريسة الأقل كلفة -أو غير المكلفة- غالبًا ما تتمثل في الأخت أو غيرها من المحرمات أو المستضعفات اللواتي في متناول اليد.
وإذا انتقلنا من المستوى الأسري إلى الأفراد أنفسهم نجد أمثلة كثيرة على رفض الآخر أو الاستبداد بالرأي، فعندما أعالج مريضة مسيحية من العقم، ويهمني أن تنجب طفلا يكون قرة عين لها لا يروق هذا لممرضة مسلمة، فكيف أتمنى أن يزيد عدد الكفار واحدا، وهذه السيدة برأيها كافرة ولن تنجب إلا كافرا مثلها؟! وعندما أمازح ممرضة مسيحية بأن طفلتها المعجبة بابني ستكون من نصيبه يوما ما، يغيظها هذا الكلام لأنها تعتبرني وابني من الكفار، ما دمت لا أؤمن بأن المسيح هو الله؛ وإذا استشهدت بأقوال فولتير على أنه فيلسوف أوربا الأول نعَتَني "المتخلفون عقليا" بأني أستشهد بأقوال كافر سب الرسول عليه الصلاة والسلام، وكأن الحكمة ليست ضالة المؤمن، فإذا برهنت لهم أن فولتير نفسه تراجع في آخر أيام حياته عن بعض أفكاره التي كان يعتنقها في شبابه لدرجة أن بعض آرائه في موسوعته الفلسفية- وهي آخر ما كتب - لا يمكن أن تدل إلا على دفاعه عن المسلمين كما في مقالته عن المحمديين ولا يمكن أن تصدر إلا عن عابد متنسك كما في مقالتيه عن الدين والإيمان،& وإذا أكدت لهم أنه اعتذر عن إساءته للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، خُيِّل لأولئك أني أبرر للتغريبيين إعجابهم بالغرب، هذا إذا لم يتهموني بأني واحدة منهم!
ويعترض بعض الإسلاميين في مصر على دخول نانسي عجرم إليها، وكأن مصر خالية محصنة من أمثالها، وتكتب إحدى الإسلاميات أنها لو كانت المفتي لأهدرت دمها. وفي جنازة ممثل سعودي يخاطب أحد الوعاظ الناس الحاضرين، وأغلبهم من زملاء الممثل، فيقول لهم: هذا مصيركم. وهذا إرهاب ديني فكري، لأن الموت مصير كل حي، ولا تكون التذكرة والموعظة بهذا الأسلوب الإرهابي، ولا يتم التخلص من نانسي عجرم وأمثالها بإهدار دمها، فحتى الرسول عليه الصلاة والسلام لم يهدر دم أحد من العصاة اللهم إلا واحدا أو اثنين ممن تعتبر أفعالهم خيانة عظمى للدولة الإسلامية، هذا في عصر النبوة والازدهار فكيف ونحن في عصر التردي والانحطاط؟!
وأتساءل: هل حقا كُتب علينا نحن العرب أن نذوق بأس بعضنا بعضا إلى يوم الدين؟ وإلى متى نسمع بعض الغربيين يقولون عن العرب بأنهم يتصفون بصفات معرقلة لنموهم الديمقراطي مثل النفاق واللاعقلانية وأعراف الخجل والشرف؟!
الديكتاتورية راسخة فينا، ضاربة جذورها في أعماقنا، فنحن نفرضها في البيت على أولادنا، ونزاولها في مدارسنا وأعمالنا، والقبلية والعصبية والتقاليد الخرافية تحكمنا، ولا نعرف إلا فرض الرأي دون أن نعذر الآخر المخالف أو نقبل رأيه في أحسن الأحوال، وكل منا يجد أن منظاره الخاص الذي يحكم به على الأمور هو منظار مقدس لا يجوز لأحد أن يمسه حتى لو بمنديل لينظفه له ولتكون رؤيته للأمور أوضح وبشكل أوسع من الزاوية الضيقة التي ينظر بها، وننكر على غيرنا تجاربه التي يستقي منها خبراته، وننسى أن لكل منا حق التعبير عن رأيه حتى لو كان عكس رأينا، ونستسهل إلغاء الآخر بقصفه بأبشع النعوت والصفات، وهذا لا يقتصر على فئة دون فئة، فالكل - علمانيين وإسلاميين - واقعون في نفس المصيدة إلا من رحم ربك! وهذا ما أشار إليه بكر عويضة الكاتب في جريدة الشرق الأوسط في العدد الصادر يوم الثلاثاء 2/12/2003:
(غريب هذا الواقع. لماذا الإصرار على فظ الكلام وغليظ المشاعر والتشكيك في النيات. هذا هو مثلث التعامل بين تياراتنا، أحزابا وحركات ومؤسسات وأفرادا مستقلين، الا من رحم ربك، طوال اكثر من نصف قرن. أليس ممكنا أن يقرأ القوميون بحسن نية كلاما يقوله، أو اجتهادا يقترحه ليبراليون؟ كلا، عيب. أمن الصعب أن يحسن الليبراليون أو العلمانيون الظن بخطوة ما يقدم عليها اسلاميون؟ طبعا صعب جدا، لا بل مستحيل. ألا يجوز ان يستبشر الاسلاميون خيرا بأية بادرة تحاور او تفاهم يبديها ليبراليون او علمانيون؟ بالتأكيد لا يجوز، حرام.
كم هو مؤسف هذا الحال. محزن. مؤلم. محبط. وكم هو مخطئ وكارثي ايضا. لماذا هذه «الشيزوفرينيا» المتعددة الأبعاد؟ ها هم الليبراليون الذين ديدنهم حرية الرأي، لا تضيق صدور أغلبهم الا بانفاس القوميين أو الاسلاميين من بني جلدتهم. أغلب الليبراليين العرب والمسلمين يهشون ويبشون لكل من يخالفهم الرأي، من اصقاع سيبيريا الى شواطئ فلوريدا، أما من داخل دارهم، فلا.. لا، يصرخون في وجهه: امش، امش، ثم يسلقونه بألسنتهم، فاذا لم يكف هذا شووه بأقلامهم، ولو تمكنوا لصلبوه على المشانق. والحال نفسه ينسحب على غالبية القوميين في التعامل مع الاسلاميين والليبراليين، مع اضافة مشاوي التخوين والتعميل، وهكذا ايضا في تعامل أغلبية الاسلاميين مع الليبراليين والقوميين والعلمانيين، مع اضافة جهنم التكفير والاخراج من الملة. باختصار، الكل يطرد الكل مذموما مدحورا كما طرد ابليس من الجنة. وهنا عقدة العقد. احتكار الحق والحقيقة، حتى لو كان الحق هو الثمن والحقيقة هي الضحية!)
التقرير الأمريكي يشدد النكير على كل القوميين والإسلاميين ويرى أنهم السبب في إعاقة النمو الديموقراطي في المنطقة، ولا أظن الحقيقة بعيدة عن ذلك، فكل أيديولوجية تعلن أنها تملك الحقيقة المطلقة ستؤدي إلى نفي التعددية، حتى لو لبست ثوب الإسلام أو تقنعت بخمار العروبة، ومع أن القرآن أوضح& أن الاختلاف سنة كونية: ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. ولذلك خلقهم )، وعلّم الرسولَ عليه الصلاة والسلام كيف يحاور المخالفين بإرجاع الخطأ إلى النفس قبل اتهامهم بالخطأ: ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون )، لكننا لم نشهد تلك الدولة الإسلامية المعاصرة التي طبقت هذا الكلام، وليس أمامنا إلا تجارب شوهاء لا تمت إلى روح الإسلام الحقيقي بشيء؛ ومن الأجدر بكل مقتنع بالإسلام كطريقة حياة أن لا يوافق على تطبيق الإسلام بالإكراه لأن الشريعة لا تكون مكينة في النفوس ما لم تصل إليها عبر جسر من الحرية، ولولا الحرية التي وجدها الرسول عليه الصلاة والسلام في مجتمع المدينة لما استطاع أن يؤسس للشريعة، وكان الاعتراف بالآخر وهم اليهود من أهم بنود الوثيقة التي وضعها في المدينة؛ لذلك ينبغي الكف عن العزف على أوتار انفعالات الجماهير وعواطفهم الدينية، سواء أتى هذا العزف منفردا من بعض الحركات الإسلامية أو بإيحاء من المؤسسات الدينية السياسية، لأن الإسلام لا يكون إسلاما حقا إلا عندما يحرر الإنسان من كل عبودية إلا العبودية لله خالق البشر جميعا، وحتى هذه العبودية فهي اختيارية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). أما شعارات القومية في الوحدة والحرية والاشتراكية فلم تثمر إلا تفرقا واستبدادا ورفاهية للطبقات الحاكمة فأين الوحدة؟ وأين الحرية؟ وأين الاشتراكية؟ حدث ولا حرج عن ممارسات القوميين وطروحاتهم القمعية التي حولت الهوية إلى أيديولوجيا مغلقة ومتعصبة بدون أي مبرر اللهم إلا التشدق بالنصر على إسرائيل ومع ذلك لم نر إلا الخسائر والهزائم!
أعلم تماما أن أمريكا لا تريد الديموقراطية في بلادنا من أجل سواد عيوننا، ولكن لأن إسرائيل لا يمكن أن تكون مقبولة في المنطقة إلا إذا تعلمت الشعوب العربية كيف تقبل الآخر، ويتضمن هذا الآخر كل صالح وطالح بما فيهم الجرذان وبما فيهم الصهاينة، وأعلم أن نشر الثقافة الأمريكية في المنطقة سيجعلنا نتحسر على أيام نانسي عجرم ومثيلاتها، ولكن هل يتكرم مصطفى بكري وأمثاله فيشرحون لنا كيف يمكن لنا أن نكون أحرارا فنقول كلمتنا دون أن نخشى لومة لائم؟ هل استطاع مصطفى بكري أو غيره أن يرفع صوته عندما كان جمال عبد الناصر يرمي في المعتقلات كل المخالفين من اليساريين أو الإخوان المسلمين؟ أم أنه من المعيب أن نقر ونعترف بأن السلام مع إسرائيل، والذي كان عرابه الأول أنور السادات، كان هو السبب الوحيد الذي جعل المصريين يتميزون عن إخوانهم العرب بشيء من الحرية ولو كانت حرية بالكلام فقط؟
لست من أنصار السلام مع إسرائيل كما قد يحلو للبعض أن يفهم، لكن إذا كانت إسرائيل هي مسمار جحا الذي يتفقده السياسيون ويهددوننا بتحويله إلى سيف مسلط على الرقاب كل دقيقة فليس ثمة مانع أن نطلب تحريرنا من هذا الرعب بأي طريقة كانت؛ ولست كذلك من مشجعي تحرير البلاد العربية كما تحررت العراق بتلك الطريقة الكارثية، لكنني أيضا لست ممن يهوون العيش في سراب الأحلام ولذلك أسأل وبواقعية: هل من خيار آخر؟ هل يمكن التغيير بطريقة أخرى غير طريقة أمريكا؟!
في ختام شهادة الفريق الشاذلي في برنامج شاهد على العصر، أوضح أن الطريق الوحيد للانتصار على إسرائيل هو الديموقراطية، ثم الديموقراطية، ثم الديموقراطية أعادها ثلاث مرات لكن ليته أخبرنا كيف يمكن الوصول إلى هذه الكلمة السحرية "الديموقراطية"؟& هل يمكن أن يُخلَق أي مفهوم حيوي خلقا مفاجئا بدون أن يحبو طفلا رائعا في التربية ثم يسمق عوده شابا متحمسا في الثقافة ثم يشيب فوده كهلا حكيما في السياسة؟!
كتب الأستاذ منصور النقيدان في مقال له نشرته النيويورك تايمز بتاريخ 28/11/2003: (إن أولئك الذين يمسكون بزمام المسئولية يجب أن يدركوا أنه من أجل أن نتجنب الكارثة يتعين علينا أن نستعد لدفع الثمن الباهظ للتغيير، وأن نقبل بالتضحيات التي سوف تنتج عن ذلك). لعل في كلامه جوابا على السؤال حول طريقة التغيير، وإنّ فيه لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
بهذه الكلمات أنهى مصطفى بكري مقاله الذي ذكر فيه بعض بنود التقرير الذي أعده كل من ستيفن مايكل وسيوارث فاننشتال، مستشاري البيت الأبيض، وتم إدخال التعديلات الجوهرية عليه من قبل بول وولفويتز نائب وزير الدفاع وريتشارد بيرل الرئيس السابق لمجلس سياسات الدفاع، بعد عرضه على الرئيس بوش ليتفق مع خطابه الأخير حول تسريع العملية الديموقراطية في الوطن العربي.
وليس من الغريب أن يعترض على خطاب الرئيس بوش بعض مزدوجي الشخصية الذين يحسنون القفز على حبلي الثقافة والسياسة كبهلوانات مدربة لينالوا رضا الحاكم العربي متصنعين الشفقة والرحمة على الشعوب العربية، ومن هؤلاء سيدة عرفت بولائها السياسي للحزب الحاكم في بلدها والذي أذاق العباد كل صنوف الهوان والذل، وكان مما اعترضت عليه هو أن الديموقراطية التي يعد بها بوش مرفوضة لأنها ستكون على نمط الديموقراطية في فرنسا التي تكره الفتيات على خلع غطاء الرأس في المدارس، وكأن هذه السيدة قد نسيت أن عقدا كاملا مر على بلدها، والفتيات يجبرن على خلع غطاء الرأس، فأين كانت هذه السيدة الحريصة على القيم الدينية وتقاليد الثقافة العربية آنذاك؟! وأين كانت حميتها الإسلامية عندما قال أحد "علوج" بلدها:( لماذا يذهب الناس إلى مكة ليطوفوا حول الكعبة؟ لماذا لا يأتوا ليطوفوا حول القائد الرمز؟)
وفي فرنسا أقام أب يهودي دعوى قضائية على مدرسة ابنتيه المسلمتين لأنها منعتهما من الحجاب، بينما قام وزير التعليم المصري بزيارة لإحدى مدارس الإسكندرية فوجد أن نسبة التلميذات المحجبات عالية فلم يرق له المنظر واتهم المشرفين بالتقصير. فأين حرية الممارسة الدينية في بلاد الإسلام ؟ وكيف يمكن التمييز بين دار الإسلام ودار الكفر، هذه المصطلحات التاريخية التي ما زال بعضنا يصر على التمسك بها؟! لست من هواة تكفير المجتمعات الإسلامية كما قد يفهم بعض القراء، لكنني أحبذ النظرة الواقعية إلى الأمور، ولذلك يستهويني وصف الدكتور علي شريعتي للمجتمعات الإسلامية بأنها أصبحت ككلمة الزرافة والتي يعبر عنها بالفارسية بـ شتر كاو بير أي جمل بقرة نمر، فلم يعد لمجتمعاتنا ذاتية ولا خصوصية، وإنما هي خليط غير متجانس من بشر لا يفهمون بعضهم بعضا كما الزرافة خليط من البقرة والنمر والجمل!
وعَوْداً إلى وصف الحالة المتردية في البلاد العربية نجد أن أسلوب القتل والقمع في الجزائر ما زال هو الطريقة الوحيدة للتفاهم بين السلطة والجماعات التكفيرية؛ وللتو انتهيت من رؤية فيلم وثائقي تدور أحداثه حول ثلة من الشباب الذين يعانون من البطالة ويحلمون بالهجرة إلى فرنسا أو الحصول على أي جنسية، ويقول أحدهم إن الدولة رغم أنها المسؤولة عن حل مشكلته فهي تعتبره إرهابيا لأنه عاطل عن العمل، بينما هو حقيقة يخاف أن تنتهي حياته على يد الملتحين الإرهابيين، فيعلق أحد أصدقائه أن هؤلاء الملتحين أرحم من أولئك الذين في يدهم مقاليد الحكم، فهم على الأقل سيطلبون منك أن تصلي خمس مرات في اليوم، أما من يحكم حاليا فهم يأمرونك أن تسجد لهم طوال اليوم!
وفي المغرب يصل أحد نشطاء حقوق الإنسان إلى منصب وزير حقوق الإنسان، لكن الكرسي ينسي، فنجده يتبع الثقافة الغربية في كل شيء إلا في السعي لحرية المواطن، فهنا برأيه يجب أن نتمسك بثقافتنا الإسلامية! ويقول صراحة أن تعاليمنا الدينية تتنافى مع الديموقراطية الغربية، وكأن الإسلام جاء ليكرس عبودية الناس لبعضهم بعضا وليس كما قال ربعي بن عامر لرستم كبير الفرس:( جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله)، وليس كما قال أحدهم للخليفة الراشدي عمر: لو اعوججت لقوّمناك بسيوفنا!
وفي المغرب أيضا اعتقل صحفي فرنسي من أصل مغربي، لأنه تجرأ وانتقد الذات الملكية، هكذا ورد الخبر، وكنت أظنه مس جلال الذات الإلهية! بينما يكون جزاء كثير من الصحفيين في بلاد عربية بالمنع من الكتابة لأنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء مع أن رؤساء التحرير لم يروا في المقالات أي خلل بدليل أنهم سمحوا بنشرها، ومع ذلك فهؤلاء الصحفيين أسعد حظا من غيرهم في بلاد عربية أخرى حيث تمنع الصحيفة أو المجلة من أن ترى النور وليس المقال فقط، وكذلك هم أسعد حظا من زملائهم في بعض البلاد الإسلامية التي يسيطر فيها الإكليروس الديني، فيكون جزاء الصحفي أو الكاتب إما التكفير والخروج من الملة أو الجلد المهين أمام الناس، علما بأنه لا يوجد إكليروس ديني في الإسلام، ولكن الشبه موجود بين تلك البلاد وبين أوربا في العصور الوسطى، عندما كانت الكنيسة تمسح الملوك بالزيت وتوهمهم أن سلطتهم يستمدونها من السماء مما يسهل عليهم استعباد الشعوب في الأرض.
هذه أمثلة من أحادية الرأي والاستبداد على المستوى السياسي، أما على مستوى الأسرة فإنه مما لا شك فيه أن الاستبداد السياسي يؤدي للاستبداد الاجتماعي؛ وفي سؤال وجه لي كمستشارة اجتماعية في مشاكل الشباب والأسرة حول أسباب تفشي التحرش الجنسي وزنا المحارم، كان جوابي أن الأب المستبد في العائلة هو مثال مصغر للحاكم المستبد، (والناس على دين ملوكهم)، والأخ في العائلة يتقمص شخصية والده، ويرى استبداد الأب بالأم وكيف يهينها فيتعلم أن من حقه أن يهين أخته فيتحرش بها، وهي ترى والدتها لا تعترض على الظلم الذي يقع عليها فتتعلم منها ألا تعترض على تحرش أخيها، وبذلك تصبح الأنثى مرتعًا خصبًا لنزعات الذكور العدوانية أو متاعًا مهانًا لإخراج نزواتهم الجنسية. وتشجع الأجواء الديكتاتورية الفاسدة على نمو الإباحية تحت مسمى الحرية الخادع، حيث لا يكون الفرد حرًّا إلا بقدر ما يرضي شهوته وغرائزه فيَسهُل استعباده، وبينما ينشأ الفرد على الخوف والكبت والقمع يُسمح له باقتناص اللذة المحرمة بأي شكل، ففي جو مريض كهذا ونفسية معلولة كتلك، يمكن للرغبات أن تعربد في أي اتجاه، وبالطبع فإن الاتجاه الأسهل والفريسة الأقل كلفة -أو غير المكلفة- غالبًا ما تتمثل في الأخت أو غيرها من المحرمات أو المستضعفات اللواتي في متناول اليد.
وإذا انتقلنا من المستوى الأسري إلى الأفراد أنفسهم نجد أمثلة كثيرة على رفض الآخر أو الاستبداد بالرأي، فعندما أعالج مريضة مسيحية من العقم، ويهمني أن تنجب طفلا يكون قرة عين لها لا يروق هذا لممرضة مسلمة، فكيف أتمنى أن يزيد عدد الكفار واحدا، وهذه السيدة برأيها كافرة ولن تنجب إلا كافرا مثلها؟! وعندما أمازح ممرضة مسيحية بأن طفلتها المعجبة بابني ستكون من نصيبه يوما ما، يغيظها هذا الكلام لأنها تعتبرني وابني من الكفار، ما دمت لا أؤمن بأن المسيح هو الله؛ وإذا استشهدت بأقوال فولتير على أنه فيلسوف أوربا الأول نعَتَني "المتخلفون عقليا" بأني أستشهد بأقوال كافر سب الرسول عليه الصلاة والسلام، وكأن الحكمة ليست ضالة المؤمن، فإذا برهنت لهم أن فولتير نفسه تراجع في آخر أيام حياته عن بعض أفكاره التي كان يعتنقها في شبابه لدرجة أن بعض آرائه في موسوعته الفلسفية- وهي آخر ما كتب - لا يمكن أن تدل إلا على دفاعه عن المسلمين كما في مقالته عن المحمديين ولا يمكن أن تصدر إلا عن عابد متنسك كما في مقالتيه عن الدين والإيمان،& وإذا أكدت لهم أنه اعتذر عن إساءته للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، خُيِّل لأولئك أني أبرر للتغريبيين إعجابهم بالغرب، هذا إذا لم يتهموني بأني واحدة منهم!
ويعترض بعض الإسلاميين في مصر على دخول نانسي عجرم إليها، وكأن مصر خالية محصنة من أمثالها، وتكتب إحدى الإسلاميات أنها لو كانت المفتي لأهدرت دمها. وفي جنازة ممثل سعودي يخاطب أحد الوعاظ الناس الحاضرين، وأغلبهم من زملاء الممثل، فيقول لهم: هذا مصيركم. وهذا إرهاب ديني فكري، لأن الموت مصير كل حي، ولا تكون التذكرة والموعظة بهذا الأسلوب الإرهابي، ولا يتم التخلص من نانسي عجرم وأمثالها بإهدار دمها، فحتى الرسول عليه الصلاة والسلام لم يهدر دم أحد من العصاة اللهم إلا واحدا أو اثنين ممن تعتبر أفعالهم خيانة عظمى للدولة الإسلامية، هذا في عصر النبوة والازدهار فكيف ونحن في عصر التردي والانحطاط؟!
وأتساءل: هل حقا كُتب علينا نحن العرب أن نذوق بأس بعضنا بعضا إلى يوم الدين؟ وإلى متى نسمع بعض الغربيين يقولون عن العرب بأنهم يتصفون بصفات معرقلة لنموهم الديمقراطي مثل النفاق واللاعقلانية وأعراف الخجل والشرف؟!
الديكتاتورية راسخة فينا، ضاربة جذورها في أعماقنا، فنحن نفرضها في البيت على أولادنا، ونزاولها في مدارسنا وأعمالنا، والقبلية والعصبية والتقاليد الخرافية تحكمنا، ولا نعرف إلا فرض الرأي دون أن نعذر الآخر المخالف أو نقبل رأيه في أحسن الأحوال، وكل منا يجد أن منظاره الخاص الذي يحكم به على الأمور هو منظار مقدس لا يجوز لأحد أن يمسه حتى لو بمنديل لينظفه له ولتكون رؤيته للأمور أوضح وبشكل أوسع من الزاوية الضيقة التي ينظر بها، وننكر على غيرنا تجاربه التي يستقي منها خبراته، وننسى أن لكل منا حق التعبير عن رأيه حتى لو كان عكس رأينا، ونستسهل إلغاء الآخر بقصفه بأبشع النعوت والصفات، وهذا لا يقتصر على فئة دون فئة، فالكل - علمانيين وإسلاميين - واقعون في نفس المصيدة إلا من رحم ربك! وهذا ما أشار إليه بكر عويضة الكاتب في جريدة الشرق الأوسط في العدد الصادر يوم الثلاثاء 2/12/2003:
(غريب هذا الواقع. لماذا الإصرار على فظ الكلام وغليظ المشاعر والتشكيك في النيات. هذا هو مثلث التعامل بين تياراتنا، أحزابا وحركات ومؤسسات وأفرادا مستقلين، الا من رحم ربك، طوال اكثر من نصف قرن. أليس ممكنا أن يقرأ القوميون بحسن نية كلاما يقوله، أو اجتهادا يقترحه ليبراليون؟ كلا، عيب. أمن الصعب أن يحسن الليبراليون أو العلمانيون الظن بخطوة ما يقدم عليها اسلاميون؟ طبعا صعب جدا، لا بل مستحيل. ألا يجوز ان يستبشر الاسلاميون خيرا بأية بادرة تحاور او تفاهم يبديها ليبراليون او علمانيون؟ بالتأكيد لا يجوز، حرام.
كم هو مؤسف هذا الحال. محزن. مؤلم. محبط. وكم هو مخطئ وكارثي ايضا. لماذا هذه «الشيزوفرينيا» المتعددة الأبعاد؟ ها هم الليبراليون الذين ديدنهم حرية الرأي، لا تضيق صدور أغلبهم الا بانفاس القوميين أو الاسلاميين من بني جلدتهم. أغلب الليبراليين العرب والمسلمين يهشون ويبشون لكل من يخالفهم الرأي، من اصقاع سيبيريا الى شواطئ فلوريدا، أما من داخل دارهم، فلا.. لا، يصرخون في وجهه: امش، امش، ثم يسلقونه بألسنتهم، فاذا لم يكف هذا شووه بأقلامهم، ولو تمكنوا لصلبوه على المشانق. والحال نفسه ينسحب على غالبية القوميين في التعامل مع الاسلاميين والليبراليين، مع اضافة مشاوي التخوين والتعميل، وهكذا ايضا في تعامل أغلبية الاسلاميين مع الليبراليين والقوميين والعلمانيين، مع اضافة جهنم التكفير والاخراج من الملة. باختصار، الكل يطرد الكل مذموما مدحورا كما طرد ابليس من الجنة. وهنا عقدة العقد. احتكار الحق والحقيقة، حتى لو كان الحق هو الثمن والحقيقة هي الضحية!)
التقرير الأمريكي يشدد النكير على كل القوميين والإسلاميين ويرى أنهم السبب في إعاقة النمو الديموقراطي في المنطقة، ولا أظن الحقيقة بعيدة عن ذلك، فكل أيديولوجية تعلن أنها تملك الحقيقة المطلقة ستؤدي إلى نفي التعددية، حتى لو لبست ثوب الإسلام أو تقنعت بخمار العروبة، ومع أن القرآن أوضح& أن الاختلاف سنة كونية: ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. ولذلك خلقهم )، وعلّم الرسولَ عليه الصلاة والسلام كيف يحاور المخالفين بإرجاع الخطأ إلى النفس قبل اتهامهم بالخطأ: ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون )، لكننا لم نشهد تلك الدولة الإسلامية المعاصرة التي طبقت هذا الكلام، وليس أمامنا إلا تجارب شوهاء لا تمت إلى روح الإسلام الحقيقي بشيء؛ ومن الأجدر بكل مقتنع بالإسلام كطريقة حياة أن لا يوافق على تطبيق الإسلام بالإكراه لأن الشريعة لا تكون مكينة في النفوس ما لم تصل إليها عبر جسر من الحرية، ولولا الحرية التي وجدها الرسول عليه الصلاة والسلام في مجتمع المدينة لما استطاع أن يؤسس للشريعة، وكان الاعتراف بالآخر وهم اليهود من أهم بنود الوثيقة التي وضعها في المدينة؛ لذلك ينبغي الكف عن العزف على أوتار انفعالات الجماهير وعواطفهم الدينية، سواء أتى هذا العزف منفردا من بعض الحركات الإسلامية أو بإيحاء من المؤسسات الدينية السياسية، لأن الإسلام لا يكون إسلاما حقا إلا عندما يحرر الإنسان من كل عبودية إلا العبودية لله خالق البشر جميعا، وحتى هذه العبودية فهي اختيارية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). أما شعارات القومية في الوحدة والحرية والاشتراكية فلم تثمر إلا تفرقا واستبدادا ورفاهية للطبقات الحاكمة فأين الوحدة؟ وأين الحرية؟ وأين الاشتراكية؟ حدث ولا حرج عن ممارسات القوميين وطروحاتهم القمعية التي حولت الهوية إلى أيديولوجيا مغلقة ومتعصبة بدون أي مبرر اللهم إلا التشدق بالنصر على إسرائيل ومع ذلك لم نر إلا الخسائر والهزائم!
أعلم تماما أن أمريكا لا تريد الديموقراطية في بلادنا من أجل سواد عيوننا، ولكن لأن إسرائيل لا يمكن أن تكون مقبولة في المنطقة إلا إذا تعلمت الشعوب العربية كيف تقبل الآخر، ويتضمن هذا الآخر كل صالح وطالح بما فيهم الجرذان وبما فيهم الصهاينة، وأعلم أن نشر الثقافة الأمريكية في المنطقة سيجعلنا نتحسر على أيام نانسي عجرم ومثيلاتها، ولكن هل يتكرم مصطفى بكري وأمثاله فيشرحون لنا كيف يمكن لنا أن نكون أحرارا فنقول كلمتنا دون أن نخشى لومة لائم؟ هل استطاع مصطفى بكري أو غيره أن يرفع صوته عندما كان جمال عبد الناصر يرمي في المعتقلات كل المخالفين من اليساريين أو الإخوان المسلمين؟ أم أنه من المعيب أن نقر ونعترف بأن السلام مع إسرائيل، والذي كان عرابه الأول أنور السادات، كان هو السبب الوحيد الذي جعل المصريين يتميزون عن إخوانهم العرب بشيء من الحرية ولو كانت حرية بالكلام فقط؟
لست من أنصار السلام مع إسرائيل كما قد يحلو للبعض أن يفهم، لكن إذا كانت إسرائيل هي مسمار جحا الذي يتفقده السياسيون ويهددوننا بتحويله إلى سيف مسلط على الرقاب كل دقيقة فليس ثمة مانع أن نطلب تحريرنا من هذا الرعب بأي طريقة كانت؛ ولست كذلك من مشجعي تحرير البلاد العربية كما تحررت العراق بتلك الطريقة الكارثية، لكنني أيضا لست ممن يهوون العيش في سراب الأحلام ولذلك أسأل وبواقعية: هل من خيار آخر؟ هل يمكن التغيير بطريقة أخرى غير طريقة أمريكا؟!
في ختام شهادة الفريق الشاذلي في برنامج شاهد على العصر، أوضح أن الطريق الوحيد للانتصار على إسرائيل هو الديموقراطية، ثم الديموقراطية، ثم الديموقراطية أعادها ثلاث مرات لكن ليته أخبرنا كيف يمكن الوصول إلى هذه الكلمة السحرية "الديموقراطية"؟& هل يمكن أن يُخلَق أي مفهوم حيوي خلقا مفاجئا بدون أن يحبو طفلا رائعا في التربية ثم يسمق عوده شابا متحمسا في الثقافة ثم يشيب فوده كهلا حكيما في السياسة؟!
كتب الأستاذ منصور النقيدان في مقال له نشرته النيويورك تايمز بتاريخ 28/11/2003: (إن أولئك الذين يمسكون بزمام المسئولية يجب أن يدركوا أنه من أجل أن نتجنب الكارثة يتعين علينا أن نستعد لدفع الثمن الباهظ للتغيير، وأن نقبل بالتضحيات التي سوف تنتج عن ذلك). لعل في كلامه جوابا على السؤال حول طريقة التغيير، وإنّ فيه لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
التعليقات